د.نوف بنت محمد بن حمد الزير ">
وصيتي لكِ يا قلبي النابض في يوم زفافكِ.
ابنتي العروس..
ليس جديداً أن تعيش الأسرة مشاعر مختلفة حين تزفّ أحد أفرادها إلى عالم هو في الحقيقة سنة من سنن الله في كونه.
وليس سراً أن القلوب تتحركُ بمشاعر ممتزجة من الفرح والخوف والحب والدعاء.
لقد درسنا وقرأنا وتعلمنا الوصية التاريخية النادرة الجامعة وصية أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس في يوم زفافها التي صدرتْ عنها قبل مئات السنين - الشيء الكثير في قالب من البلاغة والفصاحة والنصح والواقعية والنتائج المثمرة التي حصدها كثيرون بحمد الله من تطبيقها.
ولا تزال تلك الوصية رغم طول عهدها غاية في الأهمية وينبغي أن تعتني بها الأسر، المدارس، الجامعات والمراكز الاجتماعية عناية فائقة.
أما وقد استجدت أمور لم تكن في زمن تلك الأم الناصحة والحكيمة الراشدة فيجدر بنا أن نُحَدِّث الوصية بتفصيل بعض ما أُجمل فيها أو بيان ما استجد بعدها لعل الله أن ينفع بها وينجح مساعي من أخذ بها ويبارك لهما وعليهما ويجمع بينهما بخير.
ابنتي العروس:
قال جل وعلا : (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الزواج سكن تصنعينه بأدبكِ وحسن خلقكِ وعالم ترسمين معالمه بسمو هدفكِ وغاية مقصدكِ، وأرض خصبة تضعين فيها أثمن البذور وتبذلين لأجلها غاية الجهد؛ لتحصدي ثمراً يانعاً بإذن الله بعد سنين ورحلة عمر لا تدرين متى يتوقف مسارها؟!
الله الله في تقوى الله تعالى بفعل الأوامر واجتناب النواهي والمحافظة على ما أمرك به ربك خاصة الصلاة فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وإعانة زوجك على أدائها في وقتها في المسجد وبذل كل السبل الكفيلة باستمرار ذلك لتهنأ حياتكما وينشأ على ذلك أبناؤكما بإذن الله.
ليكن الوقت الذهبي في حياتك بعد طاعة الله لزوجك الذي اختارك من بين النساء كافة لتنسجي وإياه مسار مستقبل عاطر حافل بالراحة والانسجام والإبداع والتألق، وتشعريه بيقين بالغ أن صفقة العمر رابحة!
ولتتذكري دائماً أن وراء كل عظيم امرأة ! فلتكوني أنت تلك المرأة العظيمة التي تدفع من ارتبطت به إلى الرقي والسمو على كافة الميادين والأصعدة.
لا بد أن تتيقني أنك أمام رجل ليس كوالدك وأخوتك وسائر محارمك، له طباع نشأ عليها غير التي عرفتِها ونشأتِ عليها فليكن لديك استعداد لتقبّل ما لا يخالف شرعاً ولا عقلاً، وقدرة على التعامل معه بحكمة، ولتتجنبي قياس شخصيته على شخصية أي رجل آخر لأن المقارنة باب الخسارة الأول.
جميل أن تُكرمي والدي زوجك إن كانا على قيد الحياة وتعاونيه على برهما وصلتهما، وليكن دخولك في حياة الأسرة خطوة إيجابية في عالم البر. وإن كانا رحمهما الله قد فارقا الحياة فما أروع أن تحثيه على الدعاء لهما والصدقة عنهما وصلة أهل ودهما.
والأجمل أن تكرمي أم زوجك إكراماً خاصاً مثل إكرامك لأمك؛ لأنك ولا شك تطمحين أن تكوني في منزلة ابنتها والابنة دائماً في سبيل البر تسير. ومن أكثر ما يعين على ذلك: إبراز إيجابياتها والثناء عليها، ولو لم يكن من محاسنها التي تذوب فيها كل ما سواها أن اختارتك من بين سائر البنات لتستودعك فلذة كبدها التي رعتها سنين عديدة لكفى.
جميل جداً الإحسان إلى أهله وأقاربه بحسن التواصل معهم والاستجابة لدعوتهم وكف اللسان عنهم إلا في المعروف. فإنه إلى جانب ما فيه من حسن التعامل مع المسلم يضيف على حياتكما نكهة خاصة تبهجكما وتسعدان بها بإذن الله.
من أكثر ما يعينك في حياتك أن يكون عندك صندوق مُحكم تغلقين فيه على كل سوأة تظهر لك من قريب أو بعيد، ولا تكوني عوناً للشيطان على أحد من المسلمين، ومن أتاك ناقلاً إليك حديثاً فأحسني إصماته وصَمِّ أذنيك عن كلامه وإن أبدى لك أنه ناصح.
وإلا فأنا على ثقة ويقين أنكِ من تَربّتْ على الخير وتطمح له فلا يمكن أن يكون نقل كلام الناس وأحوالهم وخاصة شأنهم على لسانها.
الصمم الاختياري والكفُّ الاختياري سفينة مريحة جداً في بحر الحياة فكل ما لا يروق لك سماعه جدير بك أن تصمّي سمعك عنه، وما لا يسوغ لك مشاهدته رائع أن تكفي بصرك عنه.
لا تخلو حياة - ابنتي الحبيبة- من مشكلات قلّت أو كثرت صغرت أو كبرت؛ فلتكوني ملكتها بحصر نطاقها بينك وبين من وقعت معه المشكلة، ولتحذري كل الحذر من إطالة وقتها وتمديد جذورها وتوسيع أطرافها، وإذا كان في الخلاف مع عامة الناس: خيرهما الذي يبدأ بالسلام فإنه في خاصة الناس أولى وأجدر وأهم.
وليكن الصمت عند حدوث خلاف عتبة مباركة والتصمّت حين يشتد حتى تهدأ النفوس ترسانتك الرئيسة، وبإمكانك أن تُدْلي بما ترينه مناسباً إذا سنحتْ لكِ فرصة في جو أكثر هدوءاً وأقرب أُلفة وأدعى لقبول الحق والوصول إلى شاطئ الأمان.
وإذا ما احتجتِ إلى رأي ومشورة فلا تتجاوزي الناصح الأمين، وليس أنصح ولا أكثر أمانة من والدين كريمين، وفي حال تعذّر ذلك فمن أهل الخبرة والاختصاص في أضيق حدٍ وأكثر خصوصية لئلا تكون حياتك مادة إعلامية تستهوي أصحاب العقول الصغيرة والنفوس المريضة والألسن المُطْلَقَة.
ليس بين الزوج وزوجته منتصر وخاسر، فالكل منتصر إذا نهينا النفس عن الهوى ولم نتبع خطوات الشيطان والكل خاسر عند عدم ذلك.
ابنتي الغالية
لقد عجّ العالم بملهيات كثيرة ومُشغلات أكثر؛ فلتخصصي لها وقتاً محدداً لا يزيد عن 20-30 دقيقة في اليوم واجعلي بقية يومكِ لتثقيف نفسك والعناية بأجوائك الشخصية وتأسيس أسرتك في عالمك الجديد.
ولتعلمي يقيناً أن الحياة الخاصة ليست مجالاً للعرض على أعين البشر في المجالس أو في وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن ما يُقال ويصور هنا أو هناك ليس مجالاً للمقارنة مع ما أنتِ فيه؛ فنحن في غنى عن أن نعرض ما لدينا عليهم، أو نقارن ما عندهم بما عندنا، فكلا الأمرين مُنَغِّص للعيش مُكدِّر للصفو مُضعِف للقناعة قاطع للحمد والثناء وناسف للرضى!
الزواج مشروع حياة ومؤسسة عظيمة تُبنى على تقوى من الله وحب وصفاء ورغبة في تأسيس كيان ناجح في ذاته، مصدر لأجيال صالحة ثمرة جهد وتعب وإنجاز وتربية صالحة فالله الله في سموّ الهدف ونبل الغاية وسلامة المقصد الذي يترفع عن النظر إلى هوامش الأمور فضلاً عن السماح لها بالتأثير في كيان شامخ.
أخيراً:
وإن غادرتِ منزل أبويك فستبقين في أعينهما الطفلة الصغيرة الحبيبة القريبة التي تتوق النفس لمرآها وتسعى لراحتها وتدعو الله لها، فلا تنسي قَلْبَي أبوين كريمين اجتهدا في تربيتك خير اجتهاد، في حفظ ودهما والدعاء لهما والعناية بوصاياهما وصلتهما والبر بهما والإحسان إليهما وحسن تطبيق تربيتهما على أكمل وجه وأتمه، فغداً بعون الله يكون مقامك مثل مقامهما وينبض قلبك بحب الأبناء والتقلب في عالمهم.
والله بفضله يتولاكِ وفي سائر أحوالك يخير لك ويسددك وبعنايته يرعاكِ وبتوفيقه يكلؤكِ ويحفظك.
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما بخير.