التوعية في نيجيريا تبدأ بتقديم الطمأنينة بأن المصارف الإسلامية لا تهدف لأسلمة البلاد والعباد ">
الجزيرة - الرياض:
في الوقت الذي تتوسع فيه الصرافة الإسلامية في بعض البلدان الأوروبيَّة (ذات الأقلية الإسلامية)، يتساءل المسلمون النيجيريون، الذين يشكلون نصف السكان البالغ تعدادهم 150 مليون نسمة، عن الوقت الذي تنتشر في المصارف الإسلامية بمدنهم وقراهم. فنيجيريا، التي انتزعت مؤخرا لقب أكبر اقتصاديات إفريقيا من جنوب إفريقيا، لم تصدر حتى الآن أي صكوك سيادية. ولولا الجهود التي قام بها محافظ البنك المركزي السابق محمد سانوسي، لما تم تذليل العقبات لدخول الصيرفة الإسلامية نيجيريا عبر بنك «جائز» في أواخر 2012.
ويبذل المسلمون هناك جهودا كبرى من أجل التوعية بهذا النوع من الخدمات المصرفية الأخلاقية. فعندما بدأ بنك جائز بممارسة أنشطته المصرفية، اضطر حاكم ولاية كادونا الواقعة بشمال نيجيريا أن يوضح للإعلام المحلي بأن الهدف من إنشاء هذا البنك هو تقديم خدمات مصرفية متميزة وبديلة عن المستخدمة في البنوك الأخرى، مؤكِّداً أهمية طمأنة النيجيريين أن البنك لا يهدف إلى أسلمة نيجيريا. وأشار إلى أن النظام المصرفي الذي لا يحبذ الأرباح على الأموال المودعة سيجذب المزيد من العملاء، وسوف يساعد علي تحسين اقتصاد البلاد. وبالفعل هذا ما تحقق بعد مرور ثلاث سنوات على إنشاء البنك. أصبح بنك جائز أسرع بنك نيجيري يحقق أرباحا منذ تأسيسه وقام في نفس الوقت بتدشين ذراع خيرية تابعه له تقوم بتوزيع الأموال على الفقراء.
وفي إطار الجهود التوعوية التي يتبناها القطاع الخاص، استضافة العاصمة أبوجا مؤخرا «المؤتمر الدولي الثاني عن المالية الإسلامية»، الذي تلخصت توصيته بضرورة زيادة حجم الحملات التنويرية لدى المستثمرين وعامة الشعب بخصوص الأهمية التي تحملها الصكوك في تمويل البنية التحتية للبلاد.
وكان ضيف الشرف الأمير سانوسي، الذي يتولى حالياً عرش إمارة كانو. وجاءت كلمة سانوسي لتبيّن كيف ساهمت انهيارات أسعار النفط والضعف الحالي في إيرادات الحكومة في توجيه الأنظار نحو مصادر تمويل أخرى كالصكوك. وسانوسي هو المحافظ المصرفي «المعزول» الذي ورث السنة الماضية إمارة تعتبر من أقدم الممالك الإسلامية في منطقة غرب أفريقية والتي ازدهرت خلالها التجارة بين مناطق غرب إفريقيا ومناطق شمال إفريقيا المطلة علي ساحل البحر الأبيض المتوسط عبر القوافل التجارية العابرة للصحراء الكبرى.
ويعد سانوسي من أبرز مناصري الصيرفة الإسلامية بنيجيريا. ذلك المسلم الذي اختارته مجلة التايم كواحد من أبرز 100 شخصية مؤثرة في العالم. وبينما كان الكثيرون يتوقعون أن تشغل أعمال الإمارة الفائز السابق بجائزة أفضل محافظ مصرفي في العالم، لا يزال سانوسي داعما للجهود التوعوية الخاصة بالمالية الإسلامية في بلاده. ويُعدُّ أمير كانو شخصية لها وزنها السياسي والديني داخل المجتمع النيجيري.
ولأن الإطار العام للمؤتمر كان يدور حول الصكوك ودورها في دفع عجلة التنمية، فقد شارك في المؤتمر متحدثون من أمريكا وآسيا والشرق الأوسط. الزميل محمد الخنيفر شارك متحدثاً في ثلاث جلسات عن الصكوك. ودارت تلك الجلسات حول دور الصكوك في امتصاص السيولة الزائدة بالقطاع البنكي وكيفية التعامل مع العقبات القانونية والتنظيمية التي تواجه تلك الدول التي تتبنى التمويل الإسلامي لأول مرة. وشارك الخنيفر كممثل للمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص (التابعة للبنك الإسلامي للتنمية). ومن المعلوم أن «الجزيرة» قد استكتبت الزميل الخنيفر في 2012 وذلك من أجل كتابة زاوية أسبوعية تثقيفية تتعلق بالجانب المصرفي.
الصكوك الزراعية
في حين أوضح الشيخ زياد محمود في كلمته التي ألقاها بأن الأرضية مؤهلة لنيجيريا من أجل الاستعانة بالعقود الإسلامية التي ترتكز على الأنشطة الزراعية، خصوصا أن نيجيريا تعد بلدا زراعيا. وشبه البيئة المناخية لنيجيريا بالسودان التي يكثر فيها استخدام عقود السلم. وتعد الزراعة من القطاعات الاستثمارية الكبرى التي تهم الشركات الخليجية في إفريقيا. وحاولت دول الخليج شراء مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في الخارج لتأمين إمدادات الغذاء.
وتضم نيجيريا أكبر عدد من المسلمين في إفريقيا جنوبي الصحراء. كما أن بها أحد أسرع القطاعات المصرفية نموا في إفريقيا سواء على مستوى الخدمات المقدمة للأفراد أو الشركات.
وأوضح سانوسي - وهو حفيد أمير سابق لولاية كانو وأحد أكثر الزعماء المسلمين احتراما في البلاد - أن نيجيريا تضطلع بدور نشط في مجلس الخدمات المالية الإسلامية، وأنها تدرس عددا من اللوائح التنظيمية العالمية.
ولا تقوم المنتجات المصرفية الإسلامية بتحصيل فائدة على التمويل بل تعتمد بدلا من ذلك على اقتسام الأرباح أو الخسائر مع المقرض ما يعني أنها تحد من أي مضاربة غير ضرورية وتقلص المخاطر.
وقال سانوسي، في مقابلة سابقة له مع رويترز، ان نيجيريا تتطلع للتمويل الإسلامي ليس فقط من أجل الفرص التي سيتيحها للبنوك والمستثمرين ولكن أيضاً كوسيلة لتنويع النظام المالي في البلاد لتخفيف المخاطر.
وأضاف سانوسي «المنتجات المصرفية الإسلامية مرتبطة بالاقتصاد الحقيقي، ولذا فهي جزء من برنامجنا الإصلاحي لحمل البنوك على الإقراض للاقتصاد الحقيقي».
وتابع «كما أنها تثني عن المبالغة في المضاربة وتحمل المخاطر وهو ما يتفق مع بعض القواعد الجديدة التي نضعها. ولذا فالاقتصاد الإسلامي جزء مهم من برنامجنا من منظور الاستقرار المالي وتعميق القطاع».
وكان الرئيس السابق لنيجيريا قد أوقف سانوسي عن العمل ومبعدا في نفس الوقت واحدا من أشد منتقدي سجل الحكومة في التصدي للفساد في أكبر بلد منتج للنفط في إفريقيا. وعزل سانوسي من منصبه في البنك المركزي في فبراير - شباط بقرار من الرئيس بعد أن قدم للبرلمان أدلة على أن شركة البترول الوطنية النيجيرية المملوكة للدولة لم تسدد 20 مليار دولار لخزائن الدولة.
ولدى سانوسي مصداقية عالية لدى المستثمرين الأجانب وهو يتمتع بشعبية بين المستثمرين الدوليين بسبب سياساته التي تحارب التضخم. ولعب دورا مهما في نشر ثقافة إدارة المخاطر وذلك بعد تقلده منصب محافظ البنك المركزي في 2009، وساهم بشكل فعال في إنقاذ العديد من البنوك النيجيرية من الإفلاس.
واضطلع بدور فعال في تشجيع مبادرات الصيرفة الإسلامية والصكوك بالاقتصاد النيجيري. وقد لا يعلم الكثير ان سانوسي يحمل شهادة البكالوريوس في الشريعة والدراسات الإسلامية من جامعة الإفريقي الدولي في الخرطوم.