الجزيرة - عبد العزيز بن سعود المتعب:
قبل أيام قليلة ماضية رحل عن هذه الدنيا الفانية الشاعر بدر الحويفي - رحمه الله - أحد أكبر الشعراء في المملكة العربية السعودية، ليس في الشعر الجزل فحسب، بل بالأخلاق الفاضلة والسلوك الإسلامي القويم والحكمة وعزة النفس، والحمد لله على قضاء الله وقدره وإرادته، القائل في محكم تنزيله: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (61) سورة النحل. وتأبين قامة باسقة في الشعر مثل الحويفي - رحمه الله - هو وفاء لتاريخه المشرف في الشعر بدءاً بقصائده الوطنية والاجتماعية وغيرها في مناحي الشعر وأغراضه، وهو واجب تجاه رموز الشعر ورجاله الذين قدموا إلى هذه الدنيا ورحلوا عنها بعد أن أضافوا للشعر الكثير والكثير، وهنا نماذج من شعره - رحمه الله - توثق وتُخلِّد في آن واحد ما يجب أن يكون نهجاً مشرفاً في توجّه أجيال الشعر اللاحقة من بعده، الغيورين على الثوابت ومكارم الأخلاق.
يقول - رحمه الله - في ولاة الأمر الكرام، أطال الله أعمارهم وأدام عزهم:
منِّي هديّه لأهل المجد والجود
للأسره اللِّي حاكمه مملكتنا
أنجال ليثٍ خلّف أشبال وفهود
قيادنا اللِّي وجّهوا قافلتنا
اللِّي وفاهم له براهين وشهود
بجهودهم كل الدول صالحتنا
نصّارة المسلم على كل نمرود
أفعالهم بالمجتمع شجّعتنا
حكّام ياصل وصلهم كل مضهود
هم درعنا الضّافي وفيهم ثقتنا
وحنّا لهم ذرعان وأكتاف وعضود
وافين لامن الدواعي دعتنا
معهم لنا وقفات بالهون والكود
شوايب الأفكار ما غيَّرتنا
شبابنا واللِّي بالأحضان ممهود
مع راية التوحيد لاعمدتنا
والرايه الخضراء لها العز موعود
باسم الجلاله صوتنا ولهَجَتنا
إسلام والإسلام له شرع وحدود
وأعدل حكومه بالعدال أحكمتنا
واهل الوطن لقيادته شعب وجنود
وبالدين وأحكام الشريعه صلتنا
وعن الرجولة الحقة في التعامل مع الناس بالكياسة والفطنة والأدب الجم وعدم التسرع في اتخاذ الموقف من الصديق يقول - رحمه الله - عن رقي تعاطيه مع الآخر:
أنا أتقيّد في قوانين وسلوم
وأجامل الصاحب وأخفف ثقيله
وعندي خفايف زلّته تنتهي يوم
ما أنشر دعايتها لمومي شليله
ما عامل الصاحب مثل عملة القوم
القي له النّظره بعينٍ جليله
وفي نظرته الثاقبة وعمق حكمته في تمييز الرجال يقول - رحمه الله -:
بالخريف وشفت لي نوٍ تلوح ابروقه
الله أنه يجعله رحمه وجوّه دافي
نو ينشي من مناشي والرياح تسوقه
نوب ماه يصير عذب ونوب ما هو صافي
ومنها قوله:
والبعير اللِّي يلّفظ جرته بشدوقه
لو غدا كبر أحلبان يعسفه العسّافي
سو ظنه بالأوادم عن نحاه أيعوقه
له تصور كل ساعه حذفت الحذافي
والبعوض يخوض بالماء والظمأ بحلوقه
له على الغافل هجوم ويسرع المحرافي
والشجر تيبس فروعه سوسةٍ بعروقه
والصخيف يقدر العالم عقوله صخافي
ومن دخل مدخال ما يعرف فضاه وضوقه
مثل من يسري مع الظلما ونوره طافي
الغشيم يسابق العالم على المسبوقه
والثبار أيمل راعيها ويمشي حافي
يطرقه طول الطريق اللِّي عسار طروقه
والحمول إثقال وعقول الضعوف ضعافي
وفي السلوك الديني القويم والحث على التوجّه المثالي في الدنيا كما جاء في مصادر التشريع الإسلامي يقول - رحمه الله -:
يا غافل الدنيا شقاء
الله على الدنيا يعين
تمشي بيان ومع تقاء
واللِّي خفاء منها يبين
ان سانحت تمشي نقاء
وان عاكست ونة ونين
واللَّي بها زم ورقاء
لا يامن الدنيا تشين
كم واحدٍ فيها هقاء
هقوه تغر الجاهلين
ما فيها مخلوقٍ بقاء
مديون للحق اليقين
كم فرّقت جمع اصدقاء
كانوا بها متكاتفين
ما اللّه خلق خلق اعتقاء
دور الفناء حرزٍ مكين
دنيا بلا دين محقاء
والعاقبه للمتقين
لابد للخالق لقاء
سبحان رب العالمين
نفنى ولله البقاء
فردٍ صمد ماله وزين.