لكل مهنة مسارها الوظيفي الذي يشجِّع الموظف على الاستمرار فيها إذا رأى أن مساره الوظيفي في تطور وارتقاء. والعكس صحيح. فمثلاً: الموارد البشرية تعتبر من المسارات الوظيفية الرائدة حالياً، التي تلاقي رواجاً ورغبة من العديد من طالبي الوظائف الإدارية؛ إذ تطور هذا المسار الوظيفي من مجرد كونه «إدارة شؤون الموظفين»، التي تعنى بما يسمى حالياً «عمليات الموارد البشرية»، إلى إدارة الموارد البشرية بما تعنيه من استقطاب الكفاءات وعمليات الموارد البشرية والمزايا والتعويضات والاستبقاء والتدريب، وغيرها من الأقسام، التي زادت بدورها من المسميات الوظيفية في هذا المسار؛ وبالتالي التطور في المسار الوظيفي.
في مسار وظائف الحراسات الأمنية يختلف الأمر اختلافاً كلياً؛ فهذا المسار ما زال يعاني العديد من الصعوبات والعوائق أمام تطويره؛ وبالتالي عزوف العديد من طالبي الوظائف عن هذا المسار. ومع أن الإحصائيات الصادرة تفيد بأن هناك أكثر من 200 ألف موظف في مجال الحراسات الأمنية، وأن العدد سيتضاعف خلال السنوات الخمس القادمة إلى 450 ألف موظف، إلاّ أن هذا القطاع ما زال في أسفل قائمة تفضيل طالبي الوظائف، وحتى لو اضطر الأمر فإن وظيفة رجل أمن تعتبر وظيفة مرحلية حتى الحصول على وظيفة أخرى في مجال آخر.
هذا المقال يسلّط الضوء على العديد من العوائق أمام تطوير مجال الحراسات الأمنية، وجعله مساراً جاذباً، كما يقدم المقترحات والحلول لهذه العوائق.
تُعتبر الإجراءات التنظيمية لأي مسار وظيفي من أهم مقومات تطويره. في عام 1971م صدرت دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، تفيد بأن الحراسات الأمنية الخاصة كانت تزدهر بشكل سريع، ولكن كان ينقصها التشريعات وقوانين تنظِّم وتحكم هذا المجال. وكان ما نسبته 50 % من العاملين في هذا المجال من كبار السن والمتقاعدين ومحدودي الدخل، وجميعهم من فئة تعليمية محدودة.
ومع تطوُّر هذا المجال عبر السنين فقد تم إنشاء عدد من المنظمات والمؤسسات التي تشرع وتنظّم مجال الحراسات الأمنية الخاصة، حتى أصبح هذا المجال جذاباً ومغرياً للعديد من رجال الأعمال وطالبي الوظائف، ورافداً مهماً من ورافد الأمن داخل وخارج الولايات المتحدة، حتى أصبح هناك شركات أمنية عابرة للقارات، مثل شركة G4S، وكذلك Triple Canopy، اللتان تعتبران من أكبر 30 شركة حراسات أمنية عالمية. وهذا ما يحتاج إليه مجال الحراسات الأمنية في المملكة من حيث إنشاء جمعيات ومؤسسات تنظيمية، أو من خلال المشاركة في مؤسسات دولية مختصة بمجال الأمن، من خلال افتتاح فروع لها في المملكة.
إن إنشاء (هيئة الحراسات الأمنية) في الغرف التجارية بالمملكة يُعتبر خطوة إيجابية ومهمة، ولكنها تفتقر إلى مشاركة العديد من ممارسي الإدارة الأمنية في القطاع الخاص الحاصلين على شهادات اعتماد من منظمات دولية متخصصة بمجال الأمن الخاص. ولا يُكتفى بتعيين أعضاء لهم سابق خبرة أمنية حكومية. فالعمل في المجال الأمني في قطاعات حكومية يعتبر عملاً في مجال فرض النظام بالقانون، ويتميز بصلاحية الاعتقال للخارجين على النظام، وعمل التحقيقات الأمنية، ورفع القضايا والمعتقلين إلى جهات القضاء، بينما رجل الحراسات المدنية الخاصة غير مخول، ولا يملك العديد من الصلاحيات التي يملكها رجل الأمن الحكومي؛ لذا فإن تعيين أعضاء لهم سابق خبرة في مجال الإدارة الأمنية الخاصة والحاصلين على اعتمادات دولية سيُسهم بشكل كبير في تطوير هذه الهيئة والتنظيمات والتوصيات الصادرة عنها.
أما العائق الثاني الذي يحول دون تطوير هذا المسار فهو عدم تمتع العاملين في مجال الحراسات الأمنية المدنية الخاصة بالعديد من المزايا المادية التي يتمتع بها غيرهم في مجالات أخرى؛ ما يعني معه ضياع العديد من الحقوق الخاصة برجل الأمن، الذي يؤدي بدوره عزوفاً عن هذه المهنة التي لا يرى فيها أماناً وظيفياً له ولعائلته. إن عدم الحصول على المزايا المالية وغيرها من المزايا قد يخلق نظرة تشاؤمية للعاملين في هذا القطاع، الذي بدوره يؤدي إلى انخفاض مستوى الأداء والإحساس بعدم الاستقرار الوظيفي، الذي بدوره يؤثر على استقرار المؤسسة وازدياد ظاهرة الاستقالات. فيما يأتي ضعف سلم الرواتب في مجال الحراسات الأمنية من أهم الأسباب التي تعيق تطوير هذا القطاع، الذي بدوره يخلق عزوفاً عن هذه المهنة التي لا يرى فيها أماناً وظيفياً له ولعائلته.
وتأتي المواد التدريبية والكتب والمجلات المتخصصة ضمن أساليب تطوير المجال، وهذا ما يفتقر إليه مجال الحراسات الأمنية المدنية الخاصة؛ فلا يوجد أي مجلة باللغة العربية متخصصة سوى القليل من المقالات والتحقيقات الصحفية التي تنادي بتطوير مجال الحراسات الأمنية، والقليل من الكتب المتخصصة باللغة العربية.
كما أن طول فترة العمل في مجال الحراسات الأمنية المدنية الخاصة، التي قد تصل إلى (12) ساعة في بعض الأحيان، يعتبر أحد العوائق أمام تطوير هذا المجال؛ إذ إن شركات الحراسة الخاصة تسعى لتحقيق هدف الربح بأقل التكاليف حتى ولو كان على حساب راحة رجل الأمن وبُعده عن بيته وأهله، متجاهلة أن هذا الإجراء قد يؤثر سلباً على الموظف، الذي بدوره يسبب ضعف الأداء والانتماء الوظيفي. ويمكن إيجاد العديد من الحلول لهذه المشكلة من خلال توظيف أفراد أمن إضافيين لتغطية المناوبات على مدار الساعة، بمعدل (8) ساعات لكل مناوبة، أو من خلال زيادة رواتب العاملين لمدة (12) ساعة عن غيرهم بشرط أن يتخلل هذه المدة فترات راحة، تنطبق مع نظام العمل والعمال الصادر من وزارة العمل، والأخذ في الاعتبار أن استمرار الموظف بالمنشأة يوفر عليها الكثير من المصاريف المالية مقارنة بتعيين موظفين جدد.
أما العائق الأخير لتطوير مجال الحراسات الأمنية فهو نظرة المجتمع الدونية لرجال الأمن في الحراسات الأمنية المدنية الخاصة. وهذه النظرة لها أسباب عدة، منها ما يعود للموظف نفسه، مثل عدم الاهتمام بالزي والمظهر، أو الإهمال في أداء عمله كما هو مطلوب، ومخالفة ما يتوجب عليه أن يكون مثالاً في تأديته، مثل ترك مكان العمل، أو النوم والتدخين في مقر العمل. ومنها ما يعود للوظيفة نفسها من تدني مستوى الرواتب، وعدم وجود مسار وظيفي يرتقي بمستوى الموظف، ويجعله فخوراً بمستواه الوظيفي. وهذا العائق سوف يزول مع مرور الوقت وتطور المجال المهني لهذه الوظيفة، وتطوير المسار الوظيفي لها.
- إبراهيم بن عبدالعزيز العيسى