د. عبد الرحمن بن سليمان الدايل ">
لقد كان استهلال معالي وزير التعليم للقاءاته بعد أن حظي بالثقة الملكية الغالية، وتعيينه وزيرًا للتعليم، كان استهلالاً مُتسقًا مع ما يتوقعه المواطن في كل مَن يصل إلى هذا الموقع من المسؤولية، وأيَّة مسؤولية؟ إنها مسؤولية التعليم الذي تصل خدماته إلى كلِّ بيت، ويستفيد منه الوطن والمواطن، وتنعكس آثاره إيجابًا أو سلبًا على حاضرنا ومستقبلنا. فقد جاء استهلال معاليه للقاءاته ليؤكد أن مكتبه سيكون مفتوحًا للجميع لسماع آرائهم وملاحظاتهم بما يخدم التعليم، وأنه لن يكتفي في ذلك بمن يزورونه في مكتبه، بل سيهتم بما يُنشَر عبر قنوات التواصل الإلكتروني من آراء. وطالب الجميع بأن يبدو له النصيحة لإعانته على الاهتمام بعناصر العملية التعليمية كافة. وقد استبشرنا خيرًا عندما لخَّصتم معاليكم توجُّهكم نحو التطوير في أن كل جهد لا يُحدِث تغييرًا في قاعة الدرس ولا يصبّ في خدمة الطالب في التعليم العام والجامعي، ولا يجعلهما عنصرًا فاعلاً في العملية التعليمية، يجعل جهودنا تدور في حلقة مفرغة.
ومن هذا المنطلق - ونحن نرحّب بمعالي الدكتور أحمد العيسى مهنئين له على الثقة الملكية - نقول ومن منطلق توجهاته نحو تطوير التعليم: كَم من الجهود دارت في حلقة مفرغة؟ وكم من الوقت قد مضى والوزارة تدندن على قضية التطوير دون أن نرى أثرًا ملموسًا وقويًّا، يتناسب مع توجيهات وطموحات قيادتنا، ويحقق تطلعاتنا في أن يقف التعليم في المملكة في مصافّ الدول المتقدمة، وليس ذلك ببعيد علينا في ظل الإنفاق الضخم الذي توفّره وتخصصه الدولة للتعليم؛ لكي ينهض وينطلق ويتطور. نقول ذلك ونحن لا نُقلل من جهود مَنْ سبقوك يا معالي الوزير؛ فقد بذلوا جهودًا مشكورة للتطوير والتحديث، وعملوا قدْر طاقتهم مع مَن معهم في مواقع المسؤولية بالوزارة، ولكن مع ذلك يبقى ويظل توجّهكم قائمًا وواضحًا حول الحلقة المفرغة التي أشرتم إليها.
ونشارككم فيها الرأي بأن كل جُهد لا تظهر آثاره في حجرة الدراسة، ولا يصبُّ في مصلحة الطالب، سيزيد من خطورة تلك الحلقة، وتظل العملية التعليمية تُراوح مكانها دون تطوير ملموس.
إننا نُدرك أن قاعة الدرس هي المكان والوِحدة قبل النهائية التي تصبّ فيها الجهود كافة المبذولة في التعليم، وأن سوق العمل ومؤسسات المجتمع الإنتاجية منها والخدمية هي الميدان النهائي الذي يُترجم الواقع الفعلي لثمرات تلك الجهود، فنستسمحكم اليوم يا معالي الوزير أن نبقى داخل قاعة الدرس التي تمتلكها وزارة التعليم، وتستطيع تشكيلها كيف تشاء، ولا ينازعها في ذلك أحد، ودعونا نتساءل: هل قاعات الدرس لدينا تتناسب وطبيعة التطوير المنشود في العملية التعليمية التي لطالما صاغوا حولها النظريات والرؤى في شكل تلك القاعة؟ وكيف يجلس الطلاب فيها ليكونوا أكثر فاعلية في الدرس والتحصيل؟ وهل يتوافر في قاعات الدرس من التقنيات الحديثة المعاصرة ما يتلاءم مع برامج التطوير التي شهدتها الوزارة على مدى فترات ماضية لإدخال التقنية إلى التعليم، وتوظيفها لتحقيق التطوير المنشود؟
إن قاعات التدريس تحتاج إلى جهود مكثفة لتقويم واقعها وحل مشكلاتها، فنحن لا نزال نتذكَّر بالشكر والتقدير كيف قامت الدولة - أعزَّها الله - في وقت من الأوقات بتزويد وزارة التعليم فورًا بالمال اللازم لشراء وحدات التبريد (المكيفات) للمدارس حين اكتشفت الوزارة فجأة حاجة قاعات الدرس إليها، وذلك حين استيقظت وانتبهت أدوات الإشراف الفني والإداري والمتابعة إلى ضرورة ذلك. إننا في حاجة لإشراف فعَّال ومتابعة مستمرة من قِبل أجهزة الوزارة، وإلى تواصل دائم مع المدارس لتحسين قاعات الدرس؛ لتكون على المستوى المطلوب، ولعلّ ذلك يؤكد توجهكم السديد - يا صاحب المعالي - نحو تطوير الإدارة المدرسية، وإعطائها الصلاحيات التي تجعلها أكثر فاعلية داخل المدرسة، بما يعود بالفائدة على العملية التعليمية التي موقعها الحقيقي قاعة الدرس التي يجب أن تصب فيها نتائج كل الجهود التطويرية في الوزارة.
ولعله من نافلة القول - يا معالي الوزير - أن تهيئة المكان المناسب للدراسة لا بُدَّ أن يتزامن معه - إن لم يكن يسبقه - تهيئة المعلم المتمكّن والظروف المناسبة له؛ ليؤدي رسالته السامية في إعداد الأجيال. ولسْنا هنا في مجال بيان أهمية المعلم أو الحديث عن وظائفه المتعددة؛ فنحن أمة (اقرأ)، ونحن أمة قال رسولها عليه الصلاة والسلام «إنما بُعثت معلمًا»؛ ولذلك فالمعلم لدينا يجب أن يكون هو الأولى بالرعاية والعناية والاهتمام، سواء من قِبل الوزارة أو المجتمع، غير أن المعلم لا يزال في حاجة ماسة لإعادة النظر في سياسات وأساليب التعامل معه، في وقتٍ تشتدّ فيه شراسة التحديات التي نواجهها، وتتطلب تربية شاملة متكاملة، من شأنها مواجهة الفكر المتطرف، والوقوف في وجه مُروّجيه حماية للعقيدة، وصيانة لعقول الأبناء، زهور وزهرات هذا الوطن. وهنا يقع على عاتق المعلم مسؤولية كبيرة لدعم ثوابت الوطن في نفوس الأبناء، وترسيخ معاني الوطنية في سلوكهم، وتمسكهم بدينهم، وإخلاصهم لولاة الأمر. وكيف يتم للمعلم ذلك وهو مثقلٌ بالأعباء التدريسية والأعباء الإدارية، ويقع تحت طائلة الإشراف الذي لا يزال يعمل بفلسفة التفتيش مهما اختلفت المسميات، بما لا يَدَع للمعلم وقتًا للإبداع داخل قاعة الدرس، أو فرصة لتثقيف نفسه لتطوير أدائه وتحقيق التميز المطلوب في الأداء؟
وإذا انتقلنا للمعلمات ومَن في حكمهن من الإداريات فلعهن يتشاركن في هموم المعلم، ويَزدْن عليه بحكم خصوصية المرأة العاملة، وارتباطها بمسؤولياتٍ أسرية، وواجباتٍ في تربية أبنائها. وهنا نجد وزارة التعليم مسؤولة عن مراجعة نفسها في التعامل مع تلك الخصوصية التي تختص بها المرأة العاملة في مدارسنا، سواء كانت مُدرّسة أو إدارية. والأمر هنا نحسبه ونظنه يسيرًا لدى الوزارة إذا راجعت الكمَّ الوفير من الآراء والمقترحات التي تناولت هذا الشأن، ونعتقد أن أدراج الوزارة مليئة بها. فكم من مرَّة تناولت صحافتنا بصفة خاصة تيسير التقاعد المبكر للمعلمات ومَن في حكمهن؛ فلا توضع العراقيل أمامهن، وكذلك نظام العمل بنصف الوقت للمعلمات. ولا تخفى الآثار التربوية والمجتمعية لمثل هذه الآراء عند الأخذ بها، إضافة إلى فرص العمل التي يمكن توفيرها لفتيات الوطن، بما يُسهم في إيجاد حلولٍ لمشكلة البطالة التي تتفاقم مخاطرها في ظل تزايُد أعداد العاطلين والعاطلات عامًا إثر عام، ولم تستطع الأجهزة المختصة حتى الآن أن توجد الحلول الحاسمة لها.
إننا ننتظر من وزارة التعليم نظرة شاملة لأوضاع المرأة العاملة في الوزارة، تُحسِّن أداءها بالمدرسة حين تضع حدًّا لمشكلاتها ومعاناتها، وتقف في مواجهة الحوادث التي يتعرض لها البعض في النقل غير الآمن الذي يرتبط بدرجة كبيرة بعدم تحقيق رغبتهن في النقل من مدرسة إلى أخرى.
نقول، وباختصار: إن التطلعات والآمال نحو وزارة التعليم تزداد في عهدها الجديد - يا معالي الوزير-، وتتعدد مطالبنا كالمعتاد مع تعدد عناصر العملية التعليمية التي هي في حاجة للمزيد من الاهتمام؛ فاسمحوا لنا بأن يكون للحديث بقية وبقية؛ لنخرج مُؤقتًا من دائرة قاعة الدرس، على أن نعود إليها مُقدرين رغبتكم في الاستماع للآراء، والأخذ بالمفيد منها. ولْيتسعْ صدركم؛ فنحن ندرك حرصكم على التطوير وفق رؤية طموحة، تستند إلى فكرٍ سديد مستنير. وندعو الله أن يوفقكم لما فيه الخير.
- وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام، سابقًا