التحالف الإسلامي خطوة مباركة لتنمية شاملة
د. محمد فضل محمد ">
التحالف الإسلامي هو حلف استراتيجي تم إنشاؤه في 3 ربيع الأول 1437هـ الموافق 15 ديسمبر 2015م بقيادة المملكة العربية السعودية، يهدف إلى محاربة الإرهاب والإفساد في الأرض بجميع أشكاله ومظاهره أياً كان مذهبها وتسميتها فكرياً وإعلامياً.
ويضم التحالف الإسلامي 35 دولة إسلامية كما أعلن أن هناك أكثر من عشر دول إسلامية أخرى مؤيدة له، وستتخذ الإجراءات اللازمة للانضمام للتحالف ومنها جمهورية إندونيسيا، وسيكون مقر التحالف في الرياض.
ويعد التحالف الإسلامي خطوة مباركة نحو الوحدة الإسلامية لمواجهة التحديات التي تواجه المسلمين، وفيه عودة لهيبة الإسلام التي ذهبت بفعل المستعمر، وقوى الاستكبار، ويحمد للمملكة العربية السعودية هذه البادرة المهمة التي تذكرنا بأمجاد المسلمين الأوائل الذين استطاعوا أن يجتمعوا تحت راية التوحيد حتى سادوا وقادوا العالم عدلاً ورحمة.
التحالف الإسلامي والتأصيل الشرعي
إن هذا التحالف يذكرنا بحلف الفضول الذي أسسه العرب في الجاهلية لنصرة المظلوم، حيث دعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبدالله بن جدعان، لشرفه وسنه، فكان حلفهم عنده، فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوماً دخلها في سائر الناس، إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول (انظر: سيرة ابن هشام: ج1، ص135، 134). وفي هذا الحلف قال الزبير بن عبدالمطلب:
إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا
ألا يقيم ببطن مكة ظالم
أمر عليه تعاقدوا وتواثقوا
فالجار والمُعترّ فيهم سالم
وكان حلف الفضول أشرف حلف عرفته العرب، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت)، أخرجه البزار في مسنده، وذكره ابن هشام في سيرته، وابن كثير في تاريخه).
وعلى الرغم من أن هذا الحلف حدث في الجاهلية إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر به وشجع عليه، لما فيه من نصرة المظلوم، وردع للظالم وهي قيم أتى بها الإسلام وغرسها، وأشاعها بين الناس، ولهذا فإن التحالف الذي دعت إليه السعودية له أصوله ومنطلقاته الشرعية، فهو حلف يدعو إلى محبوب الله وهو التصدي للأفكار المتطرفة التي تسيء للإسلام والمسلمين، على الرغم من اختلاف هذه الدول من حيث قربها وبعدها عن الإسلام إلا هذا الهدف النبيل قد جمع بينهم فهو سبب كاف للتعاون فيما بينهم لتحقيق هذا الهدف السامي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) (رواه البخاري) يقول ابن القيم (إن المشركين وأهل الفجور إذا طلبوا أمراً يعظمون به حرمة من حرمات الله، أجيبوا إليه، وإن منعوا غيره، فيعانون على تعظيم ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبغيهم، ويمنعون ما سوى ذلك، فمن التمس المعاونة على محبوب لله تعالى أجيب إلى ذلك كائناً من كان، ما لم يترتب على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه) (زاد المعاد، ج3، ص303).
ولا يشترط في هذا التحالف سلامة جميع أعضائه من الشوائب، فمن قبل حارب شيخ الإسلام ابن تيمية التتار بجيش فيه المتصوفة والأشاعرة وغيرهم ولم يعزلهم باعتبارهم أصحاب عقائد فاسدة، بل قبلهم على حالهم لصد العدو المشترك ولم يطلب منهم تصحيح ما وقعوا فيه من خرافات ودجل حتى ينضموا إلى الجيش، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيراً من العكس) (مجموعة الفتاوى، ج8، 212) وقال في موضع آخر «ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر، فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار أو مع عسكر كثير الفجور فإنه لابد من أمرين إما ترك الغزو معهم فيلزم من ذلك استيلاء الآخرين الذين هم أعظم ضرراً في الدين والدنيا، وإما الغزو مع الأمير الفاجر فيحصل بذلك دفع الأفجرين وإقامة أكثر شرائع الإسلام وإن لم يمكن إقامة جميعها) (مجموع الفتاوى، ج28، ص505) وكذلك حارب صلاح الدين الصليبيين وحرر بيت المقدس وفي صفوفه أهل البدع فهكذا يعد هذا الحلف حلفاً شرعياً وسيفضي مستقبلاً -بإذن الله- إلى الوحدة الشاملة في كل مناحي الحياة ليعيد للإسلام مجده وعزته.
التحالف نحو الوحدة والتنمية
إن اجتماع المسلمين في حلف لمحاربة ظاهرة الإرهاب والإفساد في الأرض لهو فعل محمود سيسهم في إظهار جدية الإسلام في التصدي لهذه الظاهرة كما فيه نفي لما ظل ينسبه الغرب إلى أن دين الإسلام يفرخ للتطرف والإرهاب، وهذا التحالف سيبرهن للعالم أجمع أن الإسلام بريء مما يرتكبه بعض الجهلة من إراقة دماء المسلمين وغير المسلمين فظاهرة الإرهاب والإفساد في الأرض ظاهرة عالمية ليس للإسلام والشعوب الإسلامية أي علاقة بها وإنما هي نتاج لسياسات خاطئة لقوى الاستكبار ضد الإنسانية فمواقف مجلس الأمن وعجزه عن اتخاذ موقف قانوني أو أخلاقي جاد فيما يحدث من انتهاكات حقوق الإنسان ولاسيما ما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب وإعدامات ميدانية وجرائم ضد الإنسانية في فلسطين وكذلك ما ترتكبه أمريكا والغرب في أفغانستان وما ارتكبته وما زالت ترتكبه في العراق التي خلقت نزاعا طائفيا ستظل تعاني منه العراق لسنوات وكذلك وجود بؤر للتوتر في معظم دول العالم سواء في الشرق الأوسط أو أمريكا أو أوروبا فضلاً عن الرواسب الاستعمارية، كما أصبح التخريب المتعمد للاقتصاديات العالمية وتصنيف الدول إلى دول غنية ودول فقيرة، والحصار الجائر على بعض الدول التي تخالف سياسات الدول الكبرى التي تسعى إلى تخريب نظامها الاجتماعي وخلق بؤر صراع داخلها ومن أبرز الأمثلة على ذلك: ما تعرض له السودان من تقسيم إلى دولتين دولة شمالية وأخرى جنوبية بموارده الغنية.
إن الظلم الاجتماعي دافع قوي للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية بسبب تفشي الفقر والبطالة والتضخم وارتفاع الأسعار مما يؤدي إلى العجز عن تلبية ضروريات الحياة والمعيشة الكريمة، وهو ما ينعكس إلى سخط الفرد على المجتمع والحكومة والأنظمة الحاكمة داخله نتيجة ما يراه من ظلم وإهدار للحقوق ومع اليأس والإحباط تتزايد الأحقاد في نفسه فيجد في العنف والتطرف والإفساد في الأرض متنفساً وطريقة للتعبير عن تلك الضغوطات.
ومن الأسباب التي تسهم في اتساع رقعة الإرهاب والإفساد في الأرض الإساءة إلى الأديان والقيم الدينية، فقد رأينا كيف أن الغرب يسن القوانين التي تجرم كل من ينكر المحرقة اليهودية «الهولوكوست» بينما تنشر الرسوم المسيئة لرسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ويعتبرونها من حرية الصحافة والتعبير.
إن محاربة إسلام الوسطية والاعتدال والاستهانة بالقيم الدينية من جانب الدولة يفسح المجال لجماعات العنف والتطرف على الظهور. وإهدار حقوق الأقليات ولاسيما في ظل العولمة وفصل الدين عن الحياة (العلمانية) وممارسة العنف ضدها سيولد العنف المضاد ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
«المسلمين في الهند»، وما يفعله اليمين المتطرف بالمسلمين في أوروبا وحرب الإبادة التي تحدث للمسلمين في بورما على مسمع ومرأى العالم.
وهذه الأسباب وغيرها ليست مبرراً للإفساد في الأرض وسفك دماء الأبرياء، ولكنها بلا شك أسباب واقعية تغذي ظاهرة الإرهاب والإفساد في الأرض.
سيسعى التحالف الإسلامي إلى معالجة أسباب التطرف فكرياً وإعلامياً من خلال وسائل الإعلام المختلفة ولاسيما وسائل التواصل الحديث والقنوات الفضائية والمؤتمرات والندوات العلمية التي ستفضح نوايا الإرهابيين الذين يريدون تدمير العالم ونشر ثقافة القتل والتطرف والعنف والإسهام في التعريف بالإسلام الصحيح وأنه دين الوسطية والاعتدال لا دين التطرف والغلو، يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (سورة البقرة، الآية 143).
إن اجتماع التحالف الإسلامي حول مكافحة الإرهاب والعنف والقتل سيكون نواة لتنمية شاملة تنتظم كل الدول المشاركة في ظل التكتلات والتحالفات الاقتصادية في عالمنا اليوم، حيث السوق الإسلامي المشترك وتبادل المنافع بين الدول، وبخاصة أن الأمة تمتلك ثروات بترولية ومعدنية، وزراعية وموارد بشرية، مما يسهم في تنوع اقتصادها فيجعلها قوة مهابة يخشاها الأعداء، وقد يقود ذلك مستقبلاً إلى الوحدة الشاملة التي تعيد للدين مجده بعد أن أضاعه أبناؤه بالخلافات والارتهان لأعداء الأمة.
نسأل الله يوفق حكومة خادم الحرمين -حفظه الله- في تحقيق أهداف هذا التحالف، ليكون وعاء للوحدة الشاملة.