د. عبدالله عبيد الحافي
لم تكن الثورة الإيرانية التي قادها الخميني وأدت إلى سقوط حكم الشاة البهلوي، لم تكن مجهولة الأهداف ولا مجهولة المكونات العقائدية والفكرية، ولا مجهولة مصدر الصناعة والمنشأ الذي أخرجها إلى عالم الواقع وزجّ بها داخل جغرافية العالم الإسلامي، وداخل الجسد الإيراني تحديداً، إيران التي ظلت قرابة عشرة قرون منطقة إسلامية وموطناً لكثير من علماء الإسلام حتى منتصف القرن العاشر وتحديداً عام (957م) حيث أعلن الصفويون المذهب الباطني ديناً رسمياً للدولة، منذ ذلك التاريخ طويت صفحة مشرقة وعزيزة على جميع أهل الإسلام، حل محلها الحاقدون على الإسلام وأهله، منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم وبلاد إيران تُعتبر نقطة ضعف في المجتمع الإسلامي، فقد أحيا الصفويون ما اندثر أو كاد يندثر من مبادئ الباطنية وعقائدها، وكان أخطرها هو القول بأن الوحي الإلهي له ظاهر وباطن، وأن الظاهر غير مراد ولا قيمة له، وإنما المراد هو الباطن وهذا الباطن لا يعلمه إلا الأئمة المعصومون، فهو لا يتلقى من القرآن الكريم ولا من السنة النبوية ولا اللغة العربية ولا غير ذلك، بل هو علم إرثي مستور ومكنون وحكر على الأئمة وما على الدهماء والعامة إلا السير في رِكاب هؤلاء حتى لو كان إلى جهنم وبئس المصير!!
وكان القصد من انتهاج هذا النهج هو إحداث القطيعة بين ألفاظ القرآن الكريم والسنة النبوية والمصطلحات الشرعية من جهة، وبين المضامين والمعاني التي تحتويها هذه الألفاظ.
في أصل وضع اللغة وهو اللسان العربي المبين الذي نزل به القرآن الكريم ونطق به رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا السلوك التخريبي للشرع والعقل يترتب عليه ضرب الوحدة الاجتماعية في المجتمع المسلم فيقطع الصلة بين الألفاظ ومعانيها يمكن للباطنية أن تدخل الكثير من المفاهيم والأفكار المتناقضة والمتضادة فتجعل التوحيد شركاً والشرك توحيداً، والكفر إيماناً والإيمان كفراً والسنة بدعة والبدعة سنة والحلال حراماً والحرام حلالاً، وهكذا فعندما هدموا أصول البيان الشرعي وهي القرآن والسنة وكسروا وحطموا وسيلة هذا البيان وهي اللسان العربي المبين أصبح الاستهزاء بالدين والتلاعب به والسخرية من أهله هو أعظم صفات الباطنية التي تعتبر الثورة الخمينية والنظام الإيراني القائم الآن هما الامتداد والوريث الحقيقي لها.
وهذا ما أغرى أعداء الإسلام قديماً وحديثاً باتخاذ هذه الطائفة ومعتنقي هذا الفكر مطية لتحقيق أغراضهم وأطماعهم في النيْل من الإسلام والمسلمين.
إن الأساس الذي قامت عليه الثورة الخمينية هو ما يُعرف بنظرية (ولاية الفقيه) التي تعتبر الموجه للسياسات العامة للنظام الإيراني، وليس خافياً على الباحثين في العقائد والمذاهب الفكرية. إن نظرية ولاية الفقيه هي امتداد المقولة البابية والبهائية التي جوهرها ولبّها هو القول بنسخ الشريعة الإسلامية وإبطال العمل بالقرآن، وليس مصادفة أن يكون منشأ هاتين الفرقتين هي بلاد إيران، فنظرية ولاية الفقيه أخرجها وابتدعها صاحب الفرقة الشيخية وتلقفها منه تلميذه كاظم الرشتي وخرج من عباءتها أي - الشيخية - البابية ثم البهائية التي أعلنت حقيقة هذه النظرية - ولاية الفقيه - وهي أن النبوة المحمدية قد بطلت وأن الشريعة الإسلامية قد نسخت، وأن الباب ومن بعده البهاء قد ابتدؤوا عصراً جديداً وشريعة جديدة، ثم جاء الخميني وأحيا هذه المقولة وجعل الفقيه نائباً عن الغائب والمنتظر لكنه يملك حق نسخ الشرائح وحق التشريع والإلزام مع ما في موروثة الفكري والعقائدي من القول بتحريف القرآن، فأحيا بذلك الفكر الوثني المناقض للإسلام، وسعى إلى زعزعة أمن واستقرار العالم العربي والإسلامي، وإحياء الحروب والفتن الطائفية كل ذلك خدمة للصهيونية والصليبية العالمية التي ترعاه وترعى مشاريعه التدميرية.
فقد رأت اليهودية العالمية والغرب الصليبي بشقيه الشيوعي والرأسمالي، رأى هؤلاء جميعاً في بلاد إيران والنظام الإيراني نقطة ضعف في العالم الإسلامي ومنطقة رخوة يؤتى الإسلام وأهله من قبلهم يتم من خلالها تقويض قوة الإسلام والمسلمين وخلخلة المجتمع المسلم والنيْل من مبادئه وأصوله وعقائده وتشريعاته. لقد سلك النظام الإيراني منهج العداء السافر للمسلمين، ومنهج العداء الخفي والمبطن لقواعد الإسلام وأصوله التي أعظمها إفراد الله بالعبادة والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، والحال هذه ليست نفاقاً بل تجاوزت النفاق، فالمسيطر على الفكر الديني لدى النظام الإيراني هو تلك الأساطير المنطوية على تأليه البشر والتلاعب بنصوص الوحي وإسقاط نقلته كخطوة ضرورية لإسقاطه لتحل محله الروايات والأخبار المكذوبة ليبقى الاتباع في عزلة وقطيعة تامة مع المجتمع الإسلامي الكبير، فالثورة الخمينية والنظام الإيراني الذي يمثلها تعتمد منهجاً تربوياً يقوم على تحريف الشرع وإلغاء العقل، وإذكاء العاطفة المنحرفة وتكريس الخرافة والأسطورة والحرص على إبقاء جذوتها مشتعلة طوال العام، وذلك من خلال الأعياد والأيام والمناسبات والمآتم، التي تستهلك الكثير من أيام العام، فيبقى الاتباع تحت ضغوط هذا الكم الهائل من الحراك المذهبي والاجتماعي الذي يصب في هدف واحد فقط هو تسخير المجتمع الإيراني لمطامع الباطنية الخمينية ونشر أحقادهم وتحقيق أحلامهم في تدمير الإسلام والمسلمين، ورأينا كيف تم تدمير بلاد العراق وسوريا، بل كيف دمّر هؤلاء بلاد إيران نفسها، وكيف يحاولون ذلك في بلاد اليمن والخليج من خلال أدواتهم وأساليبهم التي لم تعد تخفى على أحد، فتصدير الثورة الخمينية الباطنية، وإشعال الحروب الطائفية في المنطقة، وكذا البدء في تنفيذ الخطة الخمسينية أو ما بات يعرف ببروتوكولات آيات قم، وبقطع النظر عن مشروعيته حسابات ما يُعرف بالربيع العربي، فقد كانت الخطة الخمينية تشتمل ضمن بنودها على وجوب إيجاد قطيعة بين علماء الإسلام وبين الأنظمة الحاكمة لتلك الدول والقيام بالتحريض وإثارة الاضطرابات، ثم تحريض الأنظمة والحكومات على أولئك بهدف إثارة العامة على تلك الحكومات التي ستواجه أولئك المتأثرين بالقمع، فيتحقق للنظام الإيراني وللحركة الصهيونية التي تقف وراءه نتائج محصلتها سوء ظن الحكام بالعلماء وأهل الرأي والفكر، ونمو الحقد والعداء بين الطرفين وضياع مكانة أهل اإسلام وضياع سلطتهم أو ضعفها وإحجام تلك الدول على نشر الإسلام والدعوة إليه مما يفسح المجال للمد الباطني الذي يتبناه النظام الإيراني للتمدد في داخل جغرافية العالمين العربي والإسلامي باسم الإسلام، وقد رأينا مبادئ هذه المرحلة وكيف تعاملت الصهيونية العالمية والنظام في طهران مع ظاهرة ما يُعرف بالربيع العربي، وكيف تمت شيطنة الإسلام ما عدا المذهب الباطني مدعومين في ذلك ببعض المخدوعين من المسلمين، لولا ما قيّضه الله على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - الذي وأد الفتنة وأطفأ شررها وأعاد المشروع الصهيو - إيراني مائة عام إلى الوراء، ومع ذلك فإن النظرة الإستراتيجية للنظام الإيراني للمنطقة لا ترتكز على الفكر الديني، وإن كان هو أهم تلك المرتكزات، بل هناك أطماع تاريخية، ومصالح اقتصادية، وتحالفات مع الأعداء التقليديين للأمة، فيجب علينا قراءة مفردات ومنهج إيران خصوصاً بعد الثورة الخمينية، وفهمه واستيعابه، حتى لا نخفق في معالجة هذا الخطر المحدق بنا.
لم تكن الثورة الإيرانية التي قادها الخميني وأدت إلى سقوط حكم الشاة البهلوي، لم تكن مجهولة الأهداف ولا مجهولة المكونات العقائدية والفكرية، ولا مجهولة مصدر الصناعة والمنشأ الذي أخرجها إلى عالم الواقع وزجّ بها داخل جغرافية العالم الإسلامي، وداخل الجسد الإيراني تحديداً، إيران التي ظلت قرابة عشرة قرون منطقة إسلامية وموطناً لكثير من علماء الإسلام حتى منتصف القرن العاشر وتحديداً عام (957م) حيث أعلن الصفويون المذهب الباطني ديناً رسمياً للدولة، منذ ذلك التاريخ طويت صفحة مشرقة وعزيزة على جميع أهل الإسلام، حل محلها الحاقدون على الإسلام وأهله، منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم وبلاد إيران تُعتبر نقطة ضعف في المجتمع الإسلامي، فقد أحيا الصفويون ما اندثر أو كاد يندثر من مبادئ الباطنية وعقائدها، وكان أخطرها هو القول بأن الوحي الإلهي له ظاهر وباطن، وأن الظاهر غير مراد ولا قيمة له، وإنما المراد هو الباطن وهذا الباطن لا يعلمه إلا الأئمة المعصومون، فهو لا يتلقى من القرآن الكريم ولا من السنة النبوية ولا اللغة العربية ولا غير ذلك، بل هو علم إرثي مستور ومكنون وحكر على الأئمة وما على الدهماء والعامة إلا السير في رِكاب هؤلاء حتى لو كان إلى جهنم وبئس المصير!!
وكان القصد من انتهاج هذا النهج هو إحداث القطيعة بين ألفاظ القرآن الكريم والسنة النبوية والمصطلحات الشرعية من جهة، وبين المضامين والمعاني التي تحتويها هذه الألفاظ.
في أصل وضع اللغة وهو اللسان العربي المبين الذي نزل به القرآن الكريم ونطق به رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا السلوك التخريبي للشرع والعقل يترتب عليه ضرب الوحدة الاجتماعية في المجتمع المسلم فيقطع الصلة بين الألفاظ ومعانيها يمكن للباطنية أن تدخل الكثير من المفاهيم والأفكار المتناقضة والمتضادة فتجعل التوحيد شركاً والشرك توحيداً، والكفر إيماناً والإيمان كفراً والسنة بدعة والبدعة سنة والحلال حراماً والحرام حلالاً، وهكذا فعندما هدموا أصول البيان الشرعي وهي القرآن والسنة وكسروا وحطموا وسيلة هذا البيان وهي اللسان العربي المبين أصبح الاستهزاء بالدين والتلاعب به والسخرية من أهله هو أعظم صفات الباطنية التي تعتبر الثورة الخمينية والنظام الإيراني القائم الآن هما الامتداد والوريث الحقيقي لها.
وهذا ما أغرى أعداء الإسلام قديماً وحديثاً باتخاذ هذه الطائفة ومعتنقي هذا الفكر مطية لتحقيق أغراضهم وأطماعهم في النيْل من الإسلام والمسلمين.
إن الأساس الذي قامت عليه الثورة الخمينية هو ما يُعرف بنظرية (ولاية الفقيه) التي تعتبر الموجه للسياسات العامة للنظام الإيراني، وليس خافياً على الباحثين في العقائد والمذاهب الفكرية. إن نظرية ولاية الفقيه هي امتداد المقولة البابية والبهائية التي جوهرها ولبّها هو القول بنسخ الشريعة الإسلامية وإبطال العمل بالقرآن، وليس مصادفة أن يكون منشأ هاتين الفرقتين هي بلاد إيران، فنظرية ولاية الفقيه أخرجها وابتدعها صاحب الفرقة الشيخية وتلقفها منه تلميذه كاظم الرشتي وخرج من عباءتها أي - الشيخية - البابية ثم البهائية التي أعلنت حقيقة هذه النظرية - ولاية الفقيه - وهي أن النبوة المحمدية قد بطلت وأن الشريعة الإسلامية قد نسخت، وأن الباب ومن بعده البهاء قد ابتدؤوا عصراً جديداً وشريعة جديدة، ثم جاء الخميني وأحيا هذه المقولة وجعل الفقيه نائباً عن الغائب والمنتظر لكنه يملك حق نسخ الشرائح وحق التشريع والإلزام مع ما في موروثة الفكري والعقائدي من القول بتحريف القرآن، فأحيا بذلك الفكر الوثني المناقض للإسلام، وسعى إلى زعزعة أمن واستقرار العالم العربي والإسلامي، وإحياء الحروب والفتن الطائفية كل ذلك خدمة للصهيونية والصليبية العالمية التي ترعاه وترعى مشاريعه التدميرية.
فقد رأت اليهودية العالمية والغرب الصليبي بشقيه الشيوعي والرأسمالي، رأى هؤلاء جميعاً في بلاد إيران والنظام الإيراني نقطة ضعف في العالم الإسلامي ومنطقة رخوة يؤتى الإسلام وأهله من قبلهم يتم من خلالها تقويض قوة الإسلام والمسلمين وخلخلة المجتمع المسلم والنيْل من مبادئه وأصوله وعقائده وتشريعاته. لقد سلك النظام الإيراني منهج العداء السافر للمسلمين، ومنهج العداء الخفي والمبطن لقواعد الإسلام وأصوله التي أعظمها إفراد الله بالعبادة والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، والحال هذه ليست نفاقاً بل تجاوزت النفاق، فالمسيطر على الفكر الديني لدى النظام الإيراني هو تلك الأساطير المنطوية على تأليه البشر والتلاعب بنصوص الوحي وإسقاط نقلته كخطوة ضرورية لإسقاطه لتحل محله الروايات والأخبار المكذوبة ليبقى الاتباع في عزلة وقطيعة تامة مع المجتمع الإسلامي الكبير، فالثورة الخمينية والنظام الإيراني الذي يمثلها تعتمد منهجاً تربوياً يقوم على تحريف الشرع وإلغاء العقل، وإذكاء العاطفة المنحرفة وتكريس الخرافة والأسطورة والحرص على إبقاء جذوتها مشتعلة طوال العام، وذلك من خلال الأعياد والأيام والمناسبات والمآتم، التي تستهلك الكثير من أيام العام، فيبقى الاتباع تحت ضغوط هذا الكم الهائل من الحراك المذهبي والاجتماعي الذي يصب في هدف واحد فقط هو تسخير المجتمع الإيراني لمطامع الباطنية الخمينية ونشر أحقادهم وتحقيق أحلامهم في تدمير الإسلام والمسلمين، ورأينا كيف تم تدمير بلاد العراق وسوريا، بل كيف دمّر هؤلاء بلاد إيران نفسها، وكيف يحاولون ذلك في بلاد اليمن والخليج من خلال أدواتهم وأساليبهم التي لم تعد تخفى على أحد، فتصدير الثورة الخمينية الباطنية، وإشعال الحروب الطائفية في المنطقة، وكذا البدء في تنفيذ الخطة الخمسينية أو ما بات يعرف ببروتوكولات آيات قم، وبقطع النظر عن مشروعيته حسابات ما يُعرف بالربيع العربي، فقد كانت الخطة الخمينية تشتمل ضمن بنودها على وجوب إيجاد قطيعة بين علماء الإسلام وبين الأنظمة الحاكمة لتلك الدول والقيام بالتحريض وإثارة الاضطرابات، ثم تحريض الأنظمة والحكومات على أولئك بهدف إثارة العامة على تلك الحكومات التي ستواجه أولئك المتأثرين بالقمع، فيتحقق للنظام الإيراني وللحركة الصهيونية التي تقف وراءه نتائج محصلتها سوء ظن الحكام بالعلماء وأهل الرأي والفكر، ونمو الحقد والعداء بين الطرفين وضياع مكانة أهل اإسلام وضياع سلطتهم أو ضعفها وإحجام تلك الدول على نشر الإسلام والدعوة إليه مما يفسح المجال للمد الباطني الذي يتبناه النظام الإيراني للتمدد في داخل جغرافية العالمين العربي والإسلامي باسم الإسلام، وقد رأينا مبادئ هذه المرحلة وكيف تعاملت الصهيونية العالمية والنظام في طهران مع ظاهرة ما يُعرف بالربيع العربي، وكيف تمت شيطنة الإسلام ما عدا المذهب الباطني مدعومين في ذلك ببعض المخدوعين من المسلمين، لولا ما قيّضه الله على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - الذي وأد الفتنة وأطفأ شررها وأعاد المشروع الصهيو - إيراني مائة عام إلى الوراء، ومع ذلك فإن النظرة الإستراتيجية للنظام الإيراني للمنطقة لا ترتكز على الفكر الديني، وإن كان هو أهم تلك المرتكزات، بل هناك أطماع تاريخية، ومصالح اقتصادية، وتحالفات مع الأعداء التقليديين للأمة، فيجب علينا قراءة مفردات ومنهج إيران خصوصاً بعد الثورة الخمينية، وفهمه واستيعابه، حتى لا نخفق في معالجة هذا الخطر المحدق بنا.