عبد العزيز صالح الصالح ">
فقد أبدع العرب في صناعة التاريخ وكتابته منذ أزل بعيد وعندما بزغ فجر الإسلام اصبح التاريخ له شأن جديد...عندهم.
وتعني كلمة ((تاريخ)) أي تعيين الشهر وهو مشتق من كلمة ((وارخ)) وهو لفظ عربي قديم فقد وجد المسلمون الأوائل امامهم تراثاً جاهلياً قديماً ولكن لم يكن هذا التاريخ سوى مجموعة من الأخبار تختلط فيها الحقائق بالأساطير أكثرها يدور حول أيام العرب حروبهم وأخبار قبائلهم البائدة وشذرات مما سمعوه من أخبار التوراة والتلمود.
وكانت الكتابة في الجاهلية معروفة ولكنها لم تكن منتشرة ولذا كانت العقلية العربية أقدر على قرض الشعر منها على معالجة كتابة التاريخ ثم نزل القرآن الكريم.
وكان له الفضل وأي فضل على راوية التاريخ ثم كتابته بعد ذلك... ففي القرآن الكريم إشارات إلى الأمم الخالية والقبائل والأنبياء السابقين.
وأول من دوَّن التاريخ في ذلك الوقت هو معاوية بن أبي سفيان كان معاوية يجلس لأصحاب الأخبار كل ليلة ليقصوا عليه أخبار العرب وأيامهم وتواريخ ملوك العجم, وكان معاوية يسعى من خلال ذلك إلى الاستفادة من تجارب الحكام السابقين - ويتنازع السبق في تدوين التاريخ في عهد معاوية بن أبي سفيان أربعة رجال هم:
1 - زياد ابن أبيه - الذي نسب إليه كتاب (مثالب العرب).
2 - ودغفل النسابة - الذي ألف كتاب (التضافر والتناصر).
3 - عبدالله بن عباس - الذي نسب إليه مدونات تتضمن بعض ما كان يقوله في مجالسه والتي كان يفسر بها كتاب الله الكريم.
4 - عبدالله بن شربه - الذي ألف كتاب عن مسامراته وأحاديثه لمعاوية.
حيث إن الكتب التي تستبق الأولية في كتابة التاريخ يغلب عليها صفة كتب السمر والأحاديث والنوادر.
ومع بداية كتابة السيرة النبوية بدأ التاريخ يشق مجراه الصحيح بعيداً عن الأسماء والنوادر والذي حدث أن بعض القوم حرص كل الحرص على تدوين غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم بدقة متناهية وذلك من أجل تدوين أقاربهم الذين اشتركوا في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك من أجل التفاخر بالدور الذي لعبه أقاربهم في تلك الغزوات.
أما عن السبب في اتجاه المسلمين إلى تسجيل السيرة النبوية فيرجع إلى أنه في صدر الإسلام شغل المسلمون بجمع كتاب الله الكريم وتفسيره واستقصاء الأحاديث النبوية مما تطلب تحقيق المناسبات التي نزلت فيها الآيات والمشاهد التي وردت فيها الأحاديث فكان أن عمدوا إلى جمع أخبار السيرة النبوية ولعل هذا يفسر لنا امتزاج التاريخ برواية الحديث وتفسير القرآن.
وبعد ذلك - رتبت الأحاديث في أبواب وكتب ثم استقلت السيرة النبوية والمغازي في أبواب خاصة في كتب مستقلة فقد بذل جامعوا الأحاديث جهدا في التفريق بين الأحاديث الصحيحة والأحاديث الزائفة المدسوسة.
وقد جرهم ذلك إلى درس طبقات المحدثين ولأموال التي تناولوا فيها الأحاديث.
الرجال الذين عكفوا على تدوين الغزوات التاريخية:
1 - إبان بن عثمان بن عفان أول من قام بالتأليف عن المغازي.
2 - محمد بن مسلم الزهري. أول استعمل لفظ السيرة تعبيراً عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتناول في السيرة المغازي وفتح مكة المكرمة علماً أن ما كتبه المؤرخون المتقدمون ضاع أو لحقه التحريف والتأويل ثم اتجه مؤرخو الإسلام إلى تدوين أخبار صراعات المسلمين الداخلية - كموقعة الجمل وموقعة حنين ومن أشهر من ألف في تلك الحادثتين - أبو محنف لوط بن يحيى ومحمد المدائني من أشهر من ألف عن أخبار قريش ومقتل عثمان بن عفان وعن المنافقين, أما المؤرخ الذي حاز شهرة واسعة في القرن الثاني الهجري فهو محمد بن عمر الواقدي, حيث انطلق المسلمون يرسخون أقدامهم في كتابة التاريخ وبدأت العناية بالتاريخ العام لكل العصور.. ومن أوائل من كتب فيه الطبري.
وكذلك ابن خلدون - أول من فلسف وجاء ابن مسكويه فخطا بالتاريخ خطوة جديدة.. حيث أتبع ابن مسكويه الطبري فألف (تجارب الأمم) وقد اعتنى ابن مسكويه بالتاريخ الاقتصادي والأحوال الحربية وله طريقة طريفة في استخراج العبر من أحداث التاريخ.