د. يوسف بن أحمد الرميح ">
نشر تنظيم «داعش»، مؤخراً تسجيل فيديو يظهر فيه ستة أطفال يعدمون رجالاً مُحتجزين لدى التنظيم الإرهابي, وأظهر التسجيل كذلك عشرات الأطفال وأعمارهم في العاشرة تقريباً وهم يدرسون نصوصاً تكفيرية ويتدربون على القتال وجهاً لوجه، ثم اختار المدرب ستة منهم «لتوجيه رسائل إلى معارضي التنظيم»، ويظهر كل من الأطفال وهو يجري داخل حصن مُدمّر وترافقه مشاهد دراماتيكية حتى يعثر على أسير يقول اسمه وتاريخ مولده ورتبته. ويُظهر التسجيل الأطفال وهم يعدمون ستة أسرى، خمسة منهم بالرصاص والسادس ذبحاً.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان: «إن التنظيم قام بتجنيد أكثر من 1100 طفل منذ مطلع العام الحالي، وأن أكثر من خمسين منهم قد قُتلوا». وقد سبق أن نشر تنظيم «داعش» المتطرف صورتين صادمتين لأطفال صغار يحملون بنادق رشاشة ملفوفة حول وسطهم الصغير، حيث ظهر في صورة دعائية صبي صغير يشير بأصابعه بتحية «داعش» أمام الكاميرات، فيما تحوطه بنادق AK47 وقنبلة يدوية, وفي الصورة الثانية كان هناك طفل أمامه مدفع رشاش، ويحمل على كتفه حزام من الذخيرة. وأظهرت لقطة ثالثة وجه طفل صغير لا يزيد عمره على ثلاثة أعوام وهو يقطع رأس دميته في انعكاس صادم لتأثير أشرطة الفيديو التي يبثها التنظيم لعمليات الإعدام.
ويظهر الطفل في أحد الصور وهو يرفع رأس دميته المقطوعة، فيما رفع أيضا سكينته منتصرا في الهواء كرجل وراء الكاميرا ويصيح «تكبير».
لقد نجح تنظيم «داعش» في تحويل الأطفال الصغار إلى قتلة عن طريق السيطرة على فكرهم وتعليمهم وعقولهم في سن مبكرة جدا، حيث نشر «داعش» فيديوهات لأطفال صغار أثناء تعليمهم استخدام البنادق الآلية، التي يجري تدريسها كأيديولوجية ملتوية لـ»داعش» في المدارس التي تديرها هذه الجماعة المتطرفة. ولذلك فإن «داعش» يعيد برمجة هؤلاء الصغار وعقولهم ذات التأثر السريع لتحولهم إلى «قتلة», حيث إن تلقين الأطفال تعصب «داعش» لا يعد وسيلة سهلة للقولبة فحسب، وإنما يخلق أيضاً أجيالاً جديدة من المؤمنين بـ»داعش» أو مقاتلين جدد. وعندما يُصور طفلاً وهو يقطع رأس ضحية بشرية، وهو أول فيديو لـ»داعش» من هذا النوع. ويُعتقد أنه قتل جنديًا سوريًا، ولم يكشف عن اسمه، في محافظة حمص السورية، بعدما أسره التنظيم في القرب من نقطة تفتيش ويُعتقد أن الضحية كان يتمركز في مدينة «تدمر» الأثرية، وتم مشاركة هذا الفيديو الأخير من جنود «داعش»، مشيدين بالصبي الصغير، معتقدين أنه يجب ألا يكون أكبر من 10 أعوام، كي يعدم عدوًا مقاتلاً له حيث أجبر الجندي السوري المقتول، على الانحناء إلى معدته كي يتمكن الصبي من سحب رأسه إلى الخلف واستخدام سكين لقطع رأس له في مشهد متوحش درامي ينتهك أبسط حقوق الطفل الشرعية والقانونية والنظامية والإنسانية.
ويستهدف داعش في تجنيده الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و22 سنة، وهو العمر الذي يتصف بالاندفاع، وعادة ما يجري تحريف تعاليم الدين الإسلامي وعقد ندوات تعبئة دينية يشرح فيها أهمية ما يسمونه «القتال» والطريق إلى الجنة والحور العين ويستهدف تنظيم داعش تجنيد الأطفال وهم في سن العاشرة في الوقت الذي يقف فيه أهالي الأطفال أمام هذا الأمر بلا حول ولا قوة. ويخضع التنظيم أولئك الأطفال إلى دورات خاصة تحت اسم «دورات الأشبال»، وذلك للتأثير فيهم وتغيير طريقة تفكيرهم لكي تتقبل القتل والتكفير. ومن القضايا التي عرضت أكثر من مرة على مجموعات من صغار السن في التنظيم بعض حالات الإرهاب النسائي لمعتقلات عرفن بدعم أو تمويل التنظيم؛ حيث يقوم التنظيم بعرض تلك القضايا على صغار السن وإقناعهم بضرورة التحرك لنصرتهن وتم تسجيل حالات كثيرة من تجنيد الأطفال الأيتام تحت اسم «طيور الجنة», حيث إن تنظيم داعش و(القاعدة)، يركزان على موضوع الأطفال لاعتبارات عدة، أبرزها سهولة إخضاع الأطفال في هذه الفئة العمرية لغسيل الدماغ، خاصة أن أعداداً كبيرة من هؤلاء الأطفال فقدوا ذويهم خلال الحروب والدمار، وما يزيد الأمر تعقيداً هو عدم وجود مراقبة. ويستهدف تنظيم داعش الأطفال، لأنهم يكسبون تعاطف عامة الناس ولا يثيرون الشكوك خلال تحركاتهم وتنقلاتهم في المجتمع. وأن أغلب هؤلاء الأطفال يستخدمهم «داعش» في مهام نقل وزرع العبوات الناسفة، ورصد ومراقبة ونقل المعلومات، بالإضافة إلى تنفيذ العمليات الانتحارية. وكان مصطلح طيور أو عصافير الجنة معروفاً عند تنظيم القاعدة من قبل إشارة إلى الأطفال الانتحاريين، واليوم يعيده «داعش»للواجهة. ولا بد من معرفة أن توظيف الأطفال عند (داعش) يأتي ضمن سياسة ملء الفجوات والفراغات التي يواجهها التنظيم في عملياته المختلفة. وللأسف يتعرض الأطفال داخل معسكرات «داعش» إلى الاعتداءات الجنسية والمساومة والتمثيل بعوائلهم في حالة محاولة الهروب أو مغادرة المعسكر لسد أبواب الهرب أمام الأطفال. لقد كان التنظيم في البداية يستفيد من الأطفال بنقل الجرحى أو استخدامهم في تهريب الأسلحة، كما استغلت هذه المجموعات الإرهابية الأطفال إعلامياً وصورتهم كضحايا بغية استدراج التدخل الخارجي لبعض المناطق، بالإضافة إلى استخدامهم كدروع بشرية، أما الآن فبدأ يزجهم في عمليات قتالية وأخرى انتحارية، وربما يعود ذلك إلى النقص في المصدر البشرية بسبب توسع التنظيم أفقياً وعلى مساحة واسعة وقلة كوادره المدربة. ويتلقى هؤلاء الأطفال من قبل أعضاء التنظيم دروساً عسكرية وأفكاراً متطرفة وأيديولوجية تكفيرية ويتعلمون أبشع أساليب التعذيب والقتل والتنكيل لكل من يعارض أفكارهم أو يحاربها. ومن المهم معرفة أن العديد من الشبان لن يحصلوا على «شهادة تخرج» في الدورات التأهيلية لداعش التي تسمح لهم بتبوء مناصب قيادية وهمية ما لم يمارسوا تنفيذ عملية قطع الرؤوس بعد أن أصبح ذلك جزءاً من الحياة اليومية إلى جانب مشاهداتهم لعمليات الجلد وقطع أجزاء الجسم والإعدامات العلنية.
ومن أبرز الوسائل التي يتبعها التنظيم في تجنيد الأطفال:
* منح الأطفال مخصصات مالية محدودة مستغلاً العوز وصعوبة الحياة عند عوائلهم، فبعض العوائل كانت مضطرة إلى إرسال أبنائها نتيجة العوز إلى جانب الترهيب.
* منح الأطفال حظوة بين أقرانهم من الأطفال من خلال حمل السلاح والزي العسكري لداعش.
* مصاحبة الأطفال لقيادات «داعش» في بعض المهام وحملهم السلاح وتنفيذ عمليات إعدام أو رجم نساء وحضور طقوس قطع الرؤوس. بعض التقارير كشفت أحد مقاتلي «داعش» يحمل الجنسية الأسترالية ومن أصول عربية، أظهرته يقطع الرؤوس وابنه خلفه يقوم بجمعها، وفي «يوتيوب» فيديو آخر يظهر أطفالاً من أبناء قيادات «داعش» تضرب الرؤوس بالقدم، باعتبارها جزءاً من ترويض الأطفال من وجهة نظر التنظيم وكسر حاجز الخوف لديهم.
* التشبه بقيادات التنظيم والجماعات المتطرفة بمنح الألقاب لأطفال في سن لا تتجاوز 16 عاماً، مثل لقب أبو القعقاع وأبو طلحة.
* حمل رايات داعش والاستماع إلى الأناشيد الحماسية.
* عزل الأطفال عن ذويهم في معسكرات بعيدة عن مناطقهم.
* نشر الطائفية، باعتبار انضمامهم إلى التنظيم جزءاً من دفاعهم عن الدين من وجهة نظر التنظيم الإرهابي.
* إعادة تفسير الآيات القرآنية من قبل التنظيم بطريقة تخدم سياساتهم والتركيز على باب «الجهاد».
ومن أهم أسباب تجنيد الأطفال عند «داعش»:
* ترك إرث دموي عنيف وإلى الأمد البعيد في حياة الطفل يصعب أو يستحيل الخلوص منه.
* الأطفال مادة سهلة، يمكن إخضاعهم إلى الغسيل الدماغي أكثر من البالغين.
* استخدام الأطفال والصبية في عمليات حراسة وخدمة قيادات تنظيم داعش، كون ولاؤهم غير مشكوك فيه.
* فقد التنظيم ثقته ببعض قياداته ومقاتليه بسبب الانشقاقات، فهو يستخدم الأطفال في عملية الحماية الشخصية والتجسس وجمع المعلومات في بعض المناطق، كونهم لا يثيرون الشكوك. وظهر على المواقع المتطرفة الإعلامية مثل موقع «الفرقان» دليل إرشادي يشرح للأمهات «المتطرفات» كيفية تنشئة أطفالهن، وهذا ما يصعد من درجة التحذير من مخاطر تجنيد الأطفال التي تسمى أيضاً «أشبال الخلافة». ويضخ الكتيب أفكاره المتطرفة والتكفيرية بعنوان «دور الأخت في (الجهاد)» بعرض المواقع المتطرفة على الأطفال، وتشجيعهم على ممارسة ألعاب رياضية، مثل الرماية، من أجل تحسين قدرتهم على التصويب.
* الأطفال يستطيعون النفوذ في أماكن لا يستطيع وصول الكبار إليها بتنفيذ عمليات انتحارية.
* التمويه والخداع، كون الأطفال يكسبون التعاطف من قبل عامة الناس ولا يثيرون الشكوك بالتحرك والتنقل.
ولله الأمر من قبل ومن بعد,,,,
أستاذ مكافحة الجريمة والإرهاب - مستشار أمني