د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
حدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته الجامعة إلى مواطنيه، في التاسع عشر من جمادى الأولى 1436، الموافق العاشر من مارس 2015، ملامح التقدم، وأوضح خريطة الطريق ورسم معالم المستقبل الذي يسير بشعبه إليه، كلمة مثلت «نبراسا للمستقبل»؛ إذ جاءت صريحة وشفافة في مواجهة التحديات وتحديد المسؤوليات إزاء العلاقات السعودية الدولية، فقد قال يحفظه الله «نحن جزء من هذا العالم، نعيش مشاكله والتحديات التي تواجهه، ونشترك جميعا في هذه المسئولية، وسنسهم -بإذن الله- بفاعلية في وضع الحلول للكثير من قضايا العالم الملحة، وسنستمر في العمل على ذلك مع المنظمات والمؤسسات والشركاء الدوليين».
واليوم، وقد أخذت الأمم تتنافس فيما بينها، وتتسابق إلى تحقيق التقدم، وملاحقة ما يطرأ من جديد على كل صعيد، وإحراز النجاح في المجالات كافة، اقتصادية وعلمية وسياسية ودبلوماسية واجتماعية وغيرها، يجد المراقبُ أن المملكة قد استعدت وسعت إلى الانطلاق نحو عصر «المعلوماتية» الجديد، عبر دخولها معترك العولمة بسلاح «المعرفة» لتؤكّد أن المواطن السعودي والمواطنة السعودية قادران على المنافسة، بل وتحقيق «التفوق» في أي سباق «مع الآخر» في جميع الميادين.
ومن بين متطلبات تحقيق التفوق المشار إليه، تطوير علاقات المملكة «الخارجية» بجميع أطراف المجتمع الدولي ومكوّناته، خاصة القوى الفاعلة فيه، والأكثر تأثيرا في حركته، وهو ما يستدعي استنهاض الكثير من الهمم والطاقات، واستنفار الكثير من الجهود، خاصة في إطار المجتمع «الأهلي» وتطوير الشراكة المجتمعيّة، باتّجاه حشد الإرادات القادرة على خدمة الوطن في الميادين كافة، وصولا إلى أفضل أداء يعزّزُ «النموذج» السعودي وصورته «الذهنية» رسالة، وموقعا، ودورا، في مجالاته الحيويّة، وعلى النحو الذي يخدمُ الخيارات السعودية بكل أبعادها الاستراتيجية.
فالمملكة ترتبط بعلاقات وثيقة وشقيقة وصديقة بالكثير من دول العالم، وتسعى جاهدة إلى تقويتها وتطويرها على الدوام، وتحظى بتقدير كبير من المجتمع الدولي لما لها من إرث ديني وتاريخي وحضاري وثقافي واقتصادي، وتساهم منذ تأسيسها مساهمة صادقة في كل الجهود الرامية إلى تحقيق السلم والأمن الدوليين، وتتبنى منذ قيامها سياسة خارجية تقوم على مبادئ الاحترام لسيادة الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية، وحل النزاعات بالوسائل السلمية في ظل الشرعية الدولية.
ويعلم المواطن في هذا البلد الكريم مقدار اهتمام الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-، بتطوير علاقات المملكة بأعضاء المجتمع الدولي، ويعلم المواطن أيضا مقدار حرصه -سلمه الله- على الإبقاء على تلك العلاقات في أوجها الإيجابي دوما.
وقد كان ذلك واضحا في خطابه لمواطنيه في التاسع عشر من جمادى الأولى 1436، الموافق العاشر من شهر مارس 2015، المشار إليه مسبقا.
كما يعلم المواطن أيضا بحرص القيادة في بلادنا على تعزيز علاقات المملكة بالولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، فكيف لا، وهي الشريك والحليف الاستراتيجي الذي ترتبط بها بلادنا بتاريخ طويل من الصداقة والعلاقة التي تعود بداياتها إلى عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، تغمده الله بواسع رحمته.
ولقد راقب المجتمع السعودي النجاح الكبير الذي حققته زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى الولايات المتحدة عام 2012، عندما كان -أيده الله- وزيرا للدفاع، وهي الزيارة التي أكدت على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وعلى صلابة التنسيق بينهما، وعبرت عن القلق المشترك في مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، وهي الدلائل التي حظيت بدعم الغالبية في مجلس الشيوخ الأمريكي خلال تلك الزيارة، الدلائل التي رأت في المملكة شريكا وحليفا أساسيا، وأكدت حرصها على التواصل الوثيق بين الولايات المتحدة والمملكة، دعما لأمن واستقرار ورخاء المنطقة.
وجاءت زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الولايات المتحدة في الرابع من سبتمبر 2015 لتتوج زيارته في عام 2012، ورغم مجيء الزيارة الأخيرة في ظل ظروف سياسية واقتصادية وجيوسياسية بالغة الأهمية، إلا أنها نتيجة لما يوليه الملك سلمان -سلمه الله- من حرص، عززت العلاقات التاريخية بين البلدين، تلك العلاقة التي يمكن النظر إليها على أنها من بين أهم علاقات المملكة الخارجية، حيث تعود دبلوماسيا إلى مرحلة الاستكشاف والتنقيب عن النفط في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهي المرحلة التي أسفرت عن اكتشاف أعظم احتياطي من النفط في العالم المعاصر، الاكتشاف البترولي الذي أدى إلى تحول اقتصادي واجتماعي سعودي مذهل.
كما يمكن النظر إلى علاقة المملكة بالولايات المتحدة على أنها تمثل ركنا أساسيا في سياسة المملكة الخارجية، وذلك من منطلق أن المملكة تتمتع ومنذ ما يقرب من الثمانين عاما بعلاقات مميزة مع الولايات المتحدة من جهة، ولأن الولايات المتحدة تمثل أكبر قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وتقنية في العالم من جهة أخرى، ما يعني أن المحافظة على تعزيز هذه العلاقات، هو أمر مطلوب على المستويات والأصعدة كافة.
ويؤكد واقع العلاقات السياسية الخارجية بين البلدين، على أنه رغم ما شهدته العلاقات من توترات في فترات زمنية متفاوتة، إلا أنها بقيت علاقة شراكة استراتيجية واضحة المعالم، ما أدى إلى تأكيد الكثير من المحللين والمراقبين في الشئون الدولية، بأن تلك الأزمات والتوترات في العلاقات، هي التي ساعدت على تحصينها، إدراكا من قادة البلدين أن المصالح المشتركة لا تجيء إلا عبر الرؤى المتقاربة، وإن لم تكن متطابقة.
ناهيك عن حقيقة مهمة أخرى حول طبيعة هذه العلاقات، وهي أن ما حدث ويحدث من تطورات في المنطقة، لم يغير طبيعة العلاقات السعودية- الأمريكية الاستراتيجية، الذي يتضح من خلال الزيارات والجولات الرسمية للمسئولين الأمريكيين، وهي الزيارات التي كانت الرياض ولا تزال محطة أساسية فيها، ما يشعر المراقب بأن هناك إرادة مشتركة للحفاظ على العلاقات وتطويرها على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، إرادة أسست لتطور إيجابي في العلاقات، مستندة في ذلك على عدم السماح ما أمكن لأي قضية أن تعرقل وتيرة التعاون بينهما، مؤكدة أن الحوار والتعاون هما السبيل الأمثل والأجدى لتجاوز وإزالة كل ما يظهر على السطح من خلاف.
ولقد أجمع المحللون والمراقبون على أن الزيارة الميمونة للملك سلمان للولايات المتحدة قد تكللت بنجاح لا محدود، فقد عرض -سلمه الله- على الرئيس الأمريكي:
* رؤية سعودية حول القضايا والمستجدات الدولية، والإقليمي منه على وجه خاص.
* رؤية سعودية حول الطريق الأمثل لتعزيز التعاون في إنجاح الجهود المتعلقة بهذه القضايا.
* رؤية سعودية حول السبيل الأمثل الذي يمكن المملكة والولايات المتحدة من رسم مستقبل علاقاتهما سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا ودبلوماسيا وثقافيا وغيره
* رؤية سعودية حول الأوضاع الراهنة في المنطقة وكيف يمكن التوصل لحلول لإشكالياتها يمنيا، وسوريا، وإيرانيا، وداعشيا وقاعديا، وأخيرا.
* رؤية سعودية حول الملف النووي الإيراني الذي يمثل قلقا إقليميا كبيرا، خاصة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وقد صدر عقب تلك الزيارة التاريخية الناجحة بيانا مشتركا أكدت فيه القيادتان على الكثير من الأمور التي يأتي في مقدمتها: ضمان استقرار المنطقة، وضمان عدم حصول إيران على السلاح النووي عند تطبيق الاتفاقية الموقعة بين 5+1 وإيران والاستمرار في تقوية العلاقات السعودية الأمريكية الاستراتيجية، وتكثيف جهود الجانبين للحفاظ على أمن المنطقة، وتعزيز التعاون العسكري الثنائي في مواجهة داعش والحد من تدفق المقاتلين إليه وقطع إمدادات تمويله، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتسريع الإمدادات العسكرية إلى المملكة، ودعم الاستثمارات المشتركة، والتأكيد على عمق العلاقة الاستراتيجية في المجالات التنموية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والتعليمية والثقافية وغيرها.
وفيما يخص استراتيجية العلاقات المستقبلية بين البلدين، فقد قدّم سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للرئيس أوباما، حسب وزير الخارجية السعودي، عرضا عن رؤى المملكة حول مستقبل العلاقات، وقد وجهت القيادتان المسئولين المعنيين في البلدين لوضع الآليات التي ستنبثق منها «استراتيجية القرن الحادي والعشرين للعلاقات السعودية الأمريكية».
وفي هذا الصدد، فقد أكد الملك سلمان في كلمته التي وجهها للمشاركين في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي الذي عقد بالتزامن مع زيارته -سلمه الله- لواشنطن، على أننا «لمسنا توافقا في الآراء نحو العمل على نقل علاقاتنا الاستراتيجية إلى مستويات أرحب، وقد عزمنا على وضع الإطار الشامل لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتوطيدها في مختلف المجالات للعقود المقبلة -بإذن الله-».
ونجده من المناسب التنويه عن الاختيار المناسب جدا من لدن سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، لصاحب السمو الأمير عبدالله بن فيصل بن تركي، ليكون سفيرا للمملكة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتوقع الكثيرون لسموه دورا دبلوماسيا ملموسا في المستقبل المنظور في تعزيز العلاقات السعودية- الأمريكية، فهو الرجل الذي قضى سنوات من النشاط الدبلوماسي اللارسمي، عبر الكثير من الزيارات للولايات المتحدة على رأس نخبة سعودية مثقفة، لتوضيح الكثير من المعلومات الخاطئة عن المملكة، وتصحيح الفكر المغلوط عنها، ولذلك، فهو شخصية متمرسة في مهام يحتاج إليها كل من يعمل على تطوير العلاقات الرسمية والأهلية السعودية بالحكومة وبالشعب الأمريكي.
والحقيقة أنه بقدر ما حزن السعوديون لخسارة الدبلوماسية السعودية لسمو الأمير سعود الفيصل -غفر الله له-، الشخصية السياسية الفذة والرائعة، بقدر ما سعدوا بمجيء سمو الأمير عبدالله بن فيصل للدبلوماسية السعودية بشكل عام، ولإدارة دفة العلاقات بين المملكة وأهم قطب أحادي دولي في عالمنا المعاصر، بشكل خاص.
وفي عودة لعنوان هذه المقالة، والمتعلق بـ»الدور المأمول للمجتمع السعودي الأهلي كإحدى آليات الاستراتيجية المستقبلية للعلاقات السعودية- الأمريكية»، فيمكن القول بأن تعزيز الدور «الأهلي» وتطويره وتوظيفه لدعم العلاقات السعودية الدولية يعد مطلبا تتزايد أهميته، في ضوء تزايد تعقيدات البيئة الدولية وتكتلاتها السياسية، وتشابك مصالحها، ما أدى إلى تزايد اعتماد الدول على مؤسساتها المجتمعية.
والحقيقة أنه على الرغم من الجهود الناجحة في توطيد العلاقات السعودية الدولية التي تقوم بها أجهزة الدولة المختلفة، وعلى رأسها مقام وزارة الخارجية، إلا أن المتغيرات السريعة والمتلاحقة إقليميا ودوليا، تطرح على المهتمين بتعزيز المكانة «الدولية» للمملكة، خاصة في ظل استمرار صعودها خلال السنوات الأخيرة، ابتكار أشكال جديدة من العمل «المجتمعي» لتحقيق مزيد من الإسهام في تثبيت المكانة السعودية وتأكيدها، في مجالات ومستويات العلاقات الدولية كافة.
ولنأخذ مثالا على ذلك: فإن لمشاركة «مجتمعنا الأهلي» في تعزيز العلاقات السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الإيجابيات، ويأتي من بين أبرزها:
* خدمة التوجهات والسياسات الوطنية المعنية بتنمية العلاقات السعودية- الأمريكية.
* تحقيق التعاون والتنسيق الرسمي الأهلي دعما لتطوير العلاقات بين البلدين.
* قيام المجتمع الأهلي السعودي بدور مساند لجهود الدولة في الارتقاء بالعلاقات.
* إيجاد مزيد من قنوات التواصل والحوار والانفتاح بين مكونات وشرائح المجتمعين.
* تغيير الصورة النمطية عن الوطن والمواطنين السعوديين في الذهنية الأمريكية.
* التعامل مع التوظيف المغرض الذي أساء للعلاقات وأضر بفرص التلاقي والتعاون.
* تنفيذ برامج تواصل ثقافية وإعلامية وعلمية وتعليمية بمشاركات سعودية وأمريكية.
* الإفادة من المبتعثين السعوديين، وأصدقائنا من الأمريكيين.
وهناك مبرر آخر يتطلب دعم الجهود الأهلية في مسيرة تعزيز العلاقات السعودية- الأمريكية، وهو مبرر يتعلق بـ»الرأي العام السعودي» فلقد أظهرت نتائج مسح غير مسبوق وغير مراقب، قام به «مركز الرأي العام في واشنطن العاصمة» وأعد هاتفيا على مستوى المملكة حول موضوعات عدة، كان من بينها العلاقات السعودية- الأمريكية.
وقد أظهرت نتائج المسح أن «69 في المائة من الرأي العام السعودي الذي شارك في المسح يدعم علاقات قريبة ومتينة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة، بينما يعارض ذلك 19 في المائة فقط من المشاركين في المسح».
وهذا مبرر مهم جدا يتطلب الحرص على الإفادة من وجهة نظر الرأي العام السعودي، والعمل على تعزيزها من خلال رسالة وأهداف واضحة، تعنى بتعزيز العلاقات الأهلية السعودية مع شعب الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكي ندعم توجه «الرأي العام السعودي» المتمثل في نتائج المسح المشار إليه آنفا، فإننا نحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل المؤسسي الجاد والمكثف متعدد المحاور، لنعزز مستوى التفاهم والاحترام بين الشعبين، لأن من شأن ذلك أن يوفر للبلدين علاقات صحية وسليمة وعادلة.
كما أن علينا نشر وزيادة الوعي الثقافي والمعرفي بينهما، خاصة أن المعرفة بتاريخ وثقافة وحضارة البلدين، تكاد تكون مفقودة أو ضعيفة وهشة.
ولذلك فإنه من الضروري الاهتمام بهذا الجانب، لأن زيادة الوعي والمعرفة بالآخر، تؤدي إلى تقدير جانب التنوع الديني والثقافي وغيره، كما أن تبادل الخبرات والزيارات بين أهل الفكر والاختصاص من الأكاديميين والإعلاميين والشخصيات الدينية والمحاماة والكتاب والفنانين والمسرحيين والرياضيين وغيرهم من الجنسين، هو أمر مطلوب، لأنه يساعد على تعزيز التقارب والتعاون والحوار وتقوية وشائج الصداقة والعمل المشترك.
وتأكيدا على أهمية تفعيل الجانب «الأهلي» في دعم العلاقات السعودية- الأمريكية، فلقد قام اثنان من أساتذة الإعلام الأمريكيين المتخصصين في دراسات «تحسين الصورة العامة» image restoration بدراسة للجهود التي بذلتها السفارة السعودية في واشنطن العاصمة لتحسين صورة المملكة في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد خلصت الدراسة التي نشرت في إحدى
الدوريات العلمية المتخصصة في الولايات المتحدة إلى أن «غياب المشاركة الأهلية» في جهود تحسين صورة المملكة، أدى إلى عدم نجاح تلك الجهود في تحقيق أهدافها كما كان مأمولاً، ما يؤكد ضرورة تبني عمل «مؤسسي أهلي» دائم ومتلازم مع الجهود الرسمية، لتفعيل العلاقات السعودية- الأمريكية وتطويرها.
وفي هذا الصدد، فإن المنظرين في موضوع الدبلوماسية، يرون أن الدبلوماسية العامة، ممثلة بالتواصل المباشر بين الشعوب، ستصبح أقوى وأشد تأثيرا من التواصل بين الحكومات، والمحرك والموجه للسياسات الخارجية للدول، وسيصبح التمثيل الشعبي بكل أطيافه وشخصياته العامة ملازما للتمثيل الرسمي الحكومي.
ويرى المنظرون أيضا «أن العلاقات بين الشعوب ستصبح أقوى وأعمق من العلاقات بين الأنظمة السياسية
(الحكومات)، ما سيؤدي إلى لجوء الدول لتفعيل وتنشيط دبلوماسيتها العامة (الشعبية) بقنواتها المتعددة والمختلفة، لتصبح مؤهلة للتواصل والحوار والتعاون مع الشعوب الشقيقة والصديقة تحقيقا للأهداف الوطنية».
ويتطلع الكاتب، ونحن نشهد إنجازات العام الأول من عهد الملك سلمان -سلمه الله-، إلى دور طموح يليق بالمجتمع الأهلي السعودي، وهو الدور الذي تستدعيه طبيعة المرحلة الراهنة، وتتطلبه تحديات اللحظة التاريخية الإقليمية والدولية، بما تطرحه على المملكة من قضايا على الأصعدة كافة ما يستنهض في المجتمع الأهلي السعودي قدراته وجهوده وطاقاته، وحشدها لتكون دعما لتوجهات حكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، في خدمة العلاقات السعودية الدولية.
لقد نمت العلاقات السعودية- الأمريكية عبر السنين على نحو متميز، وشهدت تطورا مستمرا، ومرّت بمنعطفات ومراحل ومحطات مهمة ساهمت في تقويتها، حتى شكلت العلاقة لدى البلدين واحدا من أبرز محاور سياساتها الخارجية وأكثرها أهمية وأولوية، ما يؤكد أن العلاقات السعودية- الأمريكية هي علاقات متعددة الجوانب، تشمل فضاءات عدة يزداد توسعها يوما بعد يوم.
وإننا عندما نتحدث عن العلاقات السعودية- الأمريكية، فنحن نتحدث عن «قصة» لبرنامج فاعل من التعاون في المجال البترولي عند بدء العلاقات الثنائية في أواسط الثلاثينيات، وأصبح اليوم برنامج تعاون استراتيجي لا حدود له، في المجالات السياسية والأمنية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والنفطية والثقافية والإعلامية والقضائية والعلمية والتعليمية والتقنية وغيرها.
ونختم بالقول إن الولايات المتحدة ليست هي الرئيس أوباما، أو مجلسي الشيوخ والنواب أو وزير الخارجية، أو المؤسسات الرسمية، بل هي «الشعب الأمريكي» ممثلا بـ»مؤسسات مجتمعه المدني» التي تصل في مجموعها إلى أكثر من مليون ونصف المليون من الجمعيات والمؤسسات، الأمر الذي يتطلب منا نحن «السعوديين» تركيزا أكبر على علاقاتنا «الأهلية» بالولايات المتحدة، من خلال عمل «مؤسساتي» موازيا للجهد الرسمي في تعزيز العلاقات بالأمريكيين، بشرائحهم ومكوناتهم المجتمعية المختلفة والمتعددة، أملا في الارتقاء بعلاقاتنا بهذه الشرائح والمكونات، إلى المستوى المميز من العلاقات التي تحظى بها علاقاتنا الثنائية الرسمية.
ومن هذا المنطلق، آمل أن يكون لموضوع «المشاركة الأهلية في تعزيز العلاقات السعودية- الأمريكية» نصيبه في البحث والمناقشة ضمن الآليات التي ستشكل «استراتيجية العلاقات السعودية- الأمريكية للقرن الحادي والعشرين» التي ستنبثق من الرؤى السعودية التي طرحها سمو ولي ولي العهد، خلال لقاء خادم الحرمين الشريفين، بالرئيس أوباما، في سبتمبر المنصرم، وهي الآليات التي -وكما جاء على لسان سيدي خادم الحرمين الشريفين في واشنطن العاصمة- يعكف على إنجازها في الوقت الحاضر عدد من المسؤولين السعوديين والأمريكيين، وسترى النور خلال الأشهر القليلة المقبلة.