أفجع قلوب المحبين وفاة الداعية المربي الشيخ الوالد: عبد الرحمن بن حماد بن عبد الرحمن العمر - رحمه الله - الذي له مساهمات فاعلة في الدعوة إلى الله تعالى, عبر دروسه العلمية, ومشاركاته الدعوية في إذاعة القرآن الكريم وغيرها, وعبر مؤلفاته, وهو من خيار الدعاة سمتاً وخلقاً وعلماً, ومما يُميِّزه -رحمه الله- أخلاقه الرفيعة, وغيرته على الدين, وقوته في الحقِّ, وحُسن تربيته وتوجيهه, واهتمامه البالغ بالدعوة, ومما علمته عنه إضافةً إلى العلم الشرعي, أنَّ له اهتماماً بالتاريخ وإلماماً بتاريخ نجد على الخصوص, وأنَّ لديه حرصاً على جمع مادةٍ علميَّةٍ في ذلك.
إنَّ فقد الشيخ عبد الرحمن -رحمه الله- له أثرٌ كبيرٌ على تلامذته ومحبيه وعارفي فضله؛ ذلك أنَّه رحمه الله احتلَّ مكانة عالية في نفوسهم؛ لما جُبِل عليه من معاملة حسنة, ومحض نصح, وتواضع في عزَّةٍ, وكرمٍ متوارث, وسماحة نفس, ولطف جانب.
ولقد ورَّث الشيخ- رحمه الله- علماً نافعاً مكتوباً ومسموعاً, من خطب ومحاضرات, ومن مؤلفاته:
كتاب: (دين الحق) وقد طبع بعدة لغات, و(الذكرى) و(الجهاد) و(هكذا تدمر الجريمة الجنسية أهلها) و(الإرشاد إلى طريق النجاة) و(الإرشاد إلى توحيد رب العباد) و(دعوة إلى النجاة) وهو باللغة الإنجليزية, و(حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب) و(هذه هي الديمقراطية) و(عقيدة الفرقة الناجية, أهل السنة والجماعة).
والشيخ من خواص أصدقاء الوالد -رحمهما الله- وبينهما من المحبَّة في الله والمودة والصلة المستمرة, ما رأيت ذلك منهما عن قرب, حيث كانا يتزاوران في الله, ويحتفيان ببعضهما احتفاء قلَّ نظيره في الصحبة والصداقة, كما كانا يتشاوران فيما بينهما, من الناحية العلمية, والشؤون الخاصة بهما, وكل منهما يخصُّ صاحبه بمحض نصحه, وبعدما انتقل والدي إلى بلدة الداخلة في سدير, وإذا قدم إلى سدير فإنَّه لا يغادرها إلا وقد زاره, فيأنس كل واحد منهما بصاحبه, ولمَّا توفي والدي كان الشيخ في مكة ولم يعلم بوفاته حينها, فلمَّا قدم إلى الرياض وعلم بوفاته, أسف على فقده, وجاء بنفسه إلى البيت معزياً, فقلت له: لم تكلِّف على نفسك؟ فقال: لا كلفة, وأكثر من الدعاء له, وقد بدا عليه أثر الحزن لفقده, فشكرته على حسن تواصله وطيب وفائه, ثم كنتُ بعد ذلك أزوره ما بين فترة وأخرى, وعرضتُ عليه أنْ يكتب ما يعرفه عن الوالد, حيث قد عزم أبناء عبد الله المشاري على جمع كتاب فيه ترجمته وقصائده, بشقَّيها الفصيح والعامي, فقال: سأقرأ الكتاب وأقدِّم له, واستعجلوا في جمعه, فكان كلما التقيت به أو اتصلت هاتفياً عليه, قال لي: معك كتاب الوالد؟! ويحث على سرعة إنجازه, وهذا إن دلَّ فإنما يدل على حرصه أن يرى كتاباً يوثِّق سيرة وديوان صاحبه, وهو من الوفاء الذي قلَّ مثيله بين الأصدقاء, وأحسب أنهما اجتمعا على محبة الله وتفرقا عليها, فأسأل الله أن يظلهما بظلِّه يوم لا ظل إلا ظله, وكذلك كان والده الشيخ حماد -الكاتب الثقة المعروف في روضة سدير في زمنه- صديقاً للجدِّ الشاعر سليمان, رحمهم الله جميعاً, فالصداقة بين الأسرتين صداقةٌ جَدِّيةٌ, واستمرَّت من قبل أبناء الشيخ حماد العمر, وهم: إبراهيم -شفاه الله- ومحمد, وعبد العزيز, والشيخ عبد الرحمن -رحمهم الله- حيث كانوا يزورون الجد مشاري والعم محمد ابنا سليمان بن مشاري في بيتهم في البطحاء وفي بيت حوطة خالد... مما يبين الترابط القوي والمحبة المتجذرة بين الأسرتين.
لقد عاش الشيخ -رحمه الله- حياته في الدعوة إلى الله, ونشر العلم النافع, إلى أن توفاه الله ضحى يوم الأحد 2-3-1437هـ وعمره ثلاثة وثمانون عاماً, وصلِّي على جنازته في جامع الراجحي بالرياض, بعد صلاة عصر ذلك اليوم, ودفن في مقبرة النسيم, وشهد دفن جنازته خلقٌ كثيرٌ من طلبة العلم, ومن أقاربه, وأصدقائه ومحبيه وعارفي فضله, وبفقده فقد المسلمون علماً من أعلام الدعوة إلى الله -رحمه الله- وجبر مصابنا ومصاب أسرته وأهل بيته ومحبيه فيه, وأسأل الله أنْ يغفر له, وأنْ يدخله الجنة, وأنْ يرفع درجته فيها, ووالدينا ومن نحب, وأنْ يجمعنا بهم في الجنة.
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري - خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير