(المؤمن الفطن) ">
إن المسلمين في أنحاء المعمورة يعانون من داء عضال، وهذا الداء سبب فجوة بين المسلمين وخدمتهم لدينهم، فتجد المسلم لا يخدم دينه إلا إذا كان دارسا للعلم الشرعي أو تخرج من إحدى الكليات الشرعية. وهذا المنطق أدى إلى خسارة كثير من الطاقات الإسلامية ممن يدرس الطب أو الهندسة أو الكيمياء وغيرهم كثير. والحقيقة أن الدين الإسلامي إنما هو بمثابة المفتاح لتوجيه البشرية وطاقاتها إلى المنافع الموجودة في هذه الحياة الدنيا. فإذا استشعرنا أن الدين هو الذي أمرنا أن ندرس الكيمياء والفيزياء والهندسة والطب وغيرها من التخصصات المختلفة، علمنا أن الأمر مختلف وليس كما نظن، قال سبحانه {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} فالدين هو الذي أمرنا أن نتعلم ونتفقه حتى نتمكن من جميع التخصصات ولا نكون متأخرين عن غيرنا.
إن ما أمرنا به ليس الاهتمام بالشكليات والظواهر، فماذا نستفيد إذا أحضر لنا أبوان طفلاً يحفظ أرقام آيات القرآن وموضعها في الصفحات؟ إنه كان من الأولى على هذين الأبوين أن يربيا طفلهما على حفظ وتعلم كتاب الله والأخلاق الفاضلة التي ستؤثر على سلوكه في المستقبل. والأعجب من ذلك أنك تجد من يهتم بهذا النوع من الأطفال ويروّج له على أنه نموذج يجب أن يحتذى به. إننا إذا ما استشعرنا أهمية العلم الحقيقي الذي هو جزء من ديننا فإنه نستطيع أن نؤثر ونتأثر.
إن مالك بن نبي -رحمه الله- في الأصل تعلم علم الهندسة وانطلق في خدمة دينه من هذا العلم، فأثبت للجميع بطلان من يعتقد أن المادة هي المسيرة لهذا الكون، ليس بالكلام والآيات والأحاديث فقط، بل بالأسلوب العلمي الذي يؤمن به الملحدون، وهو بهذه الطريقة استطاع أن يدمغهم بالحجج والبراهين الظاهرة لهم، لأن هذا النوع من البشر لا يؤمن بالكتاب والسنة أصلا فكيف تحاججهم بهما؟ إن هذا الذكاء الحاذق لدى مالك بن نبي لو استشعره المسلمون في تخصصاتهم المختلفة لتغير حال العالم، ولانتشر الفكر الإسلامي في أنحاء المعمورة. فلو اهتم الاقتصاديون الإسلاميون مثلا بتطبيق الاقتصاد الإسلامي الحق لسدنا العالم ولتغير كثير من السياسات الاقتصادية العالمية لما فيه صلاح الإنسان، لكن الواقع الحالي للاقتصاد الإسلامي إنما هو نسخة مالنظام الغربي الرأسمالي مغلفا بغطاء الدين الإسلامي المستند على الأقوال الشاذة والضعيفة.
ولك أن تطبق المثالين السابقين، الأول الناجح لمالك بن نبي والآخر الاقتصاد الإسلامي الوهمي على بقية التخصصات وكيف أنه بالإمكان التغيير إلى الأفضل، وإن المسؤولية تزيد وتكبر على النخب الإسلامية التي تقود العلم والتعليم في مجتمعاتنا الإسلامية. فتعليم النشء أيسر على النفس من تغيير خراب عامر لسنين، قد يكون الدواء صعبا، لكنه ضروري أن نبدأ بهذا المبدأ من المراحل الأولى؛ لأن العفن والخراب بلغ مبلغا عميقا لا يقبل معه التعديل ولا الترميم، ومن سار على الدرب وصل.
الشيخ إبراهيم الأخضر بن علي القيم - شيخ القراء بالمسجد النبوي