د. مساعد بن عبدالله النوح ">
لا أعني الجوكر هنا تلك الشخصية الخيالية الشريرة في القصص المصوّرة، ولا شخصية الممثل في المسرحية المصرية، ولا مغني الراب المصري، وإنما أعني به بطاقة اللعب المعروفة والتي قد تكون مفيدة جداً أو سيئة جداً حسب اللعبة. وهي تعني في اللغة العربية ورقة تقوم مقام أية ورقة أخرى في ورق اللعب.
والجوكر في المحيط الإنساني هو ذلك المرء الذي يتحرّك بإرادته معتمداً على ما لديه من سمات جاذبة، أو بمؤثّر خارجي برضاه أو بدون رضاه ولأغراض مختلفة. وعندما تنسب لشخص ما نعتاً معيناً على سبيل المجاملة أو قول الحق، أنه ليس من باب الإعجاب به ولا المباهاة بحاله رغبة فيما عنده من شكر وعرفان وعطايا ومزايا أخرى، لكن من يتصدر مواد الإعلام المختلفة وعلى مدار الساعة وعلى ألسنة أطياف المجتمعات، فإنه يستحق أوصافاً خارقة ومنها أنه جوكر الساعة.
وإذا طبقنا هذا الرأي على الرئيس السوري بشار الأسد فإنه يستحقه؛ لأنه عندما نتابع الأحداث الجارية والأحداث الماضية البعيدة والقريبة، فإننا نستطيع القول بأن الرئيس السوري نال اهتماماً مقصوداً وغير مقصود من قبل قيادات على مستويات إقليمية ودولية رغم أن كريزما الرجل لا تؤهله لذلك.
لقد تم استثمار إمكانات سوريا وبشار الأسد تحديداً بجعلهما واجهة لسياسات وآليات دول طامعة في تقسيم الشرق الأوسط، وهذا هو الاستخدام السيئ لورقة الجوكر. إذ بدأت رحلة الجوكر السوري عندما أطلق تصريحاً نارياً له عام 2006 وذلك لانتصار حزب الله اللبناني على الآلة العسكرية الإسرائيلية جيَّره للنظامين السوري والإيراني ناسفاً أي إنجاز لأي جهة أخرى متهكماً ومقلّلاً من قيم الدول والرجال والمواقف العربية، حيث وصف فيه حكام العرب بأنهم أنصاف رجال. وهو يعلن هذا التصريح إنما نوى تكريس لواقع جديد في منطقة الشرق الأوسط ينقسم إلى محورين مختلفين. واستمرار صمود الجوكر السوري خلال سنوات الحرب ليس بطولة منه ولا إرادة حديدية لدية، لكنه الدعم المادي والمعنوي من قبل دول معروفة جعلته يعيش نشوة الشجاعة والفارس الذي لا يقهر.
لقد غطت أحوال سوريا مواقع الصحف الإلكترونية والصحف الورقية على حد سواء وعندما تمعن النظر في هذه الأحداث والدعم لها ستلحظ تدخلاً سافراً في الشأن السوري قد لا يقبل تمريره على الدول المانحة للدعم لسوريا ولا لبشار الأسد نفسه. خذ أمثلة لا حصر لها على أنماط التدخل الدولي في سوريا على موقع واحد لصحيفة إلكترونية وفي عدد محدد وهي صحيفة «أخبار24» الصادرة خلال الفترة 26-11- 23-12-2015:
يقول الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تصريح له «الأسد فقد شرعيته وعليه الرحيل عن السلطة»، ويرد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «روسيا مستعدة لاستخدام مزيد من الوسائل العسكرية في سوريا»، ويعزّز الرأي الروسي علي أكبر ولايتي كبير مستشاري السياسة الخارجية للزعيم الأعلى الإيراني إذ يقول «مستقبل الأسد الخط الأحمر لإيران»، ويرد وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري على التصريح الروسي» بأن دعم روسيا للأسد هو دعم لحزب الله وإيران» لكن رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون يختلف مع الجانب الأمريكي بقوله «الخلاف مع روسيا بشأن مستقبل الأسد سيتقلّص أكثر». ويستمر تدخل الدول العظمى في الشأن السوري، فقد رأت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل» الهدف هو حل الصراع السوري بدون الأسد». لكن وزير خارجية فرنسا لوران فايبوس يقترح الحل ويقول» فرنسا تتراجع عن مطلب رحيل الأسد قبل الانتقال السياسي بسوريا».
ويرى الجانب السوري وذلك على لسان منسق المعارضة السورية رياض حجاب المسؤول عن التفاوض مع القوى الدولية» نريد مرحلة انتقالية سياسية بدون بشار الأسد» ويؤكّد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن « أمام الأسد خيارين: التنازل الرسمي أو التدخل العسكري».
هذه اتجاهات الرأي الإقليمي والدولي تجاه سوريا والرئيس بشار الأسد تحديداً في عدد واحد من صحيفة محددة ما يعكس خطورة التدخل في الشأن الداخلي للدولة، لأنه لا أعرف به إلا أبناؤها، وستبقى الحال السورية هكذا ما لم يبادر بشار الأسد بالتنحي من إرادته، حقناً للدماء السورية، وإبقاءً على ما تبقى من بنى تحتية للدولة.
لم تشهد دولة طالها الربيع العربي من ماس كما شهدته سوريا والإنسان السوري، ولم تتجرأ دول الجوار والبعيدة على دولة كما تجرأت على الشأن السوري. لم تسمح إيران بالتدخل في شأنها، وهي في الوقت ذاته تتدخل بسوريا ليس حباً فيها بقدر ما هو أطماع فارسية، ولم تقبل روسيا في التدخل الغربي بالشأن الأوكراني، وواجهت فرنسا تفجيرات باريس بنفسها.
سيجد طلاب البحوث في الدراسات العليا في الجامعات ومراكز البحوث الأحداث في سوريا وشخصية بشار الأسد والإنسان السوري أرضاً خصبة لاشتقاق أفكار بحثية تقبل الدراسة مستخدمين أدوات البحوث المعروفة لإبراز الواقع السوري الأليم.
نسأل الله أن يلطف بالمسلمين أينما كانوا، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشدا، وأن يوحّد صفوفهم، ويجمع كلمتهم، ويكونوا كالجسد الواحد أمام أطماع الدول المسيطرة التي تدعي تطبيقها لحقوق الإنسان والأعراف الدولية لكنها تتجاهلها على أرض الواقع انطلاقاً من مزاعم الدفاع عن المصالح الإستراتيجية لها.