الحمد لله القائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (155-157) سورة البقرة.
والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: (ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) رواه البخاري
وبعد ففي ليلة السبت الموافق 20-12-1436هـ فقدت مدينة المجمعة ابناً باراً من أبنائها ومربياً فاضلاً تخرج على يديه المئات من الطلاب على مايربو على 32 عاماً قضاها في التربية والتعليم ألا وهو العم الفاضل الأستاذ عبد العزيز بن احمد بن إبراهيم الرميح المعروف بكنيته « أبو عاصم» فقد آلمني أشد الألم وأحزنني خبر وفاته الذي تلقيته مساء تلك الليلة عن طريق رسائل الجوال، ثم أكد ذلك رسالة من ابنه البار الأستاذ عبد الرحمن تلقيتها صباح يوم السبت، فقد كان يتلقى العلاج في مدينة الملك فهد الطبية في الرياض حيث أصيب بمرض لازمه زهاء العامين من شهر محرم عام 1435هـ إلى 20-12-1436هـ جعل الله ما أصابه تكفيراً لسيئاته ورفعة لدرجاته إنه سميع مجيب. وقد أشرف على تمريضه والقيام على شؤونه زوجته الوفية الصابرة الفاضلة حصة بنت محمد بن عثمان الربيعة التي تزوجها عام 1387هـ وأبناؤه البررة كلهم خاصة عبد الرحمن وعثمان ووليد بحكم وجودهم عنده في المنزل وإلا كل أبنائه وابنتيه فيهم الخير والبركة.
جعل ما قدموه في ميزان حسناتهم وليس ذلك بمستغرب عليهم فهم والحمد لله بررة بوالديهم فلم تقبل أم عاصم ولا أولاده إبقاؤه في المستشفى أو إحضار ممرض له في البيت يتولى شؤونه كما تفعل بعض الأسر بل تولوا هم ذلك وبنفس راضية لا حرمهم الله الأجر.
توفي- رحمه الله- عن عمر يناهز 75 عاما وقد صلي عليه في الجامع الكبير في المجمعة بعد صلاة العصر من يوم السبت والمصلون عليه والحمد لله بالمئات من المجمعة وخارجها كالرياض ولا أبالغ إذا قلت إن المصلين عليه من أكثر الجنائز التي صلي عليها في هذا الجامع وهذه بشارة خير إن شاء الله.
ويدل على محبة الناس له كما أن تشييعه إلى المقبرة كان مهيباً جداً لكثرة المشيعين. عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه). رواه مسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) رواه مسلم، فكيف بهذه الجموع الغفيرة التي جاوزت المئات ولله الحمد والمنة.
كما أن أيام العزاء الثلاثة لمّا لم تكف مدّدت يوماً رابعاً وأفواج المعزين لم تنقطع طيلة هذه الفترة من الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الحادية عشرة مساءً مما يدل على عظم مكانته ومحبة الناس له وكثرتهم.
ولد رحمه الله في عام 1361هـ في مزرعة العائلة مزرعة جدي أحمد بن إبراهيم الرميح وأخويه عبد العزيز وعبد الله رحمهم الله الواقعة في (أم الشري) تبعد عن مدينة المجمعة أربعة أكيال نشأ فيها ثم التحق بمدرسة الملك عبد العزيز الابتدائية في المجمعة ثم التحق بمعهد المجمعة العلمي ثم انتقل وبعض أفراد العائلة إلى الرياض لإكمال دراسته الجامعية في كلية اللغة العربية التابعة للرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية المسماة الآن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتخرج فيها عام 1391هـ ثم عين أستاذاً للغة العربية في المعهد العلمي بحوطة سدير وقضى في هذا المعهد سبعة أعوام ثم انتقل إلى مدينة المجمعة ليكون أستاذ اللغة العربية في معهدها العلمي واستمر على ذلك إلى أن بلغ سن التقاعد عام 1424هـ تخلل هذه الفترة ذهابه في بعثة لمعهد رأس الخيمة العلمي في الإمارات العربية المتحدة التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
استمرت هذه البعثة للتدريس هناك أربعة أعوام من عام 1400 إلى 1403هـ.
تقاعد رحمه الله بعد خدمة تنيف على 32 عاماً قضاها في تربية وتعليم وخدمة طلابه الذين كانوا يكنون له الاحترام والتقدير حيث كان يعاملهم- رحمه الله- كأصدقاء وكذلك كانت علاقته بإدارة المعهد وزملائه المعلمين والاداريين والمستخدمين على أحسن حال فقد كانت للمعهد دورية أسبوعية منذ أكثر من 30 عاما وقد كان- رحمه الله- من أهم أعضاء الدورية إن لم يكن أهمهم ومن اهتمامه بها أنها تقام منذ أكثر من 16 عاماً في مزرعة العائلة مما يدل على كرمه- رحمه الله- والده- رحمه الله- الزاهد العابد (نحسبه كذلك ولا نزكي على الله احداً) أحمد بن إبراهيم الرميح توفي رحمه الله عام 1404هـ وهو الذي انشأ المزرعة وغرس نخلها وقام على شؤونها فكانت مصدر عيشه هو وعائلته الكريمة المكونة من زوجته وثمانية أبناء وأربع بنات فزوجته هي الوالدة الفاضلة لطيفة بنت عبد الرحمن الحجّي توفيت رحمها الله 1416هـ وقد كانت نعم المعين والسّند لزوجها في تنشئة أولادهم وتدبير شؤون البيت في تلك الظروف الصعبة فقد كانت- رحمها الله- تتصف بقوة الشخصية وحسن التدبير وقد ظهر اثر ذلك جليا على مستقبل الأولاد وهم العمة الجوهرة وتوفيت صغيرة ثم والدي الغالي إبراهيم توفي رحمه الله في أوائل السبعينات الهجرية وقد سافر في أول شبابه إلى الظهران بعد زواجه بوالدتي الغالية هيا بنت عبد الرحمن الخيّال توفيت رحمها الله في 28-2- 1424هـ وكان سبب سفره- رحمه الله- للعمل لتحسين وضعه ووضع عائلته الكريمة لكنه رحمه الله توفي بعد فترة قصيرة من سفره بسبب مرض لم يمهله طويلا ولم يحقق حلمه ولله الأمر من قبل ومن بعد جعله الله في الفردوس الأعلى من الجنة والعم محمد (أبو رميح) وهو الساعد الأيمن لجدي في تصريف شؤون المزرعة بعد سفر والدي رحمه الله حيث لم يرغب في مواصلة الدارسة لأن بعض المزارعين وكذلك أصحاب المهن الأخرى في ذلك الوقت يفضلون مساعدة أبنائهم في هذه المهن على الدراسة، ولأن المجتمع في ذلك الوقت مجتمع منتج يعتمد بعد الله على نفسه يكتفي اكتفاء ذاتياً في جميع متطلبات الحياة ليس للأسف كوضعنا الحالي. توفي العم محمد رحمه الله في 13/ 7/ 1435هـ والعم حمد تخرج من كلية اللغه العربية عام 1385هـ والعم عثمان توفي رحمه الله في أواخر السبيعنيات الهجرية وهو يدرس في معهد المجمعة العلمي والعم عبد العزيز رحمه الله (المترجم له) والعمة شيخه أم عبد المحسن بن إبراهيم اللعبون والعمة موضي أملدكتور خالد بن محمد العمر والعم عبد المحسن تخرج عام 1391هـ من كلية اللغة العربية والعم ناصر تخرج عام 1394هـ من كلية الشريعة والعم سليمان تخرج من كلية العلوم الاجتماعية قسم التاريخ عام 1396 وهي الكليات التابعة للرئاسة العامة للكليات والمعاهد العلمية في الرياض والعمة حصة أم صخر بن محمد الصالح تعمل معلمة في الرياض.
كان- رحمه الله- يكره الخمول والكسل فمع إصابته بالسّكر إلا إنه كان كثير الحركة والنّشاط فقد قام رحمه الله بتجديد بيت العائلة القديم كما قام بعد تقاعده بإحياء أرض زراعية في مزارع جوي تبعد عن مدينة المجمعة حوالي 10 أكيال وغرس فيها نخلاَ وبنى فيها ملحقين للرجال والنساء فصار بيت المزرعة في أم الشري وتلك الملاحق في مزرعة جوي مقصداً للاجتماعات العائلية في المناسبات والإجازات مما يدل على كرمه- رحمه الله- والقصص الدالة على كرمه كثيرة جداً لايتسع المقام لذكرها منها أنه خلال فترة بعثته في رأس الخيمة التقى بشابين من أهل المجمعة فلما عرفاه على نفسيهما دعاهما لتناول الطعام في منزله وألحّ عليهما لكنهما اعتذرا فما كان منه إلا أن أخرج من محفظته ألفي ريال وقال هذه قهوتكم. ومنها انه أراد المتاجرة في الماشية فاشترى عددا كبيرا من الخراف فأصبح يهدي منها إلى من زاره ويذبح منها لأضيافه حتى انتهت ولم يبق منها شيء.
ومنها أنه- رحمه الله- اتّصل على صديقه الوفي الأستاذ خالد بن حسن العولة مدير معهد المجمعة العلمي ويعتبر من أعز أصدقائه وطلب منه إحضار بطيخة وشمام من سوق الخضار إلى مزرعته في جوي فلما أحضرهما وجهّزهما للأكل قال لعمي تفضل يا أبا عاصم قال أنا صائم اذهب بها إلى العمال وكلها معهم.
وكان من عادته رحمه الله وزوجته الوفية صيام يومي الاثنين والخميس، ويؤخذ من هذه الحادثة أيضا اهتمامه وعطفه على العمّال- رحمه الله- وقد كان رحمه الله باراً بوالدته ومن بره بها أنها رحمها الله بعد أن ثقلت وصارت تحتاج لرعاية خاصة طيلة 13 عاماً كانت إقامتها الأساسية في بيته- رحمه الله- عدا بعض الفترات القصيرة عندما تزور أبناءها وهي رحمها الله كثيرة الصديقات والقريبات فيكثرن من التردّد عليها إضافة إلى زيارة الأعمام والعمات وعوائلهم المستمرة ويترتب على ذلك كثرة الولائم التي لا يكاد يخلو أسبوع منها فكان هذا ممّا يسعده ويفرحه مما يدل على كرمه- رحمه الله- وساعد ذلك أن رزقه الله زوجة وفية صالحة كريمة فاضلة حيث فرّغت نفسها تماما للاهتمام بالوالدة وضيوفها وكانت تعمل ذلك بكل أريحية ورغبة وفرح وبشاشة وليس تصنّعاً فجزاها الله خيراً وجعل ذلك في ميزان حسناتها وأن يبر بها أبناؤها وابنتاها وهم كذلك والحمد الله.
والحديث عن الفقيد الغالي رحمه الله يحتاج إلى مقالات وهذه المساحة لا تكفي ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالجيد.
ولا يسعني في ختام هذه المقالة إلا أن أعزّي نفسي كما أعزّي زوجته الوفية ألهمها الله الصبر والسلوان وأقدم التّعزية أيضا إلى أبنائه الكرام وهم الأستاذ عاصم من منسوبي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض والأستاذ ماهر معلم في مدرسة بلال بن رباح الابتدائية في المجمعة والأستاذ أحمد إداري في مدرسة الإمام الشافعي الابتدائية في المجمعة والأستاذ عبد الرحمن من منسوبي جامعة المجمعة والأستاذ إبراهيم مبتعث في الولايات المتحدة الأمريكية. والأستاذ عثمان من منسوبي جامعة المجمعة والأستاذ وليد من منسوبي إدارة التعليم في المجمعة.
كما أعزّي ابنتيه الكريمتين الاستاذة سعاد (أم عبد الرحمن بن عبد المحسن الخيّال) معلمة في الرياض، ولا أنسى في هذا المقام ما قام به زوجها الأستاذ الفاضل عبد المحسن بن عبد الرحمن الخيّال وفقه الله من جهد يذكر فيشكر فقد هيأ وزوجته الفاضلة جناحا خاصا في منزلهما العامر في الرياض لإقامة العم خلال مراجعاته المتكررة للعلاج وما يترتب على ذلك من فترات نقاهة تستغرق بعض الأحيان أسابيع كان يستقبل رحمه الله في هذا الجناح زواره من أقارب وأصدقاء ليلاً ونهاراً فجزاه الله خير الجزاء ولا يستغرب ذلك من أبي عبد الرحمن والاستاذة ريما أم يزيد بن محمد الربيعه معلمة في الرياض.
كما أعزي إخوانه الأعزاء وهم الأعمام حمد وعبد المحسن وناصر وسليمان وأخواته الكريمات وهن العمات الفاضلات شيخة وموضي وحصة والعزاء موصول أيضاً إلى كل أصدقائه وأحبابه وهم كثر ولله الحمد وأخص منهم صديقه الوفي الأستاذ خالد بن حسن العولة، فقد كان له منزلة خاصة عند العم رحمه الله كما أنه لم يكف عن السؤال عنه وزيارته باستمرار طيلة فترة مرضه وكان حاضراً باستمرار كل أيام العزاء ليلا ونهارا ولا يستغرب ذلك من أبي حسن، كما أعزّي كل جيرانه الذين تأثروا كثيراً لفقده وأخص منهم جاره أبا زياد عبد الله بن إبراهيم الحقيل فقد كان يعز ويغلي العم وبينهما ألفة وصحبة، وكان العم -رحمه الله- كثير الاهتمام به كما لا أنسى تعزية الناس البسطاء من العمّال الّذين كان يعطف عليهم ويساعدهم حتى ان احدهم عبّر عن عظيم تأثره بأنه سيعتمر عنه - واختتم بأبيات للأديب والمربي الفاضل ابن العمة الأستاذ عبد المحسن بن إبراهيم اللعبون قالها في رثاء العم أبي عاصم:
وداعاً أيها الدّار
ودمع العين مدرار
فلا خال يزيّنها
إذا أحبابه زاروا
ولا حيّ ينادينا
ولا صوت ولا نار
وداعاً ليس يكفيه
مواويل وأشعار
له في كل سابقة
من الآثار تذكار
فهل يا خال تسمعني
فإن الصوت محتار
رحلت ولم تكن كملت
أحاديث وأسمار
فمن للقول يسمعه
ومن للقول يختار
كريم باذل كالبحر
مضياف ونحّار
عزيز شامخ كالطود
نفّاع وضرّار
تقول سعاد من كمدٍ
وما في القول أسرار
ألا يأتينا من قد كان
يأتينا إذا زاروا
فقلت نزوركم والقلب
مشغول بمن ساروا
رحم الله فقيدنا الغالي العم أبا عاصم وجعله من الفائزين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
- ابن أخيك/ عبد الله بن إبراهيم بن أحمد الرميح