بدر بن عبد الكريم السعيد ">
تشويه السمعة من أسوأ الصفات التي تلصق بالإنسان؛ فالذي يقوم بذلك قد يكون يحمل حقداً بقلبه أو غيرة وحسد أو كراهية لديه، أو أن هناك أحداثاً قديمة قد حصلت يقصد من ورائها الانتقام، أو بأسباب فهم خاطئ غير مقصود أدت إلى الوشاية بين الناس... وأيضاً هناك من يسعى بالتقليل من شأن الآخرين ومحاولة إقصائهم لكي يشار له أنه الأفضل، وكل ذلك من أسباب الغيبة والنميمة والكذب وسوء الظن التي تعتبر من كبائر الذنوب، التي كل واحدة منها قد خصص الله لها عقوبة تختلف عن الأخرى، وللشرح أكثر عن تلك المفسدات فإنها تستحق لها مقالات منفردة عن بعضها البعض، وقد جاءت مفصّلة في النهي عنها والتحذير منها في القرآن الكريم وفي الأحاديث الشريفة، فلننظر أولاً وباختصار معاني تلك الكبائر..
* فالغيبة تعني: ذِكْرُكَ أخاك بما يكْره، سواءٌ أكانت هذه الغيبة في بدنِهِ، أو دينه، أو دُنياه، أو نفسه، أو خُلُقِه أو ذَكَرْتَهُ بِلِسانك، أو كَتَبْتَهُ بِيَدِك، أو رَمَزْتَ إليه، أو أشَرْتَ إليه بِعَيْنِك، أو يَدِك، أو رأسِك، أو غير ذلك مما يتعلَّقُ به، كُلُّ هذه الموضوعات مُتَعَلِّقَة بالغيبة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)،
* والنميمة هي: نقل الكلام بين طرفين لغرض الإفساد بينهما قال أبو ذر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (من أشاع على مسلم كلمةً ليشينه بها بغير حق، شانه الله بها في النار يوم القيامة) عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلاً يَنُمُّ الْحَدِيثَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ)
* والكذب هو: رأس الخطايا وبدايتها ويعني إخباراً بالشيء على خلاف ما هو عليه وهو من أقصر الطرق إلى النار، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «وإيّاكم والكذِبَ، فإنّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإِنّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النّارِ وَمَا يزَالُ العبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذّابا» [رواه البخاري ومسلم]، وسوء الظن: يعني أنّه كلّما صدر من شخص فعل معيّن فيحمل على المحمل السقيم، ويفسّر بالتفسير السيئ وقال ابن القيم: (سوء الظن: هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس, يطفح على اللسان والجوارح)، أما رأيت أن معاني وتعريفات كبائر الذنوب أعلاه جميعها مشتقة من «الظلم» لأن الظلم آفة كبيرة ومفسدة في الأرض فالظلم ظلمات وهو من أهم الأسباب لزوال النعم، وقد حرّم الله الظلم على نفسه وعلى عباده وجعله من أقبح الذنوب، لما له من آثار مدمرة وعواقب وخيمة على الإنسان ومجتمعه، فالله خلق الإنسان لعبادته ولعمارة الأرض وكرّمه وسخّر له الحياة الكريمة قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [سورة الإسراء]، فيأتي الظالم ويهدم ويفسد كل ذلك في دقائق معدودة بتشويهه للسمعة فتسري بين الناس سريان النار في الهشيم إن السمعة الطيّبة هي رأس مال الإنسان فعندما تتشوّه فماذا بقى له؟!!، إن الذي قد تشوّهت سمعته يتضرر وتتأثر نفسيته كثيراً وربما يصاب بأمراض جسدية وليس عجباً بمن حوله الذي يكُن لهم التقدير والاحترام أن يتغيروا عليه وينظروا إليه بملامح وتعبيرات مختلفة بعدما كانت الثقة قائمة التي تم بناؤها بصعوبة عبر السنين، إن الله لا يرضى الظلم بين عباده بل يقتص من الظالم في الدنيا والآخرة فهو سبحانه وتعالى «يمهل ولا يهمل» عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» وقد ورد ذكر الرحمة في القرآن الكريم في نحو ثمانية وستين ومائتي (268) موضع، والرحمة هي من صفات الله، فبحكمة الله وعدله بين عباده قد ذكرت الرحمة في مواضع متعددة، في شئون وأحوال الخلق جميعاً ولكن الظالمون..
قال تعالى: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}. [الشورى 8]، وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره لهذه الآية الكريمة قال تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} أي أن الله لا يحب أن يدعو أحد على أحد إلاّ أن يكون مظلوماً فإنه «قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه».
{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.