د. هلال محمد العسكر ">
ازداد دور الحكومة في مجال تزويد السكان بالخدمات المحلية الأساسية كالتعليم والصحة والمياه والكهرباء وشبكات النقل... إلخ، وقد أدى هذا التزايد في المسؤوليات إلى تركز سلطة صنع القرار التنموي في يد الحكومة، مما نجم عن هذا الوضع ثغرات ومشكلات تنموية عديدة كان من أهمها: ازدياد حدة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية المكانية، سواء على مستوى المناطق أو المحافظات أو المراكز وغيرها من التجمعات السكانية، تأخر البت في قضايا المواطنين، تفشي البيروقراطية وإعاقة التنمية المحلية، الأمر الذي جعل الهيئات الأهلية والشرائح السكانية في كثير من الأحيان غير راضية عن القرارات التنموية المركزية؛ نظراً لأن هذه القرارات غالباً ما تكون بعيدة عن حاجات ومشكلات ومصالح السكان المحليين في المستويات المكانية المختلفة.
غني عن القول: إن الدولة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تسعى لتطوير الإدارة المحلية بالاعتماد على مرتكزين أساسيين: أولهما تطوير نظام الإدارة المحلية لدعم اللامركزية، وثانيهما بناء قدرات العاملين في الإدارة المحلية وتأهيلها تأهيلا عصريا، وذلك لإدراكه- حفظه الله- أن المملكة ذات مساحة شاسعة ومترامية الأطراف وذات نمو وتطور سريع في كافة المجالات، وبالتالي لم تعد المركزية الإدارية في تقديم الخدمات تمثل الحل الأنسب لتلبية حاجات المواطنين وإنجاز وحل قضاياهم بالسرعة المطلوبة وإسعادهم وكسب رضاهم، وإن التخلي عن المركزية وتوسيع دائرة السلطات والصلاحيات وتفويضها ونقلها إلى المناطق والمحافظات والمراكز سيمكن الأجهزة الأخيرة من مزاولة عمل الدولة فيما يخص تنفيذ ومتابعة وتسيير الشأن العام للوطن والمواطن بشكل أسرع وأفضل، وبخاصة إذا ما صاحب ذلك توفير المتطلبات المالية الضرورية اللازمة للتنمية المحلية، مما يمنح هذه المناطق الإدارية نوعا من الاستقلالية في تسيير شؤونها الداخلية تحت إشراف ومراقبة السلطة المركزية.
صحيح أن التحول من المركزية إلى اللامركزية يتطلب بنية تنظيمية، ولكن هذا- ولله الحمد- متوفر في جميع المناطق والمحافظات والمراكز، حيث توجد التقسيمات والتشكيلات الجغرافية والتنظيمات الإدارية والبعد المؤسسي والمصالح المحلية الذاتية التي تتمتع بالشخصية المعنوية ذات الموازنات الخاصة، فإلى جانب المرافق التي أمنتها الدولة (كالتعليم والصحة والدفاع المدني والبريد والقضاء.. إلخ)، توجد أيضا خدمات أمنتها الإدارات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني المحلية كتوزيع الكهرباء والماء وغيرها من الخدمات، هذا بالإضافة إلى توفر المجالس الإدارية المحلية المنتخبة؛ بمعنى آخر أن كل مقومات التحول من المركزية المطلقة إلى اللامركزية تحت إشراف مركزي موجودة ومكتملة، ولا ينقصها إلا حسم وعزم في اتخاذ القرار.
إن التحول الإداري من المركزية إلى اللامركزية في تقديم الخدمات للمواطنين سيساعد على الإفادة من القدرات المحلية لتلبية الاحتياجات الأساسية، وسيقلل من التباينات والفوارق الاقتصادية فيما بين المناطق والمحافظات والمراكز، وسيقرب الإدارة من السكان عن طريق خلق هياكل محلية لإدارة الشأن العام المحلي، هذا بالإضافة إلى تفعيل دور المشاركة الشعبية في جهود التنمية المحلية، والتي تقود إلى مشاركة السكان في جميع الجهود المبذولة لتحسين مستوى معيشتهم ونوعية الحياة التي يعشونها معتمدين على مبادراتهم الذاتية، بل وزيادة التعاون والمشاركة بين السكان مما يساعد على نقل المواطنين من حالة اللامبالاة إلى حالة المشاركة الفاعلة وزيادة الحرص على المحافظة على المشروعات التي يساهمون في تخطيطها وتنفيذها.
نعم هناك جهود بذلت في تقديم الخدمات الالكترونية التي أسهمت بشكل فاعل في سرعة تقديم بعض الخدمات للمواطنين، ولكن ذلك لا يعتبر بديلا عن التخلي عن السلطات الإدارية المركزية لصالح إدارات التنمية المحلية، فالمواطن لا يزال يطمح في أن يكون التحول إلى اللامركزية الإدارية أسرع وأشمل مع كامل الصلاحيات، بحيث يقتصر دور السلطة المركزية على الإشراف والمتابعة.