محمد حطيني ">
هل هي مفاجأة إعلان المملكة العربية السعودية تحالفاً عربياً إسلامياً يضم 34 دولة لمواجهة الإرهاب ومحاربته؟ لم يكن الأمر مفاجأة كما هو سائد في الاعتقاد لدى البعض، فالمملكة ليس في هذه الأيام فحسب، بل وفي الماضي البعيد والقريب تعمل بصمت ودون كلل أو ملل في خدمة الأمتين العربية والإسلامية، وهي بمقوماتها المؤثرة تمتلك خواص القيادة الفاعلة، نعم الفاعلة، وليس غير، وأفعالها وأقوالها خير البراهين والأدلة على مقومات القيادة فيها.
فهي كبيرة إمكاناتها، جلية أفعالها، قوي اقتصادها، متشعبة قدرتها، ذات بصمة واضحة في إرساء أسس التعاون البناء على المستويين العربي والدولي، كيف لا، وهي عضو في مجموعة العشرين، أكبر وأقوى عشرين اقتصاداً مؤثراً في العالم، والدول تطلب ودها، والالتقاء بقادتها، والتشاور معها، والأخذ برأيها. هي محط أنظار الديبلوماسية العالمية، وفود زائرة، وقمم متواترة، مع القوى العربية والإسلامية واللاتينية ليس عنها ببعيد. تمد يد العون والمساعدة والدعم لأشقائها وأصدقائها، عرباً وعجماً في أوقات الشدة والرخاء، قوية بين الأقوياء، قيادتها لا تتردد في اتخاذ القرار، بكل إصرار، فمن الحزم إلى إعادة الأمل وإلى إعلان تحالف عربي إسلامي الرياض مقره تحت قيادتها وتوجيهها، وحزم في قيادة الدولة والسير بها على خطى التطور والبنيان، بكل اقتدار وعنفوان. ضربت في اليمن قبل الانهيار في الدولة والفلتان، وباغتت إيران التي أوغلت في الطغيان في أرض العرب من العراق إلى لبنان، فكانت ضربة معلم قبل فوات الأوان، وهي تبذل الغالي والنفيس لتوفر لمواطنيها العيش الرغيد.
ولمن لا يعرف المملكة العربية السعودية فهي عضو مؤسس في الأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية، والبنك الإسلامي للتنمية. أليس هي أيضاً القائدة والشقيقة الكبرى في مجلس التعاون الخليجي الذي لم ينفرط عقده كسابقات اتحادات عربية لم يكتب لها الاستمرار؟ هي صاحبة فكرة المجلس وتعمل على تطويره باقتدار وصولاً إلى اتحاد خليجي متكامل، اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، وأمانة المجلس مقرها لمن لا يعلم الرياض بماضيها وحاضرها المجيد.
نعم المملكة العربية السعودية مغيثة الملهوف، دونما تردد أو عزوف، مكان عمل، ورزق وأمل، لملايين من البشر وطئوا أرضها، نعموا بخيراتها، وشربوا من مائها، وأفنوا أعمارهم على أرضها، انجذبوا إليها لا ينفكون عنها، إذا ما تقرر لأحدهم فراقها، تُغرغر الدموع في عينيه، وحزن وأسف على الفراق يُتمتم به على شفتيه. هؤلاء من جنسيات مختلفة منهم المسلم، ومنهم غير ذلك، لا فرق. هي أرض كافحت الإرهاب على مدى عقود مضت وتكللت جهود القائمين عليه نجاحاً منقطعاً نظيره في القضاء عليه، وتشتيت زمره، والبحث عن خلاياه ووأدها في مهدها قبل استفحال خطرها عليها وعلى غيرها، فلم يشعر مواطنوها والمقيمون على أرضها إلا بالأمن والأمان حتى في أحلك ظروف مواجهتها لقوى الطغيان.
المملكة العربية السعودية، هي المبادرة في فعل الخير دائماً، تجد بصماتها في كل أصقاع الأرض، من بناء المساجد إلى المشاريع الخيرية ودعم الدول الفقيرة، وتقديم العون للملهوفين والمتضررين بفعل كوارث إنسانية أو طبيعية، وهي صاحبة الولاية الدينية، فهي أرض الحرمين الشريفين وبعثة رسول الهدى خاتم الأنبياء والمرسلين إلى أرجاء العالم كافة، وما برحت تقوم على خدمة الحجاج والمعتمرين على مر الزمان، دون مقابل من أحد، ودون منة على أحد.
المملكة العربية السعودية صاحبة اليد الطولى في البذل والعطاء، وفعل الخير، والتطوير والنماء، تجد لمسات بذلها وعطائها في كل مكان. في الأردن مثلاً، تتراءى لافتات كبيرة تقول (المشروع ممول بمنحة كريمة من حكومة المملكة العربية السعودية). أما مصر، كمثال آخر على وقفة هذا البلد مع أشقائه بكل قوته وإمكاناته، فقد منحت مؤخراً مساعدة بقيمة ثمانية بلايين دولار، وزيدت الاستثمارات السعودية فيها إلى ستين مليار جنيه مصري، إضافة إلى دعمها نفطياً لمدة خمسة أعوام. من يفعل ذلك، ومن لديه القدرة على القيام بذلك، ومن لديه كل هذه الإمكانات والقدرات غير المملكة العربية السعودية؟
وبعد، هل من قائل إن إعلان التحالف الإسلامي العربي للحرب على الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية يعد مفاجأة؟ نعود فنجيب لا، فقد سلف ذكر الأدلة والبراهين، والجواب لمن لديه أدنى شك في يقين إمكانات القيادة في الدولة السعودية والرفادة. ونأمل أن يؤطر ذلك الإعلان إلى مزيد من التعاون العربي الإسلامي الذي يقوي من عزيمة الأمة في أوقات الرخاء والأزمات والشدة لتظل كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
- كاتب أردني