شقاء ">
«شقاء» لها من اسمها نصيب؛ لا تعرف لها أبًا أو أمًّا. عندما وعت الحياة وجدت نفسها في الشارع، تعيش مع الكلاب الضالة، تبحث في النفايات والمكبات؛ لتحصل على ما يشبه قوت يومها، تساعدها الكلاب في البحث عن الطعام. لا تستطيع أن تقترب من أولاد الشوارع؛ لأنها صغيرة، ولا تقوى على الصراع معهم؛ فالقوي منهم يحصل على رزق غيره ورزقه.
وفي أحد الأيام، وبينما كانت جالسة على الرصيف، توقفت فجأة سيارة، ونزلت منها فتاة، وأعطتها صندوقاً. فتحته؛ فوجدت فيه طعاماً. عرضت على صديقها الكلب، لكنه عفّ عن هذا الأكل، فيما قامت هي بالتهام كل ما كان داخل الصندوق..
لم تعد تذهب مع الكلب للبحث عن الطعام؛ فالطعام أصبح يأتي لها يومياً، وما زال صديقها الكلب لا يقبل تناوله. شيئاً فشيئاً كانت تقترب الفتاة من «شقاء»؛ لتربت على كتفها مرة، ولتطبع قُبلة في يوم آخر على خدها، ولتحتضنها في يوم آخر.
«شقاء» سعيدة، لكن كلبها على حاله. كلما رأى تلك الفتاة قفز في الهواء، وأصدر أصواتاً قوية مطالباً إياها بالانصراف.
وفي أحد الأيام نزلت الفتاة من السيارة، وبدلاً من أن تعطي «شقاء» صندوق الطعام حملتها إلى صندوق سيارتها، واختفت، ولم يحس بها أحد سوى صديقها الكلب، الذي ظل يطارد السيارة، لكن الشوارع ابتلعت السيارة، وعاد وحيداً.
فرحت الفتاة الصغيرة بتلك الجدران التي كانت تحيط بها، لكنها كانت تعاني تلك الأجساد التي كانت تلتصق بها. لا تنقطع أصوات الضحكات والقهقهات والتأوهات. تلك الجدران كانت تسكن بالنهار، وتعود للحياة مرة أخرى بالليل، ولم يكن يغمض لـ»شقاء» جفن؛ فطوال الليل تُعدُّ الطعام، وتصب وتحمل الأكواب من هنا ومن هناك، ويأتي إليها من يحاول اللهو معها. انتحل جسمها، وأخذ يضمر، وباتت أكثر خوفاً وهلعاً في هذا العالم الماجن المؤذي.
- محمود الديب