د. محمد بن إبراهيم العبيداء ">
اعتني بطب الأسنان كتخصص ومهنة عناية كبيرة، وكثيراً ما كنا - من باب المداعبة - نغيظ زملاءنا الأطباء البشريين بأن جميع تخصصاتكم الطبية كالعظام والعيون والجلدية إلخ.. جميعها شملت في كلية واحدة وأفرد تخصص طب الأسنان بكلية منفصلة.. أي أن طب الأسنان يوازي بالأهمية جميع التخصصات الأخرى.. ولهذه الممازحة شيء من الحقيقة، فطب الأسنان وعلى مستوى العالم يلاقي اهتماماً وعناية.
وان كان لهذا التميز فائدة إلا أنه أحياناً يتسبب في هدر حق هذا التخصص، خصوصاً أن معظم القيادات الصحية في المملكة هم من زملائنا الأطباء البشريين.
وكثيراً ما يعتمد على التوصيات العالمية كمعيار لتوزيع الخدمات والاهتمام بها كمنظمة الصحة العالمية وغيرها يؤدي ذلك إلى التقليل من أهمية هذا التخصص، حيث إن هذه المعايير بنيت على دراسات أعدت في الغرب الذي استطاع وبمعظم دوله، الحد من تسوس الأسنان لذا لم يعد يلقى الأولوية في السياسات الصحية والتخطيط.
فالخدمات ينبغي أن تبنى على الاحتياج المحلي في المقام الأول لا على ما يراه الآخرون خصوصاً في الدول الغربية التي قضت بعض منها على هذه الآفة تماماً.
لقد تبنت مملكتنا الغالية منذ عهد الملك المؤسس - طيَّب الله ثراه - حتى عهد ملكنا المفدى سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه - توفير الرعاية الصحية الشاملة المجانية لجميع المواطنين وذلك عن طريق وزارة الصحة والخدمات الطبية الحكومية في القطاعات الأخرى العسكرية والجامعات وغيرها.
وقد تحملت وزارة الصحة وبصورة أساسية مسؤولية تقديم هذه الخدمة، ففي مجال طب الفم والأسنان تطالعنا بعض الإحصائيات بأن عدد أطباء الأسنان في القطاعات الحكومية 4423 طبيب أسنان منهم 3319 في وزارة الصحة، بعدد عيادات إجمالي 2818 عيادة بالإضافة إلى 2700 فني تقنية أسنان وأخصائيي صحة الفم والأسنان والمساعدين. فلو قورنت هذه الأعداد الكبيرة من الكفاءات الوطنية المدربة بأي تخصص آخر لكان لطب الأسنان قصب السبق في الإنتاجية وكفاءة الأداء.
فلقد تم استقبال ما يزيد على 4 ملايين مراجع لعيادات أسنان الوزارة واستفاد ما يزيد على 2 مليون مستفيد من الخدمات الوقائية.
كاتب هذه الكلمات غير منتسب لوزارة الصحة بحكم عملي في جامعة الملك سعود إلا أنني وبنهاية دورتي كرئيس لمجلس إدارة الجمعية السعودية لطب الأسنان اخترت أن أغتنم نهاية هذه الدورة لأقول كلمة حق، وأشيد بما يقوم به زملاؤنا الأعزاء في الإدارة العامة لطب الأسنان في الوزارة وفي المديريات على امتداد هذا الوطن الغالي.
لنقول لمن يلومهم:
أَقِلّوا عَلَيهِم لا أَبا لِأَبيكُمُ
مِنَ اللَومِ أَو سُدّوا المَكانَ الَّذي سَدّوا
أولَئِكَ قَومٌ إِن بَنَوا أَحسَنوا البُنى
وَإِن عاهَدوا أَوفَوا وَإِن عَقَدوا شَدّوا
(الحطيئة)
دافع كتابة هذا المقال أمران:
أولهما: اللوم الدائم الملقى على وزارة الصحة لارتفاع نسب التسوس في المملكة وهذا لوم غير مبرر، فالوزارة معنية وبشكل مباشر بتقديم خدمات علاجية في المقام الأول ثم وقائية، أما تغيير أنماط الغذاء والعادات وعلاج مسببات هذه الآفة فهو يقع على عاتق الوطن أجمع، بجامعاته وجمعياته ومفكريه وإعلامه وخبرائه وليس على وزارة الصحة فقط.
والدافع الثاني هو ما تواتر من أخبار من هنا وهناك من توجه المسؤولين في وزارة الصحة للترشيد (الذي لا نعترض عليه) ويبدو أن خدمات طب الأسنان قد شملت هذا التوجه.
إن نسبة كبيرة من المراجعين للمراكز الصحية والمستشفيات في مناطق المملكة المختلفة هم مراجعون تحت وقع الألم لعيادات الأسنان والمساس بهذه الخدمة قد يؤثر على الصحة العامة للمواطنين وعلى معدلات رضى المواطنين لأداء الوزارات والتي وضعت الدولة كل اهتمامها وأولوياتها تقديم الخدمات التي ترضي هذا المواطن.
وأختم هذا المقال بالدعوة إلى تعزيز هذا التخصص ودعمه واستحداث وكالة تعنى بطب الأسنان في المملكة أسوة ببعض دول الجوار.
رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لطب الأسنان - المشرف على إدارة الجمعيات العلمية في جامعة الملك سعود