مساعد بن إبراهيم الطيار ">
لا شك أن مجتمعنا السعودي يُعتبر -في واقعنا المعاصر- مجتمعاً فتياً، أي يعيش مرحلة شبابه باعتبار أن أكثر من 65 في المائة من أفراده في تركيبته الديموغرافية هم من فئة الشباب.. ممن هم دون سن الثلاثين، وذلك طبقاً للدراسات السوسيولوجية السكانية، مما يجعل المملكة من الدول ذات المجتمعات الشبابية في هرمها السكاني.. ومعروف أن (الشباب).. هم طاقة المجتمع، وعماد مستقبله، والأساس في أي تحول تنموي بشموله الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.. فهم جوهر التكوين، ومفصل التقدم الحضاري، وحجر الزاوية في البناء الاجتماعي.. وُيمثّلون عقوله المفكرة، وأدواته الفاعلة في تحقيق تطوره ونموه المتسارع, وحتى يكون (الشباب) محققاً لأهداف مجتمعه المنشودة، ومنطلقاته التنموية الواعية والنهوض ببنائه الاجتماعي.. ينبغي أن تتوافر له البيئة الصحية, والإمكانات الملائمة والأجواء المناسبة من برامج تعليمية وثقافية، وأنشطة رياضية واجتماعية.. تساعد في إعداده وتكوينه وتوجيهه النفسي والتربوي والاجتماعي والجسمي والعلمي والوجداني، كي يتفاعل بصورة إيجابية في البناء المجتمعي، وبالتالي تحمُّل مسئولياته والقيام بواجباته بصحة نفسية إنتاجية فائقة في السواء من جهة، ومن جهة أخرى بناء منظومة ناجعة من العلاقات والقيم والسلوكيات التي تعكس ثقافة المجتمع ووعيه.
ومن المعلوم أن حقبة العولمة التي يشهدها العالم اليوم في ظل تحولاته الاجتماعية ومتغيراته الاقتصادية وتحدياته الثقافية الرهيبة.. ساعدت في تكوين عالم جديد تتعدد خصائصه وتتباين توجهاته.. وكشفت عن الكثير من الصراعات والتوترات والمؤثرات والتناقضات، فلا يُوجد مجتمعٌ -حتى لو كان مثالياً أو أفلاطونياً- بمعزل عن هذه الإرهاصات العولمية الخطيرة.. لم يحظ بنصيب منها, وبالتالي انعكست مؤثراتها الثقافية، واتجاهاتها الفكرية على طاقة المجتمع (الشباب)، ومجتمعنا الفتي وما يشهده في حياتنا المعاصرة من تغيير في بنائه الاجتماعي كان له الأثر الكبير على أسلوب وطريقة حياة الناس, فالتكنولوجيا وانفجارها التقني, وتنوع الأغذية، والأفكار المستوردة، ألقت بظلالها على واقع وصحة المجتمع, وطبقاً للإحصاءات المتخصصة: السعودية من الدول العشر الأولى عالمياً التي تُعاني من مرض البدانة، و(السابعة) عالمياً في مرض السكر.. والمرتبة الأولى في الشرق الأوسط بعدد ممارسي الألعاب الإلكترونية، فضلاً عن ارتفاع معدلات نسبة المدخنين والمدخنات ليصل إلى ستة ملايين مدخن!! ومع شراسة الثقافة الوافدة وما تحمله من أفكار مناهضة، وآراء منحرفة.. استهدفت عقول الشباب بالمخدرات وترويجها، والمؤثرات العقلية والجسدية والنفسية الأخرى، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة, وخروج بعض الشباب عن قواعد الضبط الأمني والأخلاقي والاجتماعي بممارسات وسلوكيات جانحة مثل (قضية التفحيط) التي بدأت تُشكّل هاجساً مزعجاً يُؤرق الجميع في ظل غياب الأنشطة الرياضية، والوسائل الترويحية، والبرامج الثقافية والفعاليات الاجتماعية المناسبة التي تُثري العقول والأدمغة, وتنمّي الهوايات الفنية والمهنية, وتُعمّق الاتجاهات الفكرية، وتكسبها خبرات ومهارات ذات طابع إنتاجي... إلخ، والأكيد أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب.. وهي المؤسسة (الأهم) في خارطة مؤسسات المجتمع المدني بعد المؤسسات التعليمية المختلفة من حيث دورها المجتمعي في تنوير العقول الشبابية، وحماية أدمغتهم من الأفكار الهدّامة، ورياح الثقافة الغازية، وإطلاق طاقات الشباب, وصقل مواهبهم، وتنمية قدراتهم الفكرية والثقافية والمهنية، والعمل على استثمار الأوقات الحرة لهذه الفئة في نشاطات رياضية وبرامج ترويحية تُنظم طاقتهم، وتحمي عقولهم, وتحصّن أفكارهم ضد أي مؤثرات خارجية وإرهاصاتها، غير أن لغة الأرقام والإحصاءات المزعجة أثبتتدم قدرة - رعاية الشباب - بواقعها الحالي وهيكلتها الإدارية.. بالنهوض بقالب الخدمات والبرامج والمشروعات والأنشطة الشبابية البنائية كما ينبغي، واحتواء الشباب وإطلاق طاقتهم بوعي، ومن هنا أصبح مجتمعنا الفتي يحتاج إلى وزارة شبابية.. ترعى شئون وهموم الشباب كما هو معمول في الدول المتحضرة.. بدلاً من توزيع أمور الشباب بين أكثر من وزارة وجهة حكومية, وهو من وجهة نظري هدرٌ للوقت والجهد والمال, والأكيد أن تحويل الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى «وزارة الشباب والرياضة» وإعادة صياغة هيكلتها الإدارية وتنظيماتها المالية.. بما يتماشى مع متطلبات العصر ومتغيراته الاجتماعية وتقلباته الثقافية.. سيوحّد الجهود في حقيبة وزارية واحدة.. توفر بأنشطتها وبرامجها وخططها ومشروعاتها بيئة خصبة لممارسة قيم وسلوكيات إيجابية بناءة.. تُعالج الهموم والقضايا والمشكلات الشبابية من جهة، وتنمّي قدراتهم (ثقافياً واجتماعياً وفنياً وفكرياً).. من جهة أخرى، وبالتالي مواجهة التحديات وصناعة مستقبل الوطن.