سقف يحتضر ">
الإذاعة تُحذر: أمطار شديدة مصحوبة بعواصف رعدية قادمة للبلاد, الرجاء الحذر وتم تعليق الدراسة. التفت ناحية والدتي المتعبة أتأمل وجهها الشاحب، تبدو في الستين رغم أنها لا تزال في الأربعين، أتساءل: هل سيصمد سقف بيتنا؟
أومأت مترددة ثم قالت وهي على سجادة الصلاة بصوت وجل: الله كريم. طُرق الباب فتوجهت لفتحه بما أني الوحيدة القادرة على هذا .أخواي الاثنان مقعدان والوالد متوفى منذ زمن بعيد, لا أذكر شكل والدي بوضوح, أذكر صوته الجهور حين يسلم عند دخوله, رأيت صورا كثيرة له لكن والدتي تقول إنها قديمة.
حين فتحت الباب شاهدت وجه جارنا المبتسم ,يقدم لنا أكياسا من الرز والسكر والطحين. شكرته وعدت بها إلى والدتي التي رفعت اليدين بالدعاء ثم صففتها بالمطبخ. علا صوت رعد من بعيد مما جعل قلبي يدق بخوف. طُرق الباب مرة أخرى ,فاذا برجل من الجمعية الخيرية قد جلب لنا أكياس رز وطحين وسكر ومكرونة.
أخذتها وعدت بها إلى المطبخ لأضعها مع إخوتها. عاد هدير الرعد أقوى فاتجهت إلى والدتي متسائلة: هل سيصمد سقف بيتنا؟ عادت وقالت بخوف وهي لا تزال على سجادة الصلاة: كفي عن القلق، الله ارحم بنا!
ذهبت لأعاين أخويّ، فهما أبكمان ودوما ينظران للسقف ويبتسمان ويصفقان أحيانا ولعابهما يسيل على ذقنهما.
طُرق الباب مرة أخرى فإذا بإمام مسجد الحي يبتسم ويقدم لنا علب زيت وسمن وحلوى, عدت بها إلى المطبخ المصاب بألم المفاصل, يرتجف خوفا مع كل ومضة برق. لم أجد مكانا في الأرفف فوضعتها على الأرض. مرت دقائق ثم هطلت الأمطار الغزيرة ومع هزيم الرعد الهائل أحسست أن البيت على وشك الانهيار.
بدأت قطرات المطر تقوى وتناسب من فتحات السقف ,هرعت إلى المطبخ أجمع القدور والصحون وأوزعها على أرجاء البيت لتجمع قطرات المطر المتسربة لكن القطرات تحولت إلى ماء ثجاجا ومُلئت القدور بسرعة كبيرة ثم سالت المياه على الأرض.
أصوات قطرات المطر كالكرات الكبيرة ,تضرب سقف بيتنا الوهن كعشرات المطارق بوقت واحد. أحسست أن السماء أطبقت علينا. أمي اتجهت إلى إخوتي المقعدين واحتضنتهم واحتضنت أنا الكل, شعرت بالدفء لوهلة, توجهت عيناي لفتحة في الجدار لأرى المياه تتسرب وعينا أخويّ تنظران للسقف ويبتسمان ببراءة.
فجأة علا صوت انهيار هائل, جريت لأرى أي جزء في البيت قد تهالك. على الماء زلت قدمي وسقطت ثم وقفت متعبة متألمة أمشي على ساقي التي اشتعل بها الألم فجأة, لأشاهد بهلع سقف المطبخ انهار كليا، غطى الماء البارد قدماي ,و هدير الرعد فوق رأسي تتخللها دعاء والدتي وضحكات أخويّ الفرحة والمياه تبلل كل الأطعمة التي زارتنا.
- علي محمد الماجد