أغلب المواجهين لأفكار داعش في شبكات التواصل هم من المملكة.. ولدينا مؤشر لقياس التطرف ">
حوار - محمد العثمان / تصوير - سعيد الغامدي:
شدد عبدالمنعم المشوح رئيس حملة السكينة التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية، على أن محور التأصيل والبناء العلمي هو الأهم وهو الركيزة التي تقوم عليها منهجية مواجهة ومعالجة الأفكار المتطرفة، لافتا في حوار مع «الجزيرة» إلى أن داعش أو الجيل الجديد من الجماعات المتطرفة ينحون إلى الاتجاه «التوحشي» ومساحة الحوار لديهم شبه معدومة حتى في داخل دوائرهم، وقال المشوح إن ما تضمنه تقرير معهد «بروكنجز» الأمريكي من أن غالبية حسابات شبكة «تويتر» المؤيدة لتنظيم «داعش» تنطلق من السعودية، يتناقض مع تقرير أعدته حملة السكينة أشار إلى أن أغلب المواجهين لأفكار داعش في شبكات التواصل هم من السعودية.
واعترف المشوح بأن حملة السكينة نجحت في بعض برامجها ولم تنجح في برامج أخرى ضمن خطتها لمواجهة داعش وبقية تنظيمات التطرف, ومن نجاحاتها بناء منصة لتعزيز الوسطية وتفكيك الخطاب المتطرف وشبهاته وتأصيل الأفكار الصحيحة.. فإلى الحوار:
* للسكينة تجربة في الحوارات مع أتباع تنظيم القاعدة ونُشِر بعضها ضمن دراسات أكاديمية.. هل لكم حوارات مع أتباع داعش؟
- القاعدة خاصة في (2003- 2006) كانت تفتح مساحة للحوار أو أن البيئة الفكرية في تلك الفترة كانت تُساعِد على إنشاء حوارات نظرا لأن الطرف الآخر لديه مخزون معرفي يُمكِن مُناقشته, ومع ذلك الحوارات لم تكن أهم محاور المواجهة والمعالجة بالنسبة لحملة السكينة فالحوارات تظل ذات تأثير ضمن دوائر محدودة -مع أهميتها- وكان محور التأصيل والبناء العلمي هو الأهم وهو الركيزة التي تقوم عليها منهجية المواجهة والمعالجة.
«داعش» أو لنقل الجيل الجديد من الجماعات المتطرفة ينحون إلى الاتجاه
«التوحشي» حتى في تعاطيهم المعرفي فمساحة الحوار لديهم شبه معدومة حتى في داخل دوائرهم فقد نفذوا إعدامات وتصفيات لعناصر لديهم جرت معهم حوارات ونقاشات فهم يعتبرون الدخول في حوار دخول في منطقة الرفض والشك، إذن مساحة الحوار شبه معدومة وهذا ما جعلنا «لم ننجح» في جولتنا الأولى مع أتباع داعش حيث أردنا تنفيذ نفس خطتنا مع القاعدة فتفاجئنا بأن النتيجة «صفر» أما في الجولة الثانية والثالثة التي كانت تركز على (200) منتمٍ لداعش كانت النتائج الإيجابية تتراوح بين (40 و60 في المائة) وذلك بعد تعديلات في الأسلوب حيث ركزنا على «الحوار المدني» أكثر من الحوار الشرعي العلمي، الحوار المدني الذي يقوم على عناصر نفسية واجتماعية وفكرية وطبقنا جزءا من نظام «جودة الحياة « الذي صممته د.ريما سعد أبو حيمد الذي يعتمد على وضع معايير نفسية وسلوكية وإطلاق مؤشرات تساعد المُحاوِر في تحديد اتجاه الحوار.
وتظل الحوارات العلمية موجودة في بعض المنتديات التقليدية وبعض المواقع مع الجيل الحالي من المتطرفين.
* هل كان أحد رموز داعش أو قياداتها من ضمن الذين وصلتم إليهم؟
- نحن ركزنا على شبابنا سواء المنضمون أو المتعاطفون، ولم يحصل أن تبادلنا مع رموز داعش وقياداتها أي حوار فهؤلاء مجموعات مُقنّعة ومجاهيل حتى هم لا يعرفون بعضهم البعض بشكل واضح, ومناقشة القيادات والرموز تتم بنشر مواد في نقض أصول أفكارهم ومنهجهم أما المواجهات الشخصية لم تحدث حتى الآن ولا نسعى إليها لأن الأولوية لشبابنا وطاقتنا لا تستوعب فتح الحوار بشكل كبير.
* هل ثمة مخاطر في الدخول مع المتطرفين في حوارات؟
- هذه المنطقة «منطقة التعامل الفكري» مع الإرهابيين لا تخلو من مشكلات ومخاطر و تهديدات لكن الذي يعمل في هذه المنطقة يجب أن يُدرِك أنه يقدم خدمة دينية ووطنية ثمينة فهو يحتاج إلى الثبات والصبر والتؤدة وعدم الدخول في مُهاترات، فهو لديه مهمة توجيه وإرشاد وتصحيح أفكار وليس مهمة مُشاحنات ومشاجرات, وعليه ألا يستعجل النتائج فالتعامل الفكري يحتاج إلى بناء والبناء المتين لا بد له من طول نفس ووقت وبيئة مناسبة.
* كيف تتعرف الأسر على الابن المتأثر بداعش؟
- الأسرة هي الدائرة الأقرب للابن وهي التي من المفترض متابعة أدق التفاصيل في تحوّلاته, لكن لنكن واقعيين غير مثاليين في كلامنا من الصعب في دوامة الحياة متابعة كل شيء وتحليل كل التفاصيل, ومع ذلك لا بد من قدر معين من المتابعة والتحليل، فالمتطرف تظهر لديه تغيرات شكلية وأخرى نفسية وثالثة سلوكية: التغيرات الشكلية مثلاً في لباس ما لم يعتد لباسه وليس هو من لبس بيئته المحيطة أو لباس ما يكون فيه مشابهة لمن هم في مناطق الصراع, وغيرها من تغيرات شكلية غير مُبررة ولها علاقة بارتباط وإعجاب بالجماعات المتطرفة.
التغيرات النفسية: أبرزها الاضطراب الواضح, العزلة, والانفعال السلبي من الإيجابيات التي تتعلق بالدولة وأجهزتها أو الإنجازات الوطنية فهو لا يشعر بالانتماء, وغيرها من مظاهر تدل على موقفه من وطنه, سلوكيا: الضبابية والغموض في صداقاته وتعاملاته الجديدة, وارتباطه بالإنترنت بشكل مُريب لذلك لا بد من معرفة حساباته ومن يتابع والمواقع التي يرتادها, وهذه جميعها مؤشرات إذا ظهرت أو بعضها لا بد من اتخاذ إجراءات وقائية سريعة بالتنسيق مع الجهات المعنية التي تستطيع تقدير حجم الخطورة وحقيقتها.
* هل تعاملتم مع أسر أو طلبت أسر التعامل معها؟
- فتحت السكينة التعاون مع الأسر في مجال التوجيه والإرشاد وبشكل سري ومحدود ولا يتعدى التعاون مع الأسر حدود الإرشاد الفكري والنفسي لكن طاقتنا العملية لا تؤهلنا لفتح المجال بشكل أكبر رغم الطلبات المتتابعة ونحاول التنسيق مع جهات في مجال التوجيه الأسري.
* برأيكم كيف يتم استهداف المراهقين من قبل داعش؟
- داعش تتحرك بآلية «القوى السفلية» مثل بقية العصابات الإجرامية سواء عصابات المخدرات أو غيرها, التي تنشر شباكها ثم تصطاد، فالبث الضخم المعلوماتي الذي تنشره منصات داعش عبر أساليب متنوعة يصنع تيارا أفقيا يصل لأكبر عدد ممكن من الشباب ثم تأتي مرحلة الانتقاء والتجنيد والتهيئة لمن لديه استعداد, فإذا كنا نسبح في عالم تويتر ببحر من (49) ألف رسالة إرهابية يوميا (40 في المائة) منها لداعش هذا يعني أننا أمام تغيير للرأي العام مُمَنهج غير عشوائي, فهم يحاولون ملء عقول وأرواح الشباب بأن داعش فعلا خلافة ودولة وهي تحقق لهم أحلامهم وأمنياتهم بل وتجعل منهم أبطالا! فوهم البطولة أحد أهم شعارات التغرير بالشباب, خاصة إذا كان الشاب يعيش في حالة من التهميش المعنوي أو الحسي.
* ما هي جهود الحملة في الحد من أفكار داعش؟
- حملة السكينة نجحت في بعض برامجها.. ولم تنجح في برامج أخرى ضمن خطتها لمواجهة داعش وبقية تنظيمات التطرف, نجحنا في بناء منصة لتعزيز الوسطية وتفكيك الخطاب المتطرف وشبهاته وتأصيل الأفكار الصحيحة وهو الموقع الذي يعتبر أحد المراجع المهمة في هذا الجانب, ونجحنا في تنفيذ حملات مركزة في شبكات التواصل والمواقع, ونجحنا في رسم خط منهجي للتحصين والوقاية يقوم على الشفافية والعدل واحترام مبادئ الحوار, بالإضافة إلى مشاركات مجتمعية مثل الورش والندوات, ولم ننجح في بعض البرامج التي طرحناها مثل تحويل المواد العلمية والفكرية والمعرفية إلى وسائل ووسائط التواصل المؤثرة كالفيديو والرسومات حاولنا وما زلنا نحاول, لم ننجح في إحداث نقلة وتغيير في شبكات التواصل, نعم شاركنا لكني أعتبرها مشاركة ضعيفة, الخروج بلغات متعددة كان محدودا.. وبشكل عام الآمال والطموح كبيرة وفريق العمل يتميز بالعمل المركز وفق الإمكانات وهذا ما جعلنا نحافظ على وجودنا خلال 12 سنة بفضل الله، وقد تمت مناقشة أهم المعوّقات مع معالي وزير الشؤون الإسلامية ووجه بإعداد الخطط اللازمة والعاجلة والنوعية للتطوير كما وجّه بتكوين مجلس استشاري ووحدات عمل في تخصصات ذات علاقة وأكّد على المُتابعة ورفع مستوى الأداء، وذلك عبر ندوة ترأسها ناقشت أهم المحاور للتطوير وهي نتاج ورشة تحضيرية شارك فيها «30» مختصا في مواجهة ومعالجة الإرهاب.
* قتل الأقارب.. كيف يصل الإرهابي إلى هذه المرحلة؟
- التطرف العنفي هاوية لا تتوقف عند حدّ, لأن التطرف العنفي يقوم على سلخ الإنسان من دينه وعقله وكرامته ونخوته وإنتاج شخص جديد يميل إلى «التوحش» وإشباع غرائزه حتى لو كانت على حساب روحه أو أرواح من لهم فضل عليه في تربيته ونشأته, نزعة الانتقام ضخمة لديهم.. الانتقام من واقع من بيئة من دولة من كل شيء عاش فيه أو يعيش فيه، حتى داخل داعش ظهرت مجموعات أكثر غلوا وتوحشا ويكفرون رموز داعش! هاوية من العبث والتوحش السادي، رفع مستوى الأخلاقيات مهم في تربية الجيل الحالي فالمعرفة شيء والتطبيق شيء آخر لا بد من تطبيق عملي في أخلاقيات وإحداث «نهضة» أخلاقية وسلوكية, فالصراعات الشرسة الحاصلة بين التيارات جميعها أنتجت لنا جيلا انفعاليا سهل الاستفزاز ولديه رغبة قوية في الانتقام ممن يخالفه.
* بخصوص صراع التيارات الفكرية.. لم تدخل السكينة خلال (12) سنة في صراع فكري داخلي وتصنيفات هل هو حياد أو تجنب لصدامات منهجية؟
- بل هو منهج شرعي وأدبي ووطني, من أهدافنا جمع الكلمة وتقوية الجبهة الداخلية وتخفيف التوتر الفكري فإن دخلنا في تفاصيل الصراعات الفكرية والمنهجية أصبحنا جزءا من المشكلة ولم نصبح أحد أدوات الحل، المجتمعات بحاجة إلى بيئات «آمنة» تخفف التوتر عند المواجهات الفكرية التي تحدث بشكل طبيعي في أي مجتمع، لا يمكن أن تقضي على الاختلافات والخلافات لكن يمكن أن تجعلها تدور في أطر لا تؤثر على السلم المجتمعي وعملية التنمية.
* دراسات السكينة مثيرة للجدل في أوساط الباحثين والمختصين, منهم من يُبرزها كأدلة مرجعية ومنهم من يطعن في مصداقيتها, كيف تُفسّرون ذلك؟
- ما نطرحه في نافذة «دراسات وأبحاث» أو في قسم التوعية الإلكترونية هي تقارير ومُلخّصات تفيدنا في بناء تصوّر أفضل من القراءات الشخصية والانطباعات الذاتية, فهي مؤشرات مساعدة أكثر من كونها دراسات علمية مُكتملة عناصر البحث العلمي الأكاديمي, لذلك دائما نُعلّق في ثنايا هذه التقارير أنها لا ترقى لكونها دراسة متكاملة لكنها تساعدنا وتساعد المختص في تكوين صورة قريبة من الواقع, وسبق عرضنا على جهات معنية بالدراسات خطة لذلك وكانت لهم وجهة نظر نحترمها، لذلك نحن نتحرك بالممكن والمُتاح فيما يخدم العمل, والإحصاءات التي نصدرها ذات معايير تقنية وفكرية وعلمية واضحة ربما ليست واسعة النطاق لكنها مُركّزة لذلك نتائجها قريبة من الإحصاءات العالمية لبعض مراكز الدراسات, بالإضافة إلى أن المجال الذي نعمل فيه هو مجال مُتغيّر -عالم الإنترنت- ومؤثرات القياس عليه كثيرة وقوية ومتسارعة لذلك لا بد من وجود هامش خطأ. النقد مفيد ومهم ويساعدنا في التركيز.
* أطلقت وزارة التعليم برنامج «فطن» وكذلك أطلقت عدة جهات برامج للأمن الفكري.. ما هو تقييمكم لهذه البرامج؟
- لستُ مؤهلا لتقييم هذه البرامج ولا معنيا بذلك, نحن معنيون بدعم والتعاون مع كل من يعمل في تعزيز الوسطية ونبذ التطرف ودرء الفتن, نحن في حملة السكينة نعتبر أي مُساهمة في هذا الملف «مُهمّة» وتستحق الدعم وننظر إليها نظرة تكاملية.. وهذا الصحيح فكما أن الإرهاب ترسّب عبر سنوات طويلة من مصبّات متنوعة كذلك الحل لا بد أن يكون تكامليا شاملا.
السعودية لديها فرصة تاريخية في إحداث «تغيير» على مستوى المواجهات والمعالجات الفكرية سواء في ملف الإرهاب والتطرف الفكري أو في الملفات الفكرية الأخرى, فقط نحتاج إلى مزيد تنسيق وتكامل وإحداث نقلة نوعية في برامجنا لترقى إلى مستوى مواجهة المهددات المتنوعة.
* ما هو حجم الحرب الإلكترونية القائم بين الدواعش والمعتدلين؟ وهل هناك حرب على المواقع والحسابات الداعشية على السعودية؟
- الحرب الإلكترونية ضخمة وسبق لحملة السكينة قبل سنوات إطلاق تحذيرات من تنامي الحرب الإلكترونية نتيجة ارتفاع المؤشرات وفق المعطيات لدينا، والسعودية تواجه استهدافا من قبل منظومات ومنظمات خصصت منصات وآلات إعلامية لذلك لكن -بفضل الله- لم تتحقق أهدافهم رغم التأثر الحاصل لكنه ليس كما توقعوا، وهذا يدعونا إلى بذل المزيد من الجهد والتكامل والتعاون والمواجهة الذكية «القوية»، فلا مكان للضعيف.
* ما صحة الدراسة التي أجراها معهد (بروكنجز) الأمريكي إن الغالبية من حسابات شبكة «تويتر» المؤيدة لتنظيم «داعش» تنطلق من السعودية، تليها سوريا ثم العراق وتأتي الكويت؟
- وفقا للمنشور يُعتبر تقريرا وليس دراسة وهو يتناقض مع تقرير أعدته السكينة أن مواجهة الآلة الإعلامية لداعش سعودية فأغلب المواجهين لأفكار داعش في شبكات التواصل من السعودية، وتظل الإحصاءات والتقارير التي تطلقها بعض مراكز الدراسات محل عناية واهتمام وتؤخذ في عين الاعتبار حتى لو اختلفنا في حقيقة نتائجها أو رفضنا أدوات التحليل لديهم، لذلك كنا نتمنى أن تتبنى الجهات المعنية بالدراسات لدينا هذه العملية وتُطلِق دراسات مُحايدة وسبق للسكينة تقديم مشروع لقياس مؤشرات التطرف، لكن لم تُوافق الجهة المعنية لأسباب نحترمها، وهنا تبرز أهمية بل ضرورة العمل على التكامل المقصود.