ممدوح محمد الحوشان
جاء اختيار القيادة السياسية للدكتور أحمد العيسى المعروف (بشخصيته الجريئة وتجاربه المتعددة ومعاركه المعروفة) وزيراً للتعليم ليعطي دلالة واضحة على بدء مرحلة تطويرية (حقيقية) بقطاع التعليم، تحدد بوضوح أبرز مشكلاته، وترسم بعقلانية ملامح مستقبله، وتتابع بقوة تحقيق برامجه على أرض الواقع.
وإذا كان دكتور العيسى قد نجح في تشخيص وتحليل قطاعي التعليم نظرياً بمؤلفيه الرائعين حولهما، وعبر مقالاته ومشاركاته العلمية والإعلامية.
فإنه اليوم يمتلك فرصة ذهبية لتحويل (التنظير الرائع) بعد إخضاعه لمراجعه وتقييم ومحاورة مع أهل الاختصاص في التخطيط والإدارة وعلوم التربية والنفس والمناهج إلى (تطبيق قائم) يؤثر إيجاباً على مدخلات وعمليات ومخرجات النظام التعليمي بأكمله.
كما أن أمام دكتور أحمد العيسى مهمة شاقة أخرى تتمثل في تهيئة البيئة والعناصر والهياكل داخل الوزارة استعداداً لتحمل مشاق التحديث ومفاجآت الطريق، والتصدي بحكمة وحلم ومجادلة بالتي هي أحسن لأطروحات المقاومين للتغيير من داخل الوزارة ومن خارجها، وتجنب الانزلاق والوقوع في فخ تعجّل تحديث بعض التفاصيل التعليمية (المثيرة للجدل)، والتركيز في هذه المرحلة على إقرار السياسة التعليمية واعتماد الخطة الإستراتيجية بعيدة المدى.
إن المشكلات الجوهرية والأساسية التي يعاني منها قطاعا التعليم العام (خصوصاً) واضحة ومعروفة لكل المتخصصين والمهتمين والعاملين في القطاع التعليمي، ويمكن إجمالها في:
- تقادم السياسة التعليمية التي صيغت في التسعينيات الهجرية في ظل ظروف سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية معينة، وباتت اليوم بحاجة إلى مراجعة وتحديث في ضوء متطلبات المرحلة ومستجدات العملية التربوية.
- غياب الخطة الإستراتيجية للوزارة التي تحوّل الرؤى والتطلعات المتعلقة بمؤسسات التعليم والمنصوص عليها في خطط التنمية إلى برامج ومشروعات محددة قابلة للقياس والتقويم.
- ضعف مواكبة أنشطة وفعاليات وممارسات الوزارة للاتجاهات الحديثة في مجالات التربية (+ اعتماد المعايير والمؤشرات في تقييم الأفراد والبرامج+ توفير متطلبات تمهين التعليم رفع مستويات الجودة وتعزيز حركة الاعتماد.. إلخ).
إن هذه المشكلات والأولويات في القطاع التعليمي قد أُشبعت بحثاً ودراسة، وفي كل مشكلة أُعدت عشرات البحوث، وعقدت عشرات الندوات والمؤتمرات ولا يحتاج تطبيقها إلا إلى قائد تربوي يجمع بين التكوين الأكاديمي، والعقلية العلمية، والشخصية القوية، والحس الوطني، والإيمان العميق بدور التربية في تعزيز الهوية المجتمعية للطلاب ومواكبة الاتجاهات المعاصرة. وهي سمات أراها متوافرة من وجهة نظري بدرجة كبيرة في شخصية القائد التعليمي الجديد.
إنني كباحث في مجال الإدارة التربوية أعي جيداً أن قطاع التعليم بجامعاته الـ30 ومدارسه التي فاق عددها الـ35 ألف مدرسة، ومعلميه الذين تجاوزوا الـ600 ألف معلم.. أعي أنه قطاع يعج بمشكلات كبيرة متراكمة ومعقدة تحتاج إلى حلول طويلة الأجل، كم أعي أيضاً أنه قطاع (مترهل) وتحتاج لوائحه وإجراءاته وعملياته إلى «ثورة إصلاح وهندرة متواصلة»، وأعي جيداً أن الإصلاح المدرسي المنشود أكبر من إمكانات (وزير) وفوق قدرات (فرد واحد).
ولكني أعي أيضاً أن (تمكين) القيادة المتكاملة السمات، الملائمة للمرحلة المتناغمة مع متطلبات الموقف يؤدي إلى تحقيق أثر ملموس في حل بعض أكبر المشكلات وأكثرها تعقيداً.
وأصدقكم القول إنني يكفيني من الوزير الجديد أن ينجح في اعتماد سياسة تعليمية حديثة متواكبة مع تطلعات الدولة والمجتمع، وأن ينجح في إقرار خطة إستراتيجية للوزارة تنتظم فيها مشروعاتها وبرامجها للسنوات الخمس المقبلة.. حينها فقط سأكون مطمئناً لمستقبل التعليم في بلادي.
إنني من أشد المتفائلين بمستقبل المنظومة التعليمية تحت إشراف وقيادة الوزير الجديد، ذلك أن مرحلة دمج الوزارتين تتطلب قيادة تتسم بالواقعية والحماسة، وتمتلك رصيداً من الخبرة الحكومية، ولديها صلات مباشرة وقوية مع صناع القرار في الدولة. وحسب المؤشرات الظاهرة فإن دكتور العيسى استوفى هذه السمات وقد يكون بحق، الرجل المناسب في المكان المناسب في (الوقت) المناسب!