القطاع المصرفي السعودي سيخرج رابحاً من قرار الفيدرالي الأمريكي ">
الجزيرة - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
بدأت دراسات عديدة تفحص تداعيات قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع معدل الفائدة لأول مرة منذ 2006م بمقدار ربع نقطة إلى النطاق بين 0.25% و0.50%، حيث وافق أعضاء الفيدرالي في قرارهم الأخير على زيادة الفائدة على برنامج إعادة الشراء من 0.05% إلى 0.25% .. كما حدد البنك المركزي سقفاً إجمالياً على عمليات إعادة الشراء طويلة الأجل عند 300 مليار دولار، وهي مختلفة عن برنامج إعادة الشراء لليلة.. التقارير لم تقتصر على تقصى التداعيات على الاقتصاد الأمريكي، ولكنها امتدت لاقتصاديات كثيرة.. من أهمها الاقتصاد السعودي، وخاصة في ظل ارتباط الريال بالدولار. إلا أن المدقق سيلحظ اهتماما كبيرا وغير عادي هذه المرة. رغم أن مؤسسة النقد العربي السعودي دائما تتفاعل مع أي تغير في معدل الفائدة الفيدرالي بتغيير موازي في معدل الفائدة على الإقراض بالسوق السعودي.. لكن هذه المرة يبدو أن الأمر مختلف وجدير بالاهتمام .. ما التغيير ؟ ولماذا توقع اختلاف التداعيات وتوقع حدوث تأثيرات بعيدة على السوق النقدي السعودي ككل؟
تقارير دولية والتغييرات الجذرية بالاقتصاد السعودي
صدر تقرير حديث عن شركة «ماكينزي» للاستشارات يحدد معالم تغييرات جذرية أجرتها الحكومة السعودية خلال الآونة الأخيرة لتحويل اقتصادها الوطني إلى مسار التنمية المستدامة، بعيدا عن انفرادية النمو بالإيرادات النفطية. من ضمن هذه التغييرات تفعيل السوق النقدية وتدشين العديد من القرارات التي تصب في طريق إطلاق اعتماد قوي على ملامح السياسة النقدية لإدارة النشاط الاقتصادي .. وذلك يحدث لأول مرة بعد فترة طويلة من إعمال السياسة المالية والاعتماد عليها في إدارة النشاط الاقتصادي حسب توجهات الانفاق الحكومي .. الآن في ضوء تراجع الأسعار العالمية للنفط وضعف الإيرادات النفطية .. الاقتصاد السعودي يختبر إصلاحاته لأول مرة في تدشين سياسات نقدية نافذة تعتمد على أسواق أخرى بعيدة عن الجانب المالي، واعتمادا على أسواق جديدة، من أهمها سوق السندات.
سوق السندات..بداية عهد جديد للتمويل الحكومي
ليس المملكة فقط، ولكن كافة اقتصاديات الخليج الآن تحتاج إلى تمويل أنشطتها الاقتصادية التي تضخمت في ضوء انفتاح مشاريعها العملاقة وأحد أهم القنوات الرئيسية لتمويل هذه الأنشطة هو سوق السندات الذي بدأ يتضح أنه طريق شرعي ونظامي وقليل المخاطر وتعمل في سياقه العديد من اقتصاديات الدول المتقدمة.. إنه التمويل بالسندات. لذلك، بدأت جهات مصرفية عالمية الآن تستقطب دول الخليج لتمكينها من تجميع تمويلات قياسية لتغطية أي عجوزات مالية محتملة في موازناتها في عام 2016م. وتشير التقديرات إلى احتياج دول الخليج عموما إلى نحو 250 مليار دولار، وتشير هذه التقديرات إلى أن السعودية قد تحتاج ما بين 50 إلى100مليار دولار منها .. وهذه الأرقام يمكن تمويلها بسهولة من سوق السندات.. وقد تبنت المملكة خلال العام الأخير تجميع حوالي 95 مليار ريال من السوق المحلي ومن مستثمرين محليين.. ورغم أن المملكة تمتلك احتياطيات وأصول مالية ونقدية كبيرة بالسوق العالمي، إلا أنه يمكن تمويل عجز الموازنة للعام المقبل من أدوات دين بالسوق العالمي.. وتشير تقارير أجنبية عديدة إلى أن كثير من الجهات المصرفية تسعى لتنفيذ صفقات مع الحكومة لتسهيل أطروحات عالمية للسندات بقيم قد تصل إلى 5 مليار دولار.
ورغم أن الحكومة السعودية لم تحسم بعد مدى نيتها للتوجه إلى سوق أدوات الدين، إلا أنه بات طريقا ممهدا وقناة متاحة للتمويل.
السوق النقدية وطريق الإصلاح
رغم ارتفاع عرض النقود بالسوق السعودي خلال الآونة الأخيرة ووصول إجمالي عرض النقود إلى حوالي 1828 مليار ريال، إلا أن معدل نمو هذه السيولة النقدية قد تراجع خلال الآونة الأخيرة ليصل إلى حوالي 11% فقط بعد أن كان يناهز حوالي ال 18% في عام 2008م .. وذلك رغم أن معدلات نمو الائتمان لا تزال تسجل معدلات مرتفعة.
رفع فائدة الفيدرالي والسوق النقدية السعودية
مما ذكر أعلاه ومع بدء تفعيل السياسة النقدية وبدء انفتاح الاعتماد على أدوات الدين أو سوق السندات وبدء عهد جديد للاهتمام بسياسات لم تكن الدولة تهتم بها نظرا لزخم الإيرادات النفطية.. وأيضا نظرا لأن النشاط الاقتصادي كان يدار من زاوية واحدة وهو زاوية الانفاق الحكومي .. الآن الطريق ممهد لنضوج السياسات النقدية .. ممهد لكي تختار المملكة طريق جديد لتمويل أنشطتها .. هذا الطريق لا حدود عليه .. بل يمتاز بإمكانية حوكمة أنشطة اقتصادية تدار بطريق المنفعة - العائد..وليس طريق الضخ الحكومي ..
تقرير ماكينزي الأخير يؤكد على أن التغييرات الجذرية التي أجرتها الحكومة رغم أنها كانت تمثل ضرورة..إلا إنها الآن في نفس الوقت سيأتي وقت قريب سيشكر الكثيرون تراجعات أسعار النفط لأنها أعطت الفرصة لتبني سياسات اقتصادية ناضجة .. تستديم معها التنمية. فالقطاع المصرفي السعودي سيخرج رابحا من رفع الفيدرالي الأمريكي لفائدته لأول مرة يتيح احتمالات انضباط أعلى للودائع مقابل الإقراض .. فقطاع المصارف سيربح المزيد نتيجة ارتفاع معدل الودائع الجارية لديه (تصل إلى حوالي 1100 مليار ريال تقريبا حاليا)، بينما ستتأثر الشركات التي تعتمد على الاقتراض لتمويل أنشطتها التشغيلية لارتفاع تكلفة الاقتراض. أيضا من المتوقع أن يحسن قرار رفع فائدة الفيدرالي من كفاءة سوق الاقتراض السعودي، حيث إنه سيؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض ومن ثم انخفاض الطلب على الائتمان، وربما لا يحدث الائتمان إلا للأنشطة الضرورية أو بمعنى آخر سيؤدي إلى تحسين كفاءة الائتمان للشركات عموما.