سعد بن عبدالقادر القويعي
من أبرز الظواهر التي تقلق العديد من المجتمعات، وتهدد كيانها، مسألة الانحراف الفكري بمنهجه غير المتوازن، والذي يعتبر مسرحاً لتشكيل ظاهرة الإرهاب، ونموها بشكل ملفت، والقائم على قلب المفاهيم، وتشويه الحقائق، وتقديم أدلة مناقضة للواقع، وتجاوز الحدود في الإنكار على المختلف معه، ومجانبة التدرج المنطقي في الأمور؛ حتى وصلوا إلى السقوط في هاوية تكفير الآخرين، واستباحة دمائهم، وأموالهم، وصرف اهتمام المسلمين عن أمور الحياة الهامة.
وليس الماضي منا ببعيد، فالانحراف الفكري في المفاهيم الشرعية، ومتعلقاتها كقضايا الجهاد، والتكفير، والحاكمية، والولاء، والبراء، ودار الإسلام، ودار الحرب، وما يتعلق بذلك من أحكام، وتجاسر الجهلة، والمغرضين على الطعن في العلماء المعتبرين، واتخاذ أنصاف المتعلمين مراجع في فقه الدين، ورؤوساً في الفتوى، جرَّ بأسبابها المسلمين إلى فتن خطيرة، وإلى افتراقهم إلى فئات متناحرة؛ الأمر الذي أدى إلى إضعاف كثير من الدول، والمجتمعات الإسلامية، بل وتهديد أمنها، ووحدتها، وتفتيت نسيجها الاجتماعي، وإعطاء الذريعة للمتربصين للتدخل في شؤونها، وبما ينال من استقلالها، ويستنزف قواها، وثرواتها.
الحقيقة المؤكدة، أن الفكر الديني المتطرف فرع من فروع التطرف الأيديولوجي - بوجه عام -، - بمعنى - أن إيجاد المبرر الديني لأي عمل عنفي، أو إرهابي أمر ليس بالصعب تحقيقه؛ فبمجرد تحفيز جانب التعصب للدين عند المتطرف، سوف ترى أنه ينطلق بلا هوادة نحو العنف المؤدلج، والمستند إلى قاعدة فكرية، ومبادئ، ومفاهيم منحرفة، من أبرزها: اعتماده على الدين المتجزئ ضمن نطاق ضيق من الفهم، وهو ما يطلق عليه إشكالية الفهم الديني، وتحول الأرضية الدينية إلى نمطية أيديولوجية.
بيد أن هناك نقطة جوهرية يجب مراعاتها؛ فرغم ما يبذل من الجهود في التصدي للانحراف الفكري - على كافة المستويات -، إلا أن انتشاره يزداد، ويشهد لذلك قدرة تلك التنظيمات الإرهابية الفائقة في استقطاب شباب أبعد ما يكون عن التطرف، وذلك لاعتبار مهم، وهو أن انحراف الأفكار يزداد معه احتمال التغرير المؤدي إلى سلوك اتجاهات عدائية نحو الآخر؛ للتأثير على الأفراد، أو الجماعات، أو الحكومات، - وبالتالي - خلق مناخ من الاضطراب العام، وعدم استقرار الأمن بغية تحقيق هدف معين.
إن الإرادة، والعزم في محاربة الإرهاب، تقتضي عدم البقاء على الحياد، وأن نبدأ - أولا - من الإرادة الوطنية التي يتوجب توسيعها؛ لتصبح عزيمة جماعية عالمية؛ ففهم ظاهرة الإرهاب، والتي تهدد - الأمن والسلم - العالميين، يحتاج إلى توضيح الأطر الفكرية، والتاريخية، - وكذلك - التبريرات التي تقدمها الجماعات الإرهابية في أدبياتها؛ لفضح البنية الأيدلوجية لهذه التنظيمات. كما يحتاج إلى كشف الشبهات التي تستند إليها تلك التنظيمات في جرائمها، وتوضيح العديد من المفاهيم الإسلامية، التي أسيء فهمها، وتطبيقها من قبل تلك الجماعات المنحرفة، عبر استقراء موضوعي للتعاليم الإسلامية الصحيحة، وهو ما أوضحه رئيس حملة السكينة لتعزيز الوسطية - الشيخ - عبدالمنعم المشوح - قبل أيام -، بأن: «البناء الصحيح لأية مواجهة فكرية، يتطلب تصوراً صحيحاً لواقع المستهدف».