في عام 2001م أطلقت الأمانة العامة للسياحة في المكسيك مبادرة وبرنامجاً تنافسياً لسلسلة من البلدات التراثية والتاريخية في أنحاء البلاد كإستراتيجية للتنمية السياحية التي تقوم أساساً على الصفات التاريخية والثقافية للمواقع الفريدة من نوعها، حيث يُعنى البرنامج بمنح لقب «البلدة الفريدة» لواحدة من تلك البلدات المرشحة والتي تُقدم للزوار تجربة سياحية فريدة ومميزة عطفا على ميزها التاريخية والثقافية ويعلن ذلك في تظاهرة سنوية كبيرة تتويجاً لجهود المجتمع المحلي في إبراز بلدتهم ومقوماتها السياحية بهدف تحفيزهم لمواصلة الجهود، حيث تضاف البلدة الفائزة لقائمة السياحة الوطنية للبلدات الفريدة وتسلط عليها الأضواء وتحظى بدعم الحكومة الاتحادية والترويج لها كواحدة من الوجهات الرئيسة على خارطة المسارات السياحية، وبحلول عام 2012م وصلت القائمة إلى 83 بلدة فريدة معتمدة، حيث تشير التقارير التنموية إلى أن هذا البرنامج ساهم وبشكل رئيس في إحداث حراك مجتمعي تنافسي كبير أدى إلى نمو مطرد في مظاهر التنمية والتطوير لتلك البلدات التي عادت الحياة لها من جديد.
وفي ضوء المعايير التي يمنح من خلالها اللقب الفريد فإن البلدة الفائزة قد تخسر هذا اللقب وتستبعد من القائمة السياحية عند انخفاض معدل التزامها بها في التقييم السنوي وذلك حرصاً من الحكومة المكسيكية لضمان جودة مستوى الخدمات السياحية.
في المملكة بدأت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني هذا الحراك منذ تأسيسها عام 2000م تفعيلاً لمهمتها الرئيسة بجعل السياحة قطاعاً إنتاجياً رئيسا يُعنى بتعزيز فرص الاستثمار وتنمية الإمكانات البشرية الوطنية وتطويرها وإيجاد فرص عمل جديدة للمواطن السعودي ومن خلال برنامج تنمية القرى التراثية في مناطق في المملكة والبناء المؤسسي لمركز التراث العمراني الوطني وبرنامج المسارات السياحية الإستراتيجية.. حيث أثمرت هذه الجهود عن تحول غير مسبوق في تنمية هذه المواقع وتأسيس ثقافة جديدة حفزت المجتمعات المحلية على العناية بالتراث العمراني والمحافظة عليه والعمل على تبني منهج فاعل للبيئة السياحية التراثية المتكاملة وربط السياحة بالتراث من خلال مسارات وبرامج تنفيذية تستهدف المواقع المُمكّنة محلياً والقابلة للنمو وفق معايير اجتماعية واقتصادية وتاريخية محددة.
على سبيل المثال يمثل إقليم «سدير» في المحور الشمالي لمنطقة الرياض نموذجاً مبكراً لتحقيق معادلة السياحة المعتمدة على التراث العمراني عطفا على ما يمتلكه من منظومة تجمعات عمرانية تقليدية مكونة من عدداً كبير من البلدات التراثية المؤهلة والتي تشهد تنمية مجتمعية ذاتية ومبادرات منظمة لإعادة تأهيل تلك البلدات وتوظيفها واستثمارها بشكل مستدام من خلال مشروعات تم تنفيذها وأخرى دخلت حيز التنفيذ كنموذج مُحتذى لبرامج تنمية القرى التراثية وهذا يؤكد أن الرسالة التي تبنتها الهيئة قبل سنوات قد حققت أهدافها المعنية بتعزيز ثقافة العودة للانتماء إلى المكان لدى تلك المجتمعات.
مسار «سدير» السياحي يبدو قريباً من خصائص النموذج المكسيكي من حيث التوزيع الجغرافي ونمط نشأة المستوطنات البشرية والعمرانية على وادي الفقي ومتاخمتها لمزارع النخيل بشكل منتظم ومتجانس يؤهلها لإن تكون تجربة استثنائية وفريدة على خارطة السياحة الوطنية، خاصة بما يعزز هذا المسار من مولدات تنموية واقتصادية مثل مدينة سدير للصناعة والأعمال وجامعة المجمعة ومحطة سكة القطار، تلك المشروعات التي كانت نتيجة قرارات تنموية إستراتيجية أكدت على دعم تنمية المدن الثانوية، بالإضافة إلى ما تحظى به من مقومات أخرى تكمن في مواردها الجيولوجية في باطن الأرض، وموقعها الإستراتيجي على مستوى شبكة النقل الإقليمي والوطني وعلاقتها الجغرافية بالعاصمة الرياض، وما تمتلكه من نمط متوازن ومستقر للانتشار السكاني على مستوى التجمعات العمرانية المحيطة بها. وهذا ما يُمّكن بإن يكون المسار حاضناً لمستقبل السياحة الوطنية في «إقليم سدير» دون أدنى شك.
- م. بدر بن ناصر الحمدان