(إضاءات قرآنية) ">
الإضاءة الأولى: قال تعالى {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} هنا إعجاز خفي حيث بين الله سبحانه وتعالى أن من يرى أصحاب الكهف يظن أنهم أيقاظا وذلك في هيئتهم وتزينهم واهتمامهم بأنفسهم ولكنهم في الحقيقة نائمون. وهو درس يستفاد منه أن القرآن أثنى على أصحاب الكهف في عنايتهم بأنفسهم وهيئتهم، وبذلك فعلى المسلم أن يعتني بنفسه ومظهره إذا كان في بيته وفي فراشه وفي شأنه كله. فإذا أثنى عليهم الله جل جلاله وهم نائمون فمن باب أولى أن يراعي المرء نفسه وهيئته في يقظته.فإذا كان أصحاب الكهف بهذا الحسن والجمال وهم مع أصحابهم، فإنه من باب أولى إذا كان المرء مع أهله أن يكون أفضل وأجمل قال الرسول الكريم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
الإضاءة الثانية: قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} هناك ثلاث قراءات عند القراء لكلمة «عليهم», الأولى بكسر الهاء والميم لأبي عمرو البصري، والثانية بضم الهاء والميم ليعقوب، والثالثة بكسر الهاء وضم الميم لحفص. نستنبط من قراءة الكسر أن هذه الآيات جاءتهم من أسفل منهم، فكأن الطوفان يأتيهم من تحتهم، والضفادع تخرج عليهم من تحت الأشجار وفي وسط بيوتهم. ونفهم من قراءة الضم أن الله جل جلاله أنزل عليهم الآيات من فوقهم فكانت عليهم كالغطاء. وهنا نعلم قدرة الله جل جلاله على إنزال أنواع العذاب سواء كان العذاب من أعلى أو من أسفل.
الإضاءة الثالثة: قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} وقال في موضع آخر {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ}. هنا نحتاج إلى تدبر عميق وربط دقيق بين هاتين الآيتين. فحينما أوحى الله سبحانه وتعالى إلى أم موسى أن أرضعي موسى في المقام الأول قبل أن تلقيه في اليم، بيّن في الآية الأخرى أن جميع المراضع قد حرمت عليه، وأنه يرفض أي ثدي يعرض له. فالسر في ذلك هو أن الرضعة الأولى لسيدنا موسى من ثدي أمه كانت بمثابة مفتاح «شفرة» للثدي من ناحية الطعم ونوع الحليب الذي هو في صدر أمه، وهي التي جعلته يرفض جميع النساء لعلمه ومعرفته بحليب أمه من الرضعة الأولى تلك. وقد ولد السيد العظيم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وولد معه ذكاؤه الفطري، وليس هذا مقام لبسط الحديث عن سيدنا موسى وربما سيأتي ذكره لاحقا إن شاء الله تعالى. هنا نعلم أيضا أن حليب الثدي الذي هو في صدور النساء يختلف من امرأة إلى أخرى فهو بمثابة البصمة الوراثية للعين والأصابع وغير ذلك. وهذه الشواهد وغيرها تقودنا إلى نظرية مفادها أن جميع المخلوقات بجيناتها وتركيبتها ذات شفرة مستقلة بذاتها لا يشابه أحدا منه أحدا لا في أذن ولا في عين ولا في شفتين ولا في غيرها من مكونات الخلق.
الشيخ إبراهيم الأخضر بن علي القيم - شيخ القراء بالمسجد النبوي