م. ربيع عبدالرؤوف الزواوي ">
منح الله تعالى الشرق - لا سيما بلاد العرب - نعماً عديدة لا تحصى ولا تعد؛ فالرسالات السماوية في الشرق، والمناخ المعتدل في الشرق، والشمس الساطعة في الشرق، والكعبة البيت الحرام الذي طاف به الأنبياء جميعاً في الشرق، والبترول في الشرق، والتوابل التي تحسّن مذاق الطعام في الشرق، والأعشاب الطبية التي هي مستودعات الأدوية الخام في الشرق...
وعندما جاءت الحملات الصليبية ودخل الأوروبيون بيت المقدس وبعض مدن الشام الأخرى، وخالطوا المسلمين وجربوا لأول مرة طعم التوابل في الأطعمة التي لا قبل لهم بها من قبل استحسنوها، ولم يستسيغوا طعامهم فيما بعد بدونها.
لم يصبروا بعد ذلك على البقاء بدون هذه التوابل، وعرفوا ان أرضها الأصلية في أقصى الشرق في الهند، فجهزوا الأساطيل لجلب هذه التوابل، ولما فرض العرب عليهم مبالغ يدفعونها مقابل عبورهم موانيهم، استكثروا هذه المبالغ واجتهدوا في إيجاد طريق آخر فكان رأس الرجاء الصالح... وبذلك كان الجاذب الأول هو التوابل.
ومن استكثر هذا الكلام فقد يكون لا يدري أن أطعمة الغرب كانت قديماً أبشع مما يتخيله عقل؛ ولا يزال من هذه البشاعة أثر لليوم، فبعضهم يأكل لليوم لحوم البشر، وبعضهم يأكل اللحم غير ناضج ويستبشع إنضاجه منا، وبعضهم يشرب الدم، وأما أكل لحم الخنزير فمعروف أمره.
وتصور نفسك وأنت تأكل أي طعام تحبه ولوكان طعاماً متمثلاً في أكلة شعبية كالفول أوما يعرف عندنا في مصر بالتحابيش والسلاطات وغير ذلك من دون هذه التوابل.. تصور كيف سيكون؟ تصور نفسك وأنت تأكل اللحم أو الدجاج أو السمك بغير تتبيل؟
والحقيقة أن تقزيح الطعام، وهو ما نسميه اليوم بالتتبيل؛ نسبة للتوابل، هو ما يعطي الطعام نكهة ويحسّنه ويجعله مستساغاً، ولذلك ورد في السنة قول المعصوم- صلى الله عليه وسلم-: (إن الله جعل طعام ابن آدم مثلاً للدنيا؛ فإنه وإن قزحه أو ملحه فانظر إلى أي شيء يصير؟).
لذلك كانت التوابل هي الجاذب الأول..
ثم كان الجاذب الثاني هو البترول، وكلنا يعرف ما حدث ويحدث لنا من جراء هذا البترول، وما مسرحية احتلال أمريكا للعراق يشاركها بعض الدول لحبكة الإخراج، واحتلال افغانستان تحت مظلة الناتو، إلا تأكيدا لهذا الأمر.
بيد أن البترول كان فيما مضى هو مصدر الطاقة الرئيس بعد الفحم والبخار، وهو مصدر غير متجدد؛ بمعنى أنه ينفد، فبدأت أنظار العالم تتجه لمصدر بديل للطاقة لا ينفد، وكان هذا المصدر هو الشمس، فهي مصدر مهم جداً للطاقة، وهو المصدر الواعد في المستقبل.
لكن بلاد الغرب ليس فيها شمس كما في بلاد الشرق، فمتوسط سطوع الشمس في بلادنا 300 يوما في السنة، في حين لا يصل عند الغرب سطوع الشمس لمعشار هذا الرقم، وليست شمساً شديدة الحرارة كما في بلادنا، ولذا أتوقع أن تكون الشمس هي الجاذب الثالث لهذا الغرب، وسيعود للشرق بأي صورة، لاستغلال الشمس التي فرطنا في الاستفادة منها.
كل ما تقدم من كلامي على هذه الجواذب المادية الثلاثة لا يستقيم الاقتناع به إلا إذا أبعدنا أنفسنا عن فكرة أن للغرب مآرب أخرى لاستهداف المسلمين والإسلام وبلاد المسلمين لا تخفى على لبيب.
فحبذا لو تنبه بجد من بأيديهم أمرنا في بلاد الشرق للاستعداد لهذا المستقبل، ووضع الخطط الاستراتيجية له، وتطوير هذه التقنية، وإنفاق المال والجهد في مراكز البحوث وكليات الهندسة في جميع الجامعات العربية ولاسيما في مشروعات التخرج، وإرسال الباحثين والدارسين للغرب للتخصص في هذا الأمر، والاستفادة مما وصلوا إليه.
فقد رأيت بأم عيني في بعض البلاد الأوربية من طبّق هذه التقنية على مستوى شخصي - أقول على مستوى شخصي؛ أي أفراد هم من قاموا بذلك وليس مراكز بحوث او مؤسسات حكومية - فأنضج به الطعام وسخن المياه وشوى اللحم، والناس ينظرون ويصفقون.
ومن الطريف أن مشروع تخرج كاتب هذه المقال في كلية الهندسة جامعة الإسكندرية كان في تخصص تحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية، وكان متحمساً وقتها للموضوع، وتوصل والفريق معه لصنع نموذج مصغر لمصنع صغير لا تتجاوز مساحة استقبال الشمس فيه مترا مربعا واحدا، وباستخدام بعض المعادلات الرياضية، توصلوا لأفضل زاوية ميل لهذا السطح الذي توجد تحته مياه البحر المالحة، فتسقط أشعة الشمس على اللوح الزجاجي، وتُحبس تحته؛ فترتفع درجة الحرارة؛ فتتبخر المياه وتتكاثف على لوح الزجاج الذي يبعد قليلاً عن المياه بميل بسيط، فتتجمع قطرات الماء المتكثف في أسفل مستوى اللوح الزجاجي، ويتم نقلها إلى خزان استقبال الماء المحلّى عبر ماسورة، وكانت كمية الماء المحلّى الذي أنتج بهذا النموذج الصغير قد تجاوزت 5 لترات في اليوم رغم أن تنفيذ المشروع وقتها كان في فصل الربيع وليس في الصيف.
نتمنى أن يأتي اليوم الذي نرى فيه بلادنا تتجه اتجاها حقيقيا للاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الجبارة في توليد الكهرباء وغيرها من وسائل الطاقة النظيفة.
وعلى الله قصد السبيل...