د. أحمد الفراج
لا زلت أذكر تلك الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية، بعيد أحداث سبتمبر، إذ تمت إجراءات أقل ما يقال عنها إنها قمعية، وقد كانت إدارة بوش الابن، أو بالأصح إدارة المحافظين الجدد، بزعامة الصقور، ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وبول وولفويتز، وأمير الظلام ريتسارد بيرل، تطبق حينها نظرية أستاذ المحافظين الجدد، المفكر الألماني ليو شتراوس، والتي تقول: «إن العالم هو عبارة عن أغلبية ساحقة من الرعاع، وقلة من المفكرين، وأن العالم لن يصلح إلا بقيادة تلك القلة للرعاع»، وهي ذات النظرية التي تؤكد على أن الحاكم العظيم هو الذي يخشاه الشعب، لا الذي يحبه الشعب، كما أن المفكر شتراوس يرى بأنك: «إذا أردت أن تتحكم في شعب، فما عليك إلا أن تجعله في حالة خوف دائم «، ولعلكم تذكرون عندما كانت إدارة بوش - تشيني تعلن حالات الطوارئ باستمرار، وترفع درجات التأهب، حسب حالة «التخويف» المطلوبة، وحينها لم يعترض العالم، ولا منظمات حقوق الإنسان على تلك الإجراءات التي وصلت حد «التجسس» على اتصالات المواطنين، والاعتقالات التعسفية، وغيرها من الإجراءات التي نذكرها جيدا!.
قبل ذلك بعدة أعوام، أي في عام 1995، كنت أتابع إحدى المباريات، في أحد المقاهي، بمدينة لانسنق، بولاية متشجن، حيث كنت أواصل دراساتي العليا، وفجأة قطعت برامج المحطات التلفزيونية لإذاعة نبأ تفجير أوكلاهوما، وعلى الفور تم اتهام العرب والمسلمين، وأصبنا بحالة من الذعر، ولزمنا منازلنا، ولم يمض وقت طويل حتى تبين أن من قام بذلك التفجير هم من أتباع إحدى المنظمات العنصرية من الأمريكيين البيض، وقد تم القبض على العقل المدبر، الشاب تيموثي مكفي، ثم تم الحكم عليه بالإعدام، وقد تم تنفيذ الحكم فيه بالحقنة القاتلة، ومرة أخرى، لم تتحرك، أو تعترض منظمات حقوق الإنسان الأمريكية ولا الدولية، فكيف تتحرك في مواجهة الولايات المتحدة، إذ أن هذه المنظمات، رغم جهودها في كثير من القضايا، متخصصة في ملاحقة دول بعينها، ولأهداف سياسية في كثير من الأحيان، ولم يعد ارتباط عمل معظم هذه المنظمات بالقوى السياسية الفاعلة على الساحة العالمية سرا للمتابعين.
إن ذات المنظمات تتعامل مع القضايا - بنعومة أو خشونة - حسب مزاج السياسي الذي يتحكم بقرارها، فخلال العام الماضي، ضغطت تلك المنظمات على المملكة في قضايا يسيرة، وفي ذات الوقت، غضت الطرف عن انتهاكات حكومة إيران، وإعداماتها الجماعية للمعارضين، وذلك أثناء مفاوضات النووي، بين إيران والغرب، لأنه لم يرد لتلك المفاوضات أن تتعثر لأي سبب!!، واليوم بدأت المنظمات ومناصروها بالنواح، بعد أن نفذت حكومة المملكة أحكاما بالإعدام على مجموعة من المدانين في قضايا إرهابية خطيرة، وذلك بعد أن تمت محاكمتهم، واستنفذت كل درجات التقاضي، حسب المعايير العالمية، ولا ينافس تلك المنظمات في تخبطها إلا مجموعة ممن يسمون أنفسهم بدعاة الحقوق، وأنصار الحرية، مع أن طرحهم ينضح بالطائفية المقيتة، والاستعداء الحقير، ورغم كل ذلك، فقد مضت المملكة في قرارها، ولم تلتفت لأحد، لأنها سلكت مع هؤلاء المتهمين كل السبل القانونية، ولأن أمنها خط أحمر، كما كان الأمن الأمريكي خطا أحمرا، عندما نفذت حكم الإعدام فيمن ارتكبوا أعمالا إرهابية، أيضا، وكل ما نتمناه هو أن يلحق الحرب الأمنية على الإرهاب حرب فكرية تجتثه من جذوره، ويبدو أن الأمور تسير في هذا الاتجاه، فامضوا على بركة الله، ولا تلتفتوا للناعقين، شرقا وغربا، فهم لم يذوقوا ما ذقناه من ويلات الإرهاب، ولن يقفوا معنا في ساعات العسر، فقد خبرناهم، وتابعناهم، ونعرفهم أكثر مما يعرفون أنفسهم، واخيرا سؤال لمنظمات حقوق الإنسان، ولدعاة الحقوق: «أنتم تعترضون على إعدام من تمت إدانته بقتل الأبرياء بحكم قضائي، بحجة «الحقوق»، فماذا عن الضحايا الذين فقدوا حياتهم: هل لهم «حقوق»، أم أن لكم رأي آخر؟»!.