إن من أفعال التواصل المحمودة بين الذكور والإناث ما قد كتبه الله على بني آدم من شؤون الزواج. والذي هو مجموعة علاقات ارتباطية وتفاعلية وانفعالية وكلما كانت على قدر من التوازن في تلك المجموعة العلاقاتية كلما كانت على قدر من النجاح وكلما انحرفت على مسارات التوازن فيها كلما أنتجت متسلسلة جديدة من الصدامات والطلاقات والشكوى والجنايات إنني وكوني أحد المستشارين في الشؤون الإجتماعية فإني أراقب عن كثب في تلك العلاقات بين الأزواج والزوجات، وكل يوم وآخر وبعد كل قصة وآخرى؛ تتأكد لدي أن هناك نسبة ليست بقليلة من الأزواج والزوجات وإن وجدوا تحت سقف واحد إلا أن كل واحد منهم في واد يهيم. وادٍ قانونه المطبق بكل شدة وحزم (أيها الشريك؛ يستحيل عليك أن تمشي معي في الوادي الذي يخصني)!
إن قصور الوعي أحد أكبر المهددات التي تعصف بالأزواج والزوجات وعندما نقول (الوعي) فلا يعتقد أحد منكم بأن شهاداته الجامعية أو ما بعد الجامعية هي دليل وعيه، وبالتالي يكون في غنى عن كل توجيه وإرشاد، إذ سمعت العديد من الزوجات من يرفض زوجها مكالمة هاتفية مع مستشار زوجته لا لشيء؛ فقط لأنه هو حاصل على كذا وكذا من الشهادات وهذا بالضبط ما نقصده من قصور في الوعي. إن من الإيمانات التي تشكلت لديّ حول الزواج بأنه: إدارة تفاعلات وانتباه نحو الاهتمامات ودعونا نفصل بعض الشيء في هذا الأمر أكثر؛ فعندما أقول بأن الزواج هو: (إدارة تفاعلات) فمن المعلوم بأن الزواج هو مجموعة تفاعلات وعليه فمن المهم أن تكون تلك التفاعلات تسير في غالبها بشكل متواز ولا تتوقف فتتكوم وأيضا لا تتقاطع فتتطور العلاقة من تفاعل إلى انفعال فيصاب النسق العلاقاتي بتوتر وانحشار ولنتصور بأن مسار التفاعل إنما هو كمسار السيارات في الطرقات فإذا تعطلت إحدى السيارات فإن بقية السيارات ستتكوم لتسد الطريق؛ فيتأخر من يتأخر عن العمل وتفوت الطائرات على المسافرين وتلغى مواعيد المستشفيات وغير ذلك، وما كان ليحصل كل هذا لو لم يحصل تكوم/انسداد في المسار وهكذا الأمر في الحياة الزوجية فإن التكومات التي تصيب التفاعلات تساهم في توتير الأمور وتأزيم المواقف وخنق الأنفاس وتفويت البهجات وتعكير للسير المطمئن وإخراج أشباح الأنا من التكبر والتشاوف والغضب. والأمر الثاني في المعادلة هو أن الزواج (انتباه نحو الاهتمامات) وأقصد بذلك بأنه من المسلم به في الحياة الأسرية وجود قائمة اهتمامات لدى الزوج ربما لا تماثل ولا تطابق تلك الموجودة عند الزوجة وهذه القائمة متى ما التفت إليها كلا الزوجين وانتبها لها فإن ذلك سيرفع معدلات التفاعل الخلاق بينهما بشكل مذهل ويزداد الجمال بشكل مدهش وآمل أن ينتبه القارئ الكريم إلى أنني قلت (انتباه) فنحن نقبل بعدم تماثل الاهتمامات وتطابقها ولكن لا نقبل بالغفلة أو إسقاط تلك الاهتمامات بالكلية وعدم اعتبارها وربما سائلا يسأل فيقول: ما الفرق بين الانتباه للاهتمام والغفلة أو إسقاط الاهتمام؟ ونقول بإن الفرق بينهما يكمن في مسألة الإشباع بمعنى أنه عندما أنتبه لاهتمامات زوجتي/زوجي فإنني حينها سأشبع ذلك وإن كان ليس على قائمة اهتماماتي وأما إن فقدت الانتباه لاهتمامات الطرف الآخر فإن ذلك سيجعل أحد الطرفين يريد الإشباع والآخر بعيد كل البعدن فكرة الإشباع لأنه لا يراه وغير منتبه له الأمر الذي يشكل علاقات تأزم وهذه نلاحظها في العلاقة الجنسية فإن غاب انتباه أحد الزوجين عن تلك الممارسة فإنه يجعل الآخر يصاب بخيبة آمل حتى وإن لم يتحدث بها علما أن الأكمل والأجمل والأمثل أن يتشارك الزوجان في أغلب اهتماماتهم وهذه من الممكن أن تحدث إذا تعلما فنون العيش الطيب وإدراك فكرة (هنا والآن) وهو ما تحدثت عنه في مقال سابق بعنوان أمسك عليك لحظتك مما يغني عن الإعادة.
إننا عندما نتحدث عن الوعي بالزواج فإننا نتحدث عن أمر جَلَلٍ وقضيةٍ كبيرة تستحق منا بذل الكثير والكثير من محاولات الاقتراب من فهمها ومن ثم احتوائها لأننا إذا فعلنا ذلك استطعنا أن نعيش بمستوى عال من السكينة والسلام وكذلك أمكننا ذلك من نقل تلك التجارب إلى من بعدنا من الأجيال الصاعدة. إن الآوان قد آن أن تبذل وزارة الشؤون الإجتماعية برامج نوعية تساهم في رفع الوعي الزواجي وأن لا يقتصر دورها فقط على دورات المقبلين على الزواج وأن تقوم بدخول البيوت عن طريق إعداد برامج فاعلة وتفاعلية من خلال القنوات الفضائية وبشكل ممنهج مما يرفع ويحقق التماسك الأسري في مجتمعنا. إننا أمام قضية أتصور أنها لا بد أن تكون هي الأولى في التفكير والتمعن وإقامة حلقات الحوار والجلسات العلمية لطرح أفكار وخطط تساهم في المساعدة للخروج من مستنتقعات التوترات والزواجات الفاشلات إلى حقول السكينة المليئة بالوعي والجمال والسلام والحب والنور وليبارك المولى نوايانا وزوجاتنا وأزواجنا وذرياتنا ومجتمعاتنا ويبارك لنا في كل ما آتانا.
عبدالرحمن العواد الشمري - المستشار في الشؤون الاجتماعية