د. زيد بن محمد الرماني ">
إن العديد من البحوث والدراسات ثروة علمية لم يتم استثمارها الاستثمار الأمثل في معالجة العديد من المشكلات التنموية التي نعاني منها في واقعنا المحلي، إذ بمجرد تخرج الطالب يستحيل هذا الجهد العلمي المتقن بنتائجه الدقيقة إلى مجموعة من الأوراق التي تستودع إما درجاً أو رف مكتبة في أحسن الأحوال.
ولقد تم التوصل من خلال دراسة بحثية بعنوان: (تعظيم الاستفادة من مخرجات الدراسات العليا في خدمة قضايا التنمية والتطوير) إلى أنه لا توجد استفادة حقيقية من تسعة آلاف رسالة وذلك حتى عام 20-1421هـ تمثّل إجمالي نتائج الدراسات العليا من الرسائل العلمية حينذاك، وقد قدرت تكلفتها التقريبية بحوالي مليارين وسبعمائة مليون ريال سعودي، وهذا يوضح مقدار الهدر والفاقد الناتج عن عدم الاستفادة من تلك الرسائل.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الجامعات في الدول العربية ارتفع من (12 جامعة) في عام 1945م إلى أن أصبح اليوم يفوق 240 جامعة، كما بلغ عدد كليات الدراسات الجامعية أو العليا أكثر من 600 كلية. في حين بلغ عدد طلاب التعليم العالي (ستة ملايين طالب وطالبة) في عام 2010م. ما يعني أن ثمة ملايين الرسائل الجامعية الغنية بالأفكار الجديدة والإحصاءات الدقيقة والتوصيات النافعة لم يستفد من أكثرها، حيث لم تسهم هذه الرسائل الإسهام الأمثل في دعم خطط التنمية والتصدي للمشكلات والتحديات التي نواجهها في واقعنا العربي.
إن الجامعات تعلن باستمرار عن أعداد الحاصلين على درجة الماجستير أو الدكتوراه، وتحتفي بتخرجهم كل عام، ولكن تبقى قضية البحوث العلمية معلقة، حيث لا تزال هناك مئات الدراسات والأبحاث رهينة الأدراج.
ولقد أكد أكثر من باحث أكاديمي على أن هناك جهات تنفق الملايين على دراساتها من دون تفعيل. لأن تفعيلها يحتاج إلى إمكانات مالية غير متاحة، وفي الوقت نفسه ربما تنفيذ بعض الدراسات قد يحتاج إلى تغييرات إما هيكلية وإما جذرية في بنية المؤسسات، أو يحتاج إلى إصلاحات كبيرة. على الرغم مما بذل فيها وصرف عليها سواء كانت جهود مالية أو ذاتية فهذه مشكلة، بل إن هناك دراسات مؤسسية ودراسات موجهة تم الصرف عليها لمواجهة مشكلة معينة. إذن هناك قصور في الوقت الراهن في تبني بعض الدراسات والأبحاث العلمية.
إن البحث الأصيل والموجه الذي يعالج مشكلة معينة هو البحث الذي يمكن أن يستفاد منه، فبعض البحوث تعمل لمتطلبات معينة إما الحصول على درجة علمية وقد لا يحقق هذا البحث مردوداً فعلياً على المجتمع أو على المشكلة التي يناقشها، وإنما هو لإجراء البحث كمتطلب أكاديمي، ومثل هذه الأبحاث لا تكون جيدة أو أن يكون لها مردود جيد.
إن معظم الأبحاث العلمية في العالم العربي أبحاث غير موجهة، وغير مطلوبة. وللأسف لا توجد بحوث موجهة لتشخيص المشاكل والتحديات أو تحديد الاحتياجات التي تواجه التنمية أياً كان نوعها، بمعنى أن الأبحاث غير مطلوبة من الوزارات والأجهزة المختلفة، بل إن بعض هذه الجهات تستعين بجامعات أجنبية رغم أن لديها باحثين في جامعات الوطن وتتجاهلهم، ما يضطرهم إلى التركيز في أبحاث بقصد الترقية العلمية، فالكل يسبح في عالم مختلف.
إن هناك كثيراً من الأبحاث الجيدة التي لم يتم نشر نتائجها في الدوريات أو حتى المؤتمرات، وهنا يكمن الخلل، حيث ستبقى هذه البحوث حبيسة الأدراج والأرفف والملفات ولن يطلع عليها أحد.
في كل عام يتم إنجاز العديد من الأبحاث العلمية داخل وخارج المملكة عن المملكة وشؤونها، ويشارك العديد من الأفراد والجهات في تنفيذها ولأهداف مختلفة، وغالبية هذه الأبحاث يتم نشر نتائجها، ويتم إثبات عدد من التوصيات ذات العلاقة بالنتائج التي تم التوصل إليها في ضوء أهداف البحث ومتغيراته المختلفة.
ومع ذلك لا نجد لهذه الأبحاث التي يتم القيام بها نتائج كبيرة في حل العديد من المشكلات التي تواجه المجتمع، أو ليست لها نتائج كبيرة يكون لها عامل تأثير على المستوى المحلي أو الإقليمي. وهذه الأبحاث بالإمكان أن تكون رافداً قوياً لتنفيذ دراسات لها قيمة علمية، ويمكن توجيهها بما يخدم المجتمع.
وهنا ينبغي الإشارة إلى إن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي يعتبر أحد أهم البرامج الوطنية لذا فقد تم ابتعاث عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات للدول المتقدمة في أمريكا وكندا وأستراليا وبريطانيا وسنغافورة... وغيرها من الدول وفي كافة التخصصات وكافة الدرجات العلمية. وقد أثبت عدد من هؤلاء المبتعثين كفاءة وتميزاً علمياً عالياً فحصل بعضهم على براءات اختراعات في مجالات علمية متنوعة سجلت كإنجازات عالمية نفخر بها.
وللأسف، فليس هناك خطة إستراتيجية لاستيعاب هؤلاء المبتعثين في القطاعين الحكومي والخاص. بل إن وزارة التعليم لم تستطع حتى استيعاب هذه الكوادر الوطنية في جامعاتها وتوفير الوظائف الأكاديمية.
- عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية