د. احمد سالم بادويلان ">
من يقرأ الأرقام المخيفة التي تترتب على الحوادث المرورية قد يصاب بصدمة قاسية خصوصاً لو قارن محصلة ناتج الحوادث مع محصلة عدد السكان لوجد ان الرقم كبير جدا ولا يكاد يصدقها عقل، فقد قدرت الباحثة الدكتورة نجاح القرعاوي عميدة عمادة خدمة المجتمع والتنمية المستدامة بجامعة الدمام خسائر المملكة سنوياً من حوادث السيارات بقرابة خمسين مليار ريال كأضرار تلحق بالممتلكات العامة والخاصة، بالإضافة إلى السلبيات التي تؤثر على أهم عناصر الإنتاجية وهو عنصر العمل جراء فقد الأرواح البشرية عند ارتفاع معدلات العجز والإعاقة، إضافة إلى تكاليف العلاج الطبي والإسعاف لمصابي حوادث السير.
خمسون مليار ريال رقم ليس بالهين فهو يغطي ميزانية عدة جهات حكومية إنتاجية تخدم المجتمع.
وكم ستبنى بهذا الرقم من مدارس وكليات ومستشفيات ومستوصفات ومصانع عدا خسارتنا الكبرى ألا وهي العنصر البشري بالوفاة أو الإعاقة الكلية أو الجزئية الناتجة عن تلك الحوادث، وتشير آراء بعض الباحثين الأكاديميين الى أن الحوادث المرورية في المملكة تشكل مرض العصر واتسامها بالاستمرارية يعد أهم معضلات المجتمع ولاسيما ان معدلاتها مرتبطة بما تشهده من ازدهار ونمو في قطاعات المملكة عامة وقطاع النقل والمواصلات بصفة خاصة.
وتشير الباحثة نجاح القرعاوي إلى انه رغم الجهود التي تبذل من أجل التصدي لهذه المشكلة إلا أن معدل الوفيات الناجمة عن الحوادث المرورية تأتي في المرتبة الثانية من الأسباب المؤدية للوفاة، ولا شك ان لهذه المشكلة تداعيات اقتصادية على النطاقين العام والخاص مما يشكل تهديدا واضحا لعوامل التنمية في البلاد.
ومن ابرز أسباب تزايد الوفيات والإصابات الناتجة عنها هو قلة الوعي بأهمية الالتزام بأسس السلامة المرورية إِذْ يعد ذلك تحديا كبيرا أمام الباحثين والدارسين لهذه المشكلة التي تتطلب لحلها بذل المزيد من الجهود التي ستكون قادرة على القيام بواجبها نحو التوعية والإرشاد بوضع المزيد من الحلول والاستراتيجيات لتحسين جانب السلامة المرورية وقياس مدى جدواها وفاعليتها في خفض نسبة الأضرار الناتجة على مدى السنوات القليلة القادمة.
ومن المؤسف فعلا ومما يزيدنا ألما وحزنا ان معظم ضحايا الحوادث المرورية هم من الشباب دون الخامسة والعشرين عاما مما يجعلنا ندرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتق المجتمع ومؤسساته للإسهام في رفع مستوى السلامة المرورية والحد من الأخطار الناجمة عنها وتأثيرها السلبي على الفرد والمجتمع.
ولو بحثنا بجدية في الأمر لوجدنا ان أهم أسباب الحوادث هو عدم الالتزام بالأنظمة والتعليمات التي سنها المرور للمحافظة على سلامة الأفراد والممتلكات . ويبدو لي ان الأمر بحاجة إلى المزيد من الصرامة والجدية في تطبيق التعليمات ومحاسبة المخالفين محاسبة جادة حتى يدركوا حجم الجرم الذي يرتكبونه في حق أنفسهم أولا ثم في حق مجتمعهم. ومن المقترحات في هذا الجانب مضاعفة العقوبات من غرامة مالية وحبس وسحب للرخصة والسيارة. كما يجب وجود رجال المرور بكثافة في كل شارع وتقاطع لأن وجود رجل المرور له هيبة لدى قائدي المركبات خصوصاً المتهورين منهم.
وقد قرأت ذات مرة ان إحدى الدول الأوروبيَّة أدركت أهمية وجود رجال المرور ولسد العجز لديهم في هذا الجانب خصوصاً في التقاطعات المهمة والشوارع الرئيسية قاموا بوضع دمى على شكل رجل مرور عند تلك المواقع الحيوية والمهمة وكان لذلك الفعل نفس تأثير وجود رجل مرور حقيقي فهل حل كهذا يمكن دراسة إمكانية تطبيقه لدينا.
وقد ذكرني أحد المهتمين بمثل هذه القضايا ان التسهيلات من الخدمات الكثيرة والشوارع الفسيحة والإنارة وما إلى ذلك مما يحتاجه مستخدمو الطرق ساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في زيادة الحوادث. ولكن هل هذا يدفعنا لحرمان المحترمين من هذه الخدمات من أجل الحد من تهور غير المبالين من قائدي المركبات.
وقد اطلعت حديثا على فكرة مبتكرة طبقتها الهند للحد من ارتكاب المخالفات المرورية ، فقد ذكر خبر صحفي ان التقاط صورة أو مقطع فيديو لمخالفة مرورية تمكن صاحبها من الفوز بمكافآت تتنوع ما بين تذاكر سفر وأجهزة اتصال وبطاقات شحن للجولات وغيرها من المكافآت ذات البريق لدى رجل الشارع الهندي، وذلك بموجب مشروع جديد أطلقته شرطة المرور في ظل تكدس شوارع العاصمة الهندية بنحو تسعة ملايين مركبة تسير في شوارعها.
وعادة ما تشهد طرقها فوضى صاخبة وسط عدم مراعاة قواعد المرور والسلامة ، وقد بلغ عدد الأشخاص الذين يلقون حتفهم من الحوادث المرورية في الهند حوالي ألف وخمسمائة شخص يوميا، مما دفع شرطة المرور إلى تشجيع المواطنين على استخدام كاميرات هواتفهم المحمولة لالتقاط صور مخالفات المرور ورفعها عبر تطبيق جديد للشرطة، وقد جاء في إعلان يومي في الصحف الهندية عن إطلاق ذلك البرنامج المسمى (ترافك سينتينل) مضمونه يقول ان الرؤية الواضحة للمخالفة المرورية وتسجيل رقم لوحة السيارة إلى جانب التاريخ والتوقيت والمكان ضرورية لاتخاذ إجراء ضد المخالفين.
وتتنوع المخالفات ما بين تخطي الإشارة الحمراء إلى استخدام الهواتف المحمولة أثناء القيادة أو الوقوف المزدوج أو عدم ربط حزام الأمان وغيرها من المخالفات وبهذه الطريقة نستطيع ان نقول بالإمكان توظيف مئات الآلاف بل الملايين كعيون ساهرة ترصد كل المخالفات التي يرصدها المارة بكاميرات هواتفهم النقالة في الطرقات والشوارع.
وقد اعجبتني هذه الفكرة كثيرا وارى انها ستحد من المخالفات المرورية التي تشكل السبب الرئيسي لوقوع الحوادث التي أنهكت الاقتصاد وهلكت الأرواح وأصابت المثير من الشباب بالشلل والعجز وهم الثروة الحقيقية لكل أمة، فهل ستجد هذه الفكرة قبولا لدى صناع القرار في المرور التي اعتقد ان تجربتها في إحدى المدن الصَّغيرة والاطلاع عن قرب على التجربة الهندية قبل تعميمها في كافة المدن وبذلك سيجد من يخاف من (ساهر) واحد آلاف العيون الساهرة التي سترصد تجاوزات ومخالفات المتهورين الذين دمروا كل شيء بنزواتهم الطائشة في سوء قيادة المركبات وعدم احترامهم للتعليمات والنظام.