د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
صرح آشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي بعد رحلة قام بها إلى آسيا قال بأننا لا نهدف إلى حالة من الحرب الباردة، ناهيكم عن حرب ساخنة، لكنه أكد في تصريحه بأن الولايات المتحدة تدافع وبجد عن مصالحها وحلفائها، وعن النظام الدولي القائم على المبادئ، وعن المستقبل الإيجابي الذي يتاح لنا جميعا.
وأعرب كارتر في تصريحه عن انتقاده للاحتلال الروسي لبعض الأقاليم داخل أوكرانيا وجورجيا، كما توجه بالتوبيخ إلى روسيا لما وصفه بالتدخل العسكري المدمر في سوريا، وقال كارتر إن وزارة الدفاع تدرس مجموعة من الخيارات بعض منها علني والآخر سري للتعامل مع العدوان الروسي والصيني ودفعه.
أشاد الجمهوريون والديمقراطيون في الولايات المتحدة على السواء بتصريحات كارتر ووصفوها بأنها تقدير عميق وقدير للتنافس الواقعي والمتصاعد ما بين القوى العظمى العالمية ممثلة في الولايات المتحدة وروسيا والصين.
كما أشار أعضاء الحزبين إلى أن كارتر دائما ما يستخدم المصطلحات القاسية في تعبيراته وخطاباته حيال هاتين الدولتين، أكثر مما يفعله كبار المسؤولين داخل الإدارة الأمريكية، والتي بدت على نسق مغاير لمقاربة الإدارة الأمريكية الحالية إزاء روسيا وسوريا وأوكرانيا وحتى الصين، وهي السياسة التي يعارضها الرئيس أوباما.
وكانت وزارة الدفاع في حالة دفاع مع البيت الأبيض ووزارة الخارجية إثر المقاومة التي تلقاها لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة، حيال عمليات التشييد العسكرية الصينية في الجزر الاصطناعية الواقعة في بحر الصين الجنوبي، ولقد حذر كارتر وزير الدفاع الأمريكي من أن الولايات المتحدة لن تحترم المطالب الصينية ببقاء السفن البحرية الحربية الأمريكية على مسافة 12 ميلا بحريا في المنطقة محل النزاع، بعدما حصلت وزارة الدفاع شهورا على موافقة البيت الأبيض على حرية الملاحة للسفن البحرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، ولكن مع قيود على تلك الحرية خشية من مخاطر مواجهة مسلحة مع الجانب الصيني، مثل منع تحليق المروحيات المرافقة للسفن البحرية.
تخشى الولايات المتحدة من القوة الاقتصادية الصاعدة للصين التي أصبحت الاقتصاد العالمي الثاني بعد أمريكا، والبعض يقول بأنها قد تتجاوز أميركا نحو عام 2030 إذا ما استمر نموها الاقتصادي الحالي على نفس الوتيرة 7 في المائة، لكن خبراء آخرين يرون أن ذلك لن يتحقق قبل عام 2040 أو 2050 لأن معدل النمو الاقتصادي الصيني سينخفض إلى 3أو 4 في المائة في السنوات المقبلة، لكن حتى لو أصبحت الصين أكبر اقتصاد في العالم من حيث الضخامة والحجم فلن تكون الاقتصاد الأكثر تقدما وفاعلية.
في الحقيقة صراع لإعادة كتابة قواعد النظام الأوربي، أي أن الكرملين يطالب نظاما جديدا للأمن في أوربا من شانه إيجاد مناطق نفوذ تكون حصنا ضد حلف الناتو، حتى الدبلوماسيون من دول الاتحاد السوفياتي السابق يحذرون من أن أوربا لا يمكن أن تكون آمنة دون إصلاح وضع الجوار الروس.
زادت منظمة حلف الناتو وموسكو من حشد مناوراتهما العسكرية، ردا على ما يعتبر انتهاكات وانقسامات حول أوكرانيا، لكن ما وراء ذلك هو أن هناك رغبة قليلة على جانبي الصراع، وفي مارس 2015 أطلقت روسيا مناورات شملت80 ألف جندي و3 آلاف مركبة، و15 غواصة بحرية و220 طائرة في القطب الشمالي وبحري البلطيق والأسود.
نشر القوات الروسية لدعم الأسد ليس نهاية الصراع بل بدايته، مثل تحول كبير بعيد الأثر دقت على إثره أجراس إنذار تقرع في مقر الناتو، لذلك استعرض بوب وورك نائب وزير الدفاع الأمريكي كارتر في منتدى ريغان عندما قال بأن تحديات المدى البعيد حيال الصين الصاعدة وروسيا العدوانية، أي أنه استخدم مصطلحات أكثر قسوة من رئيسه التي استخدمها.
ووصف وورك بأن استراتيجية الولايات المتحدة هي (المعاوضة الثالثة) تعني تجنب المواجهة مع روسيا والصين، وهي استراتيجية تركز على الخروج بأسلوب جديد من إدارة الحروب يمكن الولايات المتحدة من ردع روسيا والصين عن الدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة.
تعني تلك الاستراتيجية (المعاوضة الثالثة) التعاون بين الإنسان والآلة وهو مفهوم مصمم لدى الولايات المتحدة خلال الـ30 عاما القادمة لمواجهة التحديات الأمنية للأمن القومي بعيدة المدى، رغم أن البعض يعتبرها استراتيجية مشوشة مع أكبر منافسين دوليين للولايات المتحدة، ولا يوجد أي أمل في حدوث الكثير من طموحات البنتاغون حتى تصل إدارة جديدة إلى البيت الأبيض.
الاستحقاقات الحاضرة في الجيوسياسي والديني في المنطقة جعلت الملفات تتصارع وتتصادم على الأرض العربية نتيجة الخواء الاستراتيجي العربي، ولكن تحولت سوريا إلى هدية مسمومة.
فالتدخل الروسي في سوريا مزج بين القومية والطائفية التي تحولت إلى وقود إشعال نيران التطرف والأصولية، فالقتال الشرس الذي يواجهه الإيرانيون والروس دليل على أن دعم الغرب ودول الخليج للمعارضة السورية ربما يكون له تأثير كبير على تراجع إيران عن القتال في سوريا.
بالفعل طهران تسحب قوات النخبة من سوريا بعد خلافها مع روسيا، خصوصا بعد تشييع 25 ضابطا من الحرس الثوري في سوريا خلال أسبوع، لأن إيران ترفض أي تسوية دولية روسية عربية في سوريا تستبعد المشروع الإيراني المستحيل لتشييع سوريا، تضع حدا للنشاطات الأمنية والسياسية التخريبية، لأن روسيا اكتشفت خطأ حساباتهم ورحيل الأسد بات محسوما، ولكن روسيا لديها مقايضات مع الغرب حول أوكرانيا إذا حصلت عليها ستتنازل عن شرط بقاء الأسد، لأن لافروف صرح بأن روسيا مستعدة للمشاركة في محادثات بشأن سوريا في نيويورك.
نقل محادثات الأزمة السورية من فيينا إلى نيويورك برعاية مجلس الأمن يعني أن هناك زخما كبيرا للدفع في اتجاه مسار دبلوماسي وسياسي للأزمة السورية أكثر من أي وقت مضى، كما صرحت بذلك سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة.
هناك اجتماعات تحضيرية لمؤتمر نيويورك منها مؤتمر الرياض لتوحيد المعارضة السورية، تلاه اجتماع باريس التشاوري بشأن الأزمة السورية الذي يحمل كيري موقفا جماعيا لموسكو رغم افتراق بين موقف المعارضة الرافض دورا للأسد ومواقف الغربيين القابلين بقاءه لفترة ما.
تتزامن تلك التحركات مع وصول البعثة الدبلوماسية السعودية إلى العراق بعد قطيعة ربع قرن، بعدما وجدت السعودية من العراقيين الشيعة تضجرا من المحاصصة والطائفية اللتان تسببتا في خراب البلاد، وبدأ كل العراقيين وحتى الشيعة العرب يعتبرون أن السعودية عمق العراق الاستراتيجي.
هجمات باريس وكاليفورنيا الإرهابية دفعت الناخبين بالحزب إلى اختبار مدى جدية المرشحين في محاربة التطرف، والجمهوريون بدأوا في الرقص على قضايا الإرهاب وبدأ يختلط الاستراتيجي بالتكتيكي، وحين يسود الخوف يغيب المنطق، ما جعل الخوف يقود إلى تنامي تيار اليمين في الغرب.
الفجوة الكبيرة في استراتيجية أوباما حيال داعش بسبب أن أي عملية عسكرية لا يمكن أن تتم فقط من الجو، وفي قلب استراتيجيته توجد مساحة خاوية يفترض ملؤها بقوة برية سنية، لكن بعد مرور أكثر من عام على استراتيجية أوباما لم تملأ القوات السنية ذلك الفراغ، ومن دون ملئ هذه الفجوة لن تنجح خطة أوباما، فالأكراد لا يريدون تحرير المناطق السنية تحت قبضة داعش، خصوصا وأن الولايات المتحدة تعول على الأكراد تحرير الرقة من داعش في سياق المعركة الموعودة ضد داعش، والقوة الشيعية ما تسمى بالحشد الشعبي تجد معارضة من السعودية ومن العشائر السنية في العراق، وترفض السعودية كذلك مقاتلة داعش دون التخلص من إرهاب النظام السوري.
أي لا توجد قوة سنية قوية في العراق وسوريا، خصوصا وأن الحكومة العراقية ترفض إعطاء الحرس الوطني السني قوة حقيقية، ولن يقبل السنة أن يحاربوا داعش كمرتزقة، في حين أن النظامين السوري والحشد الشعبي الشيعي المدعوم من إيران يمارسان الإرهاب والتطهير العرقي.
التحالف الإسلامي العسكري الذي أعلنت عنه السعودية الذي يتكون من 34 دولة يلاحق جميع التنظيمات الإرهابية بغض النظر عن تصنيفها لملئ الفراغ الذي تركته استراتيجية أوباما، ولكن وفق منظومة متكاملة من الحلول السياسية لأزمتي سوريا والعراق لاستعادة الدولة المدنية من يد الطوائف، وهي مستعدة لإرسال قوات إن لزم الأمر سواء في سوريا أو العراق ولكن بطلب من الحكومات الشرعية.
وستنشأ غرفة عمليات أمنية وعسكرية في الرياض، ولم تكتف السعودية عن إنشاء تحالف عسكري بل وملامح فكرية أيضا، ما يعني أن السعودية تعترف ولا تنكر بأن هناك مشكلة داخل الدول الإسلامية من جانب جماعات التطرف واستخدام العنف، كما في كل دول العالم تقود إلى تجنيد الشباب والشابات من جاليات من كافة دول العالم حتى من أوربا ومن روسيا في مصيدة شباك هذا التيار للقتال في سوريا التي أصبحت ساحة اقتتال بالوكالة، لكن نسبتهم ضئيلة بالنسبة لإجمالي سكان العالم الإسلامي، وإذا ما انتهت أزمتا سوريا والعراق، فإن التحالف الإسلامي بقيادة السعودية يتكفل بالقضاء على تلك الخلايا، بل يتكفل بالقضاء على الإرهاب الذي يضرب العالم الإسلامي.
السعودية تذهب إلى عمقها الخليجي والعربي والإسلامي، أي بصيغة عربية إسلامية وتناقش مع مصر أكبر بلد عربي التي كانت لديها تداعيات من التدخلات الأجنبية في العراق وأفغانستان وتحويل البلدين إلى مصادر وبؤر للإرهاب، بل إن مسؤول دولي صرح بأن داعش تستورد السلاح من 25 بلدا حول العالم. لذلك لو كانت النظرة موجودة منذ عام 2003 بعد احتلال أمريكا للعراق لما سقطت سوريا والموصل والرمادي وفي سرت في ليبيا، ويضرب الإرهاب سيناء وحتى دول إسلامية في نيجيريا بوكو حرام وفي مالي والصومال فهو يفتك بالمنطقة العربية والإسلامية أكثر مما يفتك بدول العالم. التحالف العربي الإسلامي بغطاء عربي إسلامي لا يعني أنه يمتنع عن قبول مشاركات دولية بل أعلن التحالف عن قبول انضمام أي دولة وهو ينسق مع الهيئات الدولية والدول الكبرى.
بهذا التحالف يعطي الدول العربية والإسلامية حضورا لمحاصرة الدول التي ترعى الإرهاب أو التي تستخدم الإرهاب كورقة في تحقيق أجندتها سواء من الدول الإقليمية أو الدولية، بل يتجاوز التحالف انقسامات كثيرة كانت حاضرة في الجامعة العربية خصوصا عندما ناقشت الجامعة العربية تشكيل القوة العربية المشتركة بعد تشكيل تحالف السعودية عاصفة الحزم بقيادة السعودية. مما يفرض حضور السعودية وقدرتها على تشكيل التحالفات التي تدافع عن قضايا العرب والمسلمين خصوصا بعد نجاحها في تشكيل تحالف عاصفة الحزم، ولن تستطيع أي دولة منافسة السعودية على قيادة الأمتين العربية والإسلامية، وهو التحالف الوحيد القادر على محاربة الإرهاب بخلاف بقية التحالفات التي تشكلت تحت غطاء المصالح.