وزير الاقتصاد: مواصلة تنفيذ مجموعة كبيرة من الإصلاحات الهيكلية ">
متابعة - محمد السلامة:
أوضح وزير الاقتصاد والتخطيط المهندس عادل فقيه، أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - رسم ملامح الرؤية المستقبلية للعام المالي القادم، بحيث تشمل الموازنة حجماً كبيراً من النفقات التي تحرص الدولة على مواصلتها في المشروعات الخاصة التي تتعاقد عليها، مشيراً إلى أنه استحدث هذا العام مخصصاً عاماً في دعم ميزانية الدولة، ليعطيها مرونة أكبر في التعامل مع التقلبات الحادّة في الأسعار، ويعزز لديها القدرة على توجيه هذا الإنفاق بشكل مرن في المشروعات.
جاء ذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في مقر المسرح الرئيس لهيئة الإذاعة والتلفزيون في الرياض، للحديث عن الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1437 - 1438هـ، بحضور رؤساء تحرير الصحف المحلية، ومراسلي وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة من داخل المملكة وخارجها. وقال فقيه: انخفضت الإيرادات البترولية في هذه الميزانية بنسبة 23 في المئة عما كانت عليه العام الماضي، ولكن الإيرادات غير البترولية ارتفعت بمعدل 30 في المئة، مشيراً إلى أن هذا العام شهد انخفاضاً وتقلباتٍ حادة في أسعار النفط، واتخذ مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إجراءاتٍ تهدف إلى التحكم قدر الإمكان في كفاءة الإنفاق والارتفاع في المصروفات عمّا كان واردا في الميزانية التقديرية، البالغ حوالي 15 في المئة فقط.
وأشار وزير الاقتصاد والتخطيط، إلى أن الميزانية في العام المقبل ستواصل تنفيذ مجموعة كبيرة من الإصلاحات الإدارية والهيكلية في الاقتصاد والإصلاحات المالية، وسيتم التركيز على مشروعات البنى التحتية في قطاعات مختلفة في الجامعات والمطارات والموانئ والطرق وغيرها، بشكل يحقق عوائد وجودة عالية تعود بالنفع على المجتمع. وأبان أن الدولة عمدت إلى زيادة الإيرادات غير البترولية، حيث أقر مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة سمو ولي ولي العهد رؤية تفصيلية حول هذا الهدف في المدى القصير، حيث شهد هذا العام تحسناً في مستوى الإيرادات غير البترولية، وتحسين متابعة عوامل الاستثمار والضرائب المستحقة على الشركات الأجنبية وكذلك توسيع الاستثمار في قطاع التعدين والسياحة بما يسهم في تحقيق إيرادات أكبر.
وفيما يتعلق بالضرائب وبالنسبة الحقيقية لضريبة القيمة المضافة، أوضح معاليه أن المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي أقر ضريبة القيمة المضافة على مستوى دول المجلس، وسيستغرق تطبيق ضريبة القيمة المضافة بعض الوقت نظراً للحاجة إلى التخطيط لاستكمال جاهزية إمكانية تطبيقها، وأقر المجلس كذلك زيادة الرسوم على منتجات التبغ والمنتجات الضارة الأخرى. وأفاد بأن نسبة مراجعة الرسوم والغرامات وإمكانية استحداث رسوم أخرى موضوع يدرس بحرص على الموازنة فيما بين الحاجة إلى تطبيق بعض هذه الرسوم أو مراجعتها لتحسين الإيرادات غير الرسمية من جهة وفي نفس الوقت على أن يَتمَّ ذلك بشكل تدريجي لا يؤثر على نمو القطاع الخاص ولا يؤثر على مستويات التضخم بشكل غير مقبول. وعن السندات الحكومية، قال فقيه: العام الماضي أصدرت الحكومة سندات تنمية حكومية، والعام القادم يتوقع أن يَتمَّ إصدار سندات تنمية حكومية أخرى، ونتوقع أن يَتمَّ كذلك إصدارها للاستثمار فيها من قبل مؤسسات مالية أجنبية ووطنية.
من جانبه، شدد وزير المياه والكهرباء المهندس عبد الله بن عبد الرحمن الحصين أن الدولة لا تهدف من تعديل الأسعار لزيادة مواردها، بل تهدف لترشيد الاستهلاك وإيقاف الهدر، حيث إن معدل الاستهلاك المحلي لموارد الطاقة وصل إلى معدلات مرتفعة لا يمكن الاستمرار عليها خلال السنوات القادمة، مؤكِّداً أن 87 في المئة من فواتير المشتركين في خدمات الكهرباء التي صدرت هذا العام لن تتأثر بالتغيير الجديد في التعرفة، و52 في المئة من مشتركي خدمات المياه لن يدفعوا أكثر من ريال واحد. وقدم وزير المياه والكهرباء عرضا تناول فيه جهود الوزارة في ترشيد استهلاك الفرد للمياه والكهرباء في المملكة والتعرفة الجديدة التي أقرت حالياً، مبيناً أنه لم يتم إجراء أي تعديل على تعرفة الاستهلاك السكني لخدمة المياه والكهرباء في المملكة لمدة تزيد على 15 عاماً بالرغم من زيادة التكاليف الرأسمالية والتشغيلية. وطمأن بأن معظم المستفيدين من خدمات المياه والكهرباء في المملكة لن يتأثروا بارتفاع التعرفة الجديدة التي تعد الأقل على مستوى العالم، موضحاً أنه روعي في التعرفة عدم التأثير على مستويات الاستهلاك الرشيد الذي يقدر متوسطه بـ 2600 ك.و.س / منزل، كما حدّدت فيها حاجة الإِنسان الأساسية للمياه حسب معايير منظمة الصحة العالمية (WHO ). وأشار إلى أن 52 في المئة من المشتركين في خدمات المياه لن يدفعوا أكثر من ريال واحد في اليوم، مفيدا بأن التعرفة الجديدة لقطاعي الماء والكهرباء أدت إلى إسراف شديد في استهلاك الفرد مما جعل المملكة تتبوأ الترتيب الثالث عالمياً بعد أمريكا وكندا في معدل استهلاك الفرد للمياه كل يوم على الرغم من ندرة مصادر المياه في المملكة والصعوبة البالغة في تحلية المياه ثم نقلها لمستفيديها.
وقال: إن منظمة الصحة العالمية قدّرت حجم استهلاك الفرد بحجم الاستهلاك المريح والصحي للمياه بنحو 83 لترا في اليوم، ومع ذلك فإنَّ ما يستهلكه الفرد في المملكة يعادل ثلاثة أضعاف هذا الرقم أي بنحو 250 لترا في اليوم للفرد. واستعرض الحصين استهلاك الكهرباء في المملكة وقال : إن المملكة من أعلى الدول استهلاكا للكهرباء لذلك جاءت هذه التعرفة التي تعدلت القطاعات السكني والصناعي والتجاري بهدف تصحيح توجه الاستهلاك لدى المواطن والمستفيد من خدمات الكهرباء وترشيده ليكون أكثر واقعية، مشيراً إلى أن استهلاك المواطن للكهرباء يبلغ 8000 كيلو وات في الساعة وهو من أعلى المعدلات على مستوى العالم. وأضاف أن تعرفة الماء موحدة للقطاع السكني والتجاري والصناعي، مبينا أن من التعديلات الجديدة سيكون هناك رسم للعداد مقابل 5 ريالات في الشهر ليتم استبدال العداد كل 7 سنوات بهدف ضمان تقديمه قراءة دقيقة للاستهلاك.
كما أوضح الحصين أن حملة ترشيد الاستهلاك في المياه التي أطلقتها وزارة المياه والكهرباء قبل نحو عشر سنوات لم تحقق أهدافها المنشودة بالكامل على الرغم من أن الوزارة وزّعت أدوات الترشيد على أكثر من ثلاثة ملايين مسكن بسبب التسعير لأنّها كانت منخفضة لدرجة أن لا أحد يكترث، في حين أن الحملة حققت نجاحات ملموسة في القطاعات التجارية مثل : الفنادق والشقق السكنية.
من جهته، قال المهندس خالد الفالح رئيس مجلس إدارة أرامكو السعودية : إن الميزانية الجديدة جاءت بالتزامن مع انخفاض أسعار البترول العالمية، وفي ظل ظروف خاصة تمر بها المنطقة، وأتت بعد نهاية مرحلة استثمار كبرى في مشروعات البنى التحتية بالمملكة بغية الانتقال من اقتصاد ذي مورد واحد إلى اقتصاد متنوع الموارد. وأضاف أن الميزانية فيها توازن شامل، ومستوى الإنفاق فيها يقارب ما رصد لميزانية 2015 على الرغم من انخفاض أسعار النفط هذا العام، والهدف من ذلك هو الثقة بقدرة الحكومة على تمويل هذا المستوى من الإنفاق والاستمرار في البرامج التنموية للدولة، مبينا أن الميزانية من ناحية الموارد غير النفطية تعد الأعلى في تاريخ المملكة.
وأكَّد الفالح، أن صدور قرار تعديل لائحة أسعار بيع المنتجات البترولية للسوق المحلية سيكون له أثر إيجابي في التنمية الوطنية على المدى الطويل، إِذْ إنه سيسهم في تحقيق كفاءة أعلى في استهلاك الطاقة ويحد من معدلات النمو الضخمة التي يشهدها الطلب المحلي، وما يتبع ذلك من إنفاق رأسمالي ضخم لمواكبة الطلب، وهو إنفاق بالإمكان تجنبه، حين رفع كفاءة الاستهلاك، وتوجيهه لأولويات تنموية أخرى. وأضاف أنه على الرغم من أن الأسعار المحلية للمنتجات البترولية بعد قرار التعديل ستقترب نسبياً من أسعار السوق العالمية؛ إلا أنها تبقى الأقل عالمياً، معتبراً أن القرار خطوة استراتيجية للحد من استنزاف وهدر الثروة البترولية، ويساعد على استدامة الاقتصاد الوطني وحماية الثروة البترولية للأجيال القادمة، إضافة إلى دعم جهود المحافظة على البيئة.
وقال الفالح: «إن صدور هذا القرار سيعمل على المزيد من ضبط الاستهلاك وفق المعدلات المجدية اقتصادياً للوطن والمواطن، وسيسهم دون شك في ترسيخ سلوكيات فردية ومجتمعية رشيدة تتسم بتقليص الهدر بما يعزز من موثوقية الإمدادات على المدى الطويل.» ومن المعلوم أن معدل استهلاك الفرد في المملكة من الطاقة يبلغ أربعة أضعاف معدلات استهلاك الفرد في العديد من الدول المتقدمة مثل دول مجموعة العشرين، وكذلك دول منظمة أوبك. وتابع : لأول مره منذ عشر سنوات سيكون هناك تعديل في أسعار الطاقة بالمملكة تشمل : النقل (البنزين والديزل) والقطاع الصناعي الذي يستهلك الغاز (الإيثان والكيروسين) لأن الخيارات أمام الحكومة تتراوح بين إبقائها كما هي أو زيادتها دفعة واحدة لمستويات مماثلة للأسعار العالمية، وذلك سيقدمنا خطوة للأمام وهي خطوة جيدة لمقاربة المملكة للأسعار العالمية، مؤكِّداً أن أسعار الوقود في المملكة رغم ارتفاعها تظل الأقل إقليمياً وعالمياً. كما بين أن سعر البنزين ( 91 ) الذي تحتاجه 95 في المئة من السيارات سيرتفع سعره من 45 هللة للتر الواحد إلى 75 هللة، بينما سيرتفع سعر البنزين ( 95 ) من 60 إلى 90 هللة للتر الواحد، مشيراً إلى أن هذه الأسعار موحدة لجميع المستخدمين في جميع مناطق توزيع الوقود بمختلف مناطق المملكة. وفيما يتعلق بأسعار الغاز، قال الفالح: سيتم رفع أسعار الغاز في القطاع الصناعي من 75 سنتاً أمريكياً لكل مليون وحدة حرارية إلى 1.25 سنت، والإيثان الذي يستخدم في الصناعات البتروكيماوية سيرتفع سعره من 75 سنتا أمريكياً إلى 1.75 سنت لكل مليون وحدة حرارية، موضحاً أن الغاز المستخدم في المنازل لم يصدر فيه أي تعديل. وأكَّد رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية أن أسعار اللقيم في السعودية تظل الأقل عالميا حتى بعد التعديلات الجديدة لأسعارها، مشيرا إلى أنه لا يتوقع تأثيرا كبيراً على جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع البتروكيماويات بعد تلك التعديلات، وأن القطاع في المملكة سيبقى بين الأكثر تنافسية في العالم، كما أوضح أن القطاع الصناعي سيتعامل مع الأسعار الجديدة للوقود بدون أية مشاكل.
وبين الفالح أن الاستثمارات القديمة تم استقطابها باتفاقيات التخصيص تضمن عدم تأثر أسعار اللقيم التي عرضت عليها في تلك الفترة ، موضحاً أن تلك المشروعات حصلت على قروض طويلة الأجل ووفق معطيات من بينها أسعار اللقيم. كما أشار إلى أن مشروعات صدارة ووعد الشمال وساتورك وغيرها لن تتأثر، موضحاً أن السعودية تركز حالياً على الصناعات التحويلية والاستثمار فيها متوقعا في المستقبل المزيد من الايثان للتخصيص وسكون الإنتاج في مستوى أفقي. ونوّه بأن المشروعات التي بدأ تشغيلها قبل أكثر من سبع سنوات ستعمل بالأسعار القديمة للوقود، فيما ستطبق التسعيرة الجديدة على المشروعات التي بدأ تشغيلها لفترة أقل من سبع سنوات، مبيناً أن التطبيق الفعلي للتسعيرة الجديدة للوقود بدأ من يوم غد الثلاثاء، فيما ستطبق التسعيرة الجديدة للكهرباء والمياه مطلع شهر يناير القادم. وأضاف أن استهلاك المملكة في الطاقة غير مستدام ولا يمكن أن تستمر المملكة بهذه المعدلات المتزايدة في استهلاكها، فالارتفاع في معدل استهلاك الطاقة يقدر بـ 7 إلى 8 في المئة عام بعد عام، مفيدا بأنه في عام 1990 بلغ استهلاك المملكة من الطاقة ما يعادل (مليون برميل مكافئ من النفط والغاز) وبلغ هذا العام 2015 ( 4.8 مليون برميل مكافئ)، في حين أن مجموع إنتاج المملكة من النفط والغاز المكافئ أقل من 13 مليون منها 5 ملايين برميل موجه للاستهلاك المحلي الصناعي والمنافع والمباني والنقل، ولو افترضنا أن هذا المعدل سيستمر لـ 25 سنة أخرى لكنا سنستهلك في 2040 ما يعادل 20 مليون برميل مكافئ، أي أن استهلاك المملكة سيكون ضعف معدل إنتاجها الحالي، لذا جاء التوجه بحذر لرفع أسعار الوقود والطاقة للترشيد والمحافظة على هذا المورد للجيل الحالي وأجيال المستقبل. وفيما إذا كانت الميزانية العامة للدولة تستند الى أسعار النفط، أكد الفالح أن ميزانية الدولة لا تستند على أسعار النفط، مشيراً إلى أن المملكة ستستمر في تلبية احتياجات عملائها في مجال النفط، ولدى المملكة مرونة كبيرة في تمويل عجزها في مجال إنتاج النفط، وبأن المملكة تعمل حالياً على توجيه الصناعات البتروكيماوية الأساسية إلى صناعات تحويلية ذات قيمة مضافة. لافتا إلى أن البيئة الاستثمارية في المملكة ليس لها مثيل في الصين أو أمريكا أو حتى في دول أوبك، مشيرا إلى أن معدل الضرائب في السعودية منخفض، والمستثمر السعودي يدفع فقط الزكاة وهي ليسنسبة عالية. وعاد الفالح ليؤكد أن قرار الحكومة استراتيجي وحكيم في اختيارها لأن يكون التغيير ليس عن طريق رسوم إضافية بل أسعار تحصلها الشركات التي تقدم السلع سواء أكانت وقود أو لقيم أو كهرباء أو ماء، حيث إن عملية التحصيل لن تكون عن طريق وزارة المالية بل سيتم عن طريق شركات الكهرباء والمياه وأرامكو في الغالب، وبالتالي ستكون الفائدة في خلق شركات عملاقة لإنتاج الكهرباء والمياه تغطي مواردها تكلفتها مع تحقيق ربح معقول وبهذا لن تحتاج إلى دعم الدولة.