د. مساعد بن عبد الله النوح ">
يتوافر لدى أفراد أطياف المجتمع المعاصر فرضية مؤداها أن التعليم يستند على ثوابت ويحتاج إلى متابعة مستجدات المرحلة. وفي ضوء قرائن متفق على صحتها يمكن قبول هذه الفرضية، بل قبولها بشدة. والقرائن كثيرة ويمكن توزيعها إلى مجموعات يقيلها الفكر السليم والمنطق الرصين.
بدايةً أعني بالثوابت في هذه المقالة مجموعة العناصر التي لا تتبدل مع ظروف الزمن والمكان والبشر مثل: الدين وما يشمل من عبادات، وضوابط لممارستها، وأحكام لمعالجة الخلل في أداء الفرد لها، وعناصر أخرى قد تتأثر بتغير الظروف مثل: اللغة، والقيم، والعادات والتقاليد السليمة... الخ. وتعني المستجدات هي كل جديد في تخصصات العلم ومجالات التنمية ومستحدثات العصر التي لا يستغني الإنسان المعاصر عنها.
والمجتمع الحديث يصادف تحديات عدة تجعل من رسمي السياسات العامة وصناع القرار المؤثر في فروع النظام الاجتماعي الكلي في المجتمع كل في مجاله العلمي والعملي التصدي لها والتعامل معها على نحو مناسب. ويتصدر هذه الفروع نظام التعليم؛ كونه المسؤول عن صناعة الإنسان من حالة فاقد للمعارف والمهارات والاتجاهات والقيم إلى مالك لها وموظفها باقتدار.
ويأتي وجود ثقافتين متناقضتين في المجتمع في صدارة سلم التحديات؛ لأنه يصعب التقريب بينهما، ثقافة أساسية للمجتمع أو أصلية، وأخرى وافدة، ولكل منهما تركيب مختلف شكلاً ومضموناً.
فإذا انكب الإنسان على ثقافته واقتصر عليها فهو محسن ومقصر في الوقت نفسه، هو محسن؛ لأنه حافظ على هويته التي تميزه عن غيره من الأفراد، ومقصر؛ لأنه أعطى ظهره ثقافة سيجد فيها ما يصلح لمعاشه ولا تتعارض مع ثوابته، فهو يعيش في وقت تسارع التغييرات وتسابق المستجدات. وإذا احتوى الثقافة الوافدة على حساب ثقافته الأصلية فإنه سيكون ممسوخ الهوية فاقد الشخصية لا يستطيع أن يحافظ على أسياسيات ثقافته الأم. وهذا ما ترفضه نظم التعليم في أي مجتمع إنساني.
والجمع بين الثقافتين ليس بالأمر الهين، لكنه يصبح ممكناً في ضوء طموحات الكفاءات البشرية المؤهلة والمتخصصة وعزائمهم القوية وإراداتهم الصلبة.
ويؤكد هذا الرأي والفرضية السابقة وجود قرائن عدة تحث على النمو الفكري والمعرفي والمسلكي، منها: القرائن النقلية ومصادرها الرئيسة هي الكتاب والسنة وتراث السلف الصالح. قال تعالى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122].
وقرائن عقلية تثبت أن الإنسان كائن اجتماعي ومتغير يقبل التشكيل المرغوب فيه، إذ إنه كائن اجتماعي لا يستطيع العيش منعزلاً عن الآخرين حتى وإن كان التواصل معهم يكون عن بُعد، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» [رواه مسلم].
إنها مراحل تطوير حملت بصمات من تبناها ونسبت إليه وفاء لما قدّم، وتحفيزاً لمن جاءوا أخيراً للعمل وبكل همة ونشاط، وألا يلتفتوا للمثبطين الذين لا همّ لهم إلا نشر ثقافة مقاومة التغيير المحمود إما جهلاً أو لأهداف غير مرضية.
وإن الإنسان كائن متغير يعني أنه يقبل التطور من حالة إلى حالة أخرى في فكره وقيمه وسلوكه، والأولى أن يكون التغير وفق ثوابته وهذا الإنسان يستحق أن يكون أفضل من نظرائه. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خيركم من تعلّم القرآن وعلمه» [رواه البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة» [رواه مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يفقه في الدين» [رواه البخاري].
ونظام التعليم السعودي هو نظام اجتماعي ومتغير وفق الظروف المحيطة، سواء أكانت داخلية أم خارجية، شهد مراحل تطوير مثل بقية نظم التعليم في طول العالم وعرضه، لا ينكرها إلا أعمى البصر والبصيرة وذلك منذ تأسيس مديرية المعارف وحتى الوقت الراهن، لكن طموحات الإنسان السعودي وتطلعاته وميوله تجعله يطالب بالمزيد الممكن أي الذي يقبل التحقق؛ ليكون مثل نظرائه في باقي المجتمعات النامية بل وربما في المجتمعات المتقدمة. وهذا ليس عيباً فيه ولا صعب المنال.
وما نتمناه من الإدارة الجديدة لنظام التعليم في بلادنا أن تشكل لجنة ترتبط بها شخصياً مهمتها رصد ما قدمته البحوث والدراسات والرسائل العلمية من توصيات من شأنها أن ترتقي بنظام التعليم بما يتناسب مع موقع بلادنا سياسياً ودينياً واقتصادياً.
وأن يولي المعلم/ة جلّ اهتمامه؛ فهو حجر الزاوية في العملية التعليمية، فمهما بذلت الإدارات السابقة من جهود فالمعلم يستحق المزيد والمزيد، فهو السبب -بعد الله- في قيام المدرسة بواجباتها المختلفة على نحو مثالي. وقد تكون ممن سيسنّ سنّة حسنة في صالحه.
وفّق الله معالي الوزير السابق الدكتور عزام بن محمد الدخيل على ما قدّم، وأعان معالي الوزير الجديد الدكتور أحمد العيسى على تحمل مهامه الجسام... آمين.
Malnooh@ksu.edu.sa