عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري ">
سلامة القلب عبادة يغفَلُ عنها كثير من الناس, أولا يستطيعونها, ذلك أنَّ فيها سلامة لقلب صاحبها من أدران الآثام, وأعظمها الشرك بالله, وسلامة للقلب من ثِقَلِ الحقد والحسد والغل, وسلامة للقلب من الشهوة المحرَّمة، وسلامة للقلب من الغفلة عن ذكر الله تعالى, وسلامة لدين المرء من أن يشوبه آثامٌ يبوء بها يوم القيامة, قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} قال ابن جرير الطبري -رحمه الله- عند هذه الآية: (والذي عني به من سلامة القلب في هذا الموضع: هوسلامة القلب من الشك في توحيد الله، والبعث بعد الممات, وساق بسنده عن ابن زيد: سليم من الشرك, وأما الذنوب فليس يسلم منها أحد).
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: (ولا تتم سلامة القلب حتى يسلم من خمسة أشياء: من شركٍ يناقض التوحيد، وبدعةٍ تخالف السنة، وشهوةٍ تخالفُ الأمر، وغفلةٍ تناقضُ الذكر، وهوى نفس يناقض التجرد من شهوات الدنيا، وهذه الخمسة حُجُبٍ عن الله تعالى, لا بد للمسلم من التخلص منها بالاستعانة بالله- عز وجل).
إنَّ سليم القلب, من خير الناس, عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما, قال: قُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟، قَالَ: «ذوالْقَلْبِ الْمَخمُومِ، وَاللِّسَانِ الصَّادِقِ» قَالَ: قُلْنَا قَدْ عَرَفْنَا اللِّسَانَ الصَّادِقَ فَمَا الْقَلْبُ الْمَخمُومُ؟ قَالَ:»التَّقِيُّ النَّقِيُّ الَّذِي لا إِثْمَ فِيهِ، وَلا بَغْيَ، وَلا حَسَدَ» قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَنْ عَلَى أَثَرِهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَشْنَأُ الدُّنْيَا وَيُحِبُّ الآخِرَةَ» قُلْنَا: مَا نَعْرِفُ هَذَا فِينَا إِلا رَافِعَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ عَلَى إِثْرِهِ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ فِي خُلُقٍ حَسَنٍ» قُلْنَا: أَمَّا هَذِهِ فَفِينَا.
قال ابن رجب -رحمه الله-: (فأفضل الأعمال: سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها، وأفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء والبدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة, وبغضهم والحقد عليهم، واعتقاد تكفيرهم أوتبديعهم وتضليلهم، ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين، وإرادة الخير لهم, ونصيحتهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه).
وقال بعض السلف: (أفضل الأعمال سلامة الصدور، وسخاوة النفوس, والنصيحة للأمة، وبهذه الخصال بلغ من بلغ، لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة).
وقال ابن القيم -رحمه الله-: (وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا, وكلما كان العبد أشد رضا كان قلبه أسلم, فالخبث والدغل والغش: قرين السخط, وسلامة القلب وبره ونصحه: قرين الرضا, وكذلك الحسد: هومن ثمرات السخط, وسلامة القلب منه من ثمرات الرضا).
مما ينافي سلامة القلب:
أولاً: الشرك بالله, والنفاق الاعتقادي, وهوأعظمها, وينافيان سلامة القلب بالكليَّة.
ثانياً: الطعن في الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
ثالثاً: الرياء.
رابعاً: الغل والحقد على المسلمين.
إضاءة: سلامة القلب عنوان على سلامتك في الحياة الأولى, وفي الحياة الآخرة, فسلِّم قلبك من أدران الشرك والبدع والآثام والمعاصي, ومن أن يكون فيه غلٌّ أوحقدٌ أوحسد على أحد.
- خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير