حكاية صحفي يمني في سجون «الحوثيين» ">
البحث عن تهمة!
كنتُ صديقاً مقرباً للكثير من القيادات الأمنية المتعاقبة في محافظتي، منهم مدير المباحث العامة وهو عقيد أسمر من محافظة الضالع الجنوبية اسمه: محمد الحدي، أكلت معه أكثر مما أكلت في منزلي، قضى سنوات من عمره مديراً لمباحث صعدة الشمالية قبل بدء الحروب الست التي شنتها قوات النظام على المتمردين الحوثيين في 2004 حتى 2010م، وقد شمله تغييرٌ حكوميٌ اشترطه الحوثيون لإدارة مشروع الانتخابات الرئاسية بكفاءة في العام 2006م، قال لي هامساً إنه يعرف كل قادتهم الذين نراهم اليوم يتبجحون على الشاشات، منهم «أبو علي الحاكم» الذي سجنه في إدارة مباحث محافظة صنعاء لثلاثة أشهر بتهمة تهريب المخدرات، سألته: كيف كانوا؟، ابتسم قائلاً: «مناضلون»!!، وضحك، ثم غادر!.
- لن أبتئس، غير أني أشعر بجرح غائر لن يندمل بسهولة.. كل ما في هذه الحياة تجربة تصقلك كالسيف، وكان عليّ معرفة مَنْ حولي، تساقط الكثير، الواحد تلو الآخر، وبقي من لا أتوقعهم.. أخبرني المحققون بأن القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي صرخت في وجوه الحوثيين مطالبة الإفراج عني، قلت ببرود: لِمَ لمْ تعتقلوا أولئك الذين اقتادوني إلى هنا، إنهم الخاطفون!، عض المحقق شاربه الكث وقال: لا أحد أوصلك سوى عناد قلمك المكابر؟!، ناصحاً: لا بُدَّ أن تفهم الواقع!، وإلا سيدمرونك، إنهم بلا رحمة، سيهيلون عليك التُهم حتى تدفنك!.
الحلقة الثانية
- فليفعلوا.!.
- فتح الضابط المناوب محضر تحقيق جديد وقدم لي خطاباً من شخص يُدعى «هادي القحص» وهو سعودي الجنسية ينتمي إلى الطائفة الإسماعيلية، كان أحد الحاضرين في انقلاب الحوثيين الدستوري في 6 فبراير 2015م بقاعة القصر الجمهوري بالعاصمة صنعاء، عرفته مصادفة مع الشيخ عبد الكريم المقدشي في مائدة طعام دُعي إليها بعض من قيادات العمل السياسي والإعلامي، وكان مهتماً لكتاباتي في صحيفة «اليمن اليوم»، قائلاً: إن بإمكاني أن أكون أكثر حضوراً وتأثيراً من خلال تعاوننا المأمول مع جماعة «أنصار الله - الحوثية»، ودار بيننا نقاش طويل في ذلك اليوم عن أهمية دور الدولة في تحقيق أي مكاسب ديمقراطية أو تعزيز دورها الأمني دون الحاجة إلى الاستقواء بالميليشيا لضرب ميليشيا أخرى، تضمنت الرسالة التي بعث بها إلى مشرف الحوثيين بالمحافظة اتهامي بالاستيلاء على ثلاثمائة ألف دولار من أمواله!، وكانت بتاريخ يوم غدٍ (اليوم التالي للذي نحن فيه) «10 فبراير»، تفاجأت بالتهمة وسخرت منها، قلت للمحقق: لو كان هذا المبلغ في حوزتي لكنت الآن في «زُحل» استمتع بحُـمرة الأجواء مع إحدى فتيات السينما الجميلات، وما كنت أمامك مُـختطفاً ومُـهاناً، هذه ذريعة سافرة لتشويه سمعتي وتدمير نزاهتي الشخصية من قبل جماعة تمتهن اللصوصية وقتل الناس ونهب مؤسسات الدولة بما فيها القضاء والنيابة وأجهزة الأمن، وتكوين مؤسساتها الثورية الخاصة تحت ظلال تلك المؤسسات الشرعية الرسمية في محاولة لتحقيق وعي زائف من خلال تكميم أفواه الشهود وتحويلهم إلى مذنبين، وكررت طلبي بالإفراج الفوري، كان المحقق يكتب ما أمليه عليه، إلا أن كبيرهم رفض إخلاء سبيلي، مُتذرعاً باجتهاده الشخصي للسيطرة على غضب الحوثيين وإقناعهم في الصباح لإطلاق سبيلي، وأما الآن فأنا سجينهم وهو عبد المأمور!، حدثته كمتفاصح لحوح، قلت: إنهم يستخدمونكم لممارسة جرائمهم واختطاف الصحفيين الذين يخالفونهم ويرفضون استيلاءهم على الدولة.. لم يقتنع المحقق بكل ردودي، وقد رثى لحالي وأعطاني قطعة بسكويت وعلبه حليب كانت في جيب معطفه الشتوي.
- كنا في غرفة واسعة مجاورة لغرف التعذيب، رموا لي بفراش إسفنجي مقطع، وبطانية لا تغطي نصف جسدي، شعرت بالبراغيث تمتص دمي، وكنت أهرش جسدي كالمجنون الضال، منعوني من مهاتفة زوجتي وأولادي، أو حتى الذهاب إلى دورة المياه، لا أحد يعرف مكاني إلا من اختطفني من داخل محل ألبستنا الجاهزة، أوصد الضباط المحققون باب الغرفة الفسيحة بالأقفال، وتركوني وحيداً.
- جاء الصباح ببعض الزملاء الذين أبلغهم المحافظ بمكان احتجازي، يلبسون عبارات التنديد بجريمة الاختطاف على صدورهم، ويلتقطون الصور، كان يوماً صعباً وحافلاً بالزيارات المكثفة الجميلة، وفي المساء حضر الحوثيون إلى مبنى السجن كسرب خفافيش، أعادوا التحقيق معي بتواجد ضباط المباحث العامة الذين ابتلعوا ألسنتهم، وهم يشاهدون إذلال مواطن ومحاصرته ومحاولة تدميره، لم ينبسوا ببنت شفة، ولغوا أياديهم في إناء الخيانة تبرؤاً من آثام اعتقالي الذي شنته وسائل إعلامهم المضادة.
- حتى قنواتهم التلفزيونية، كتبهم، صحفهم، صفحاتهم على فيسبوك، مدوناتهم.. كل شيء كان ينطق بالكراهية ضد الجمهورية، ويسحق كل من يعترض على ذلك، كل ما كنا نسمعه منهم عن الدولة المدنية، الحرية، الثوابت، القيم، طارت كـ «شُبَّابَةٌ فِي شِفَاهِ الرِّيحِ تَنْتَحِبُ» فتشوا في كل الأماكن بحثاً عن تهمة حقيقية، عن شُبهة يتعلقون بها لتشويه سمعتي وصد غضب الناس عليهم ولو كانت مجرد مخالفة صغيرة في رخصة شرطة السير.
- قال المحامي الذي تطوع للدفاع عني انه يجب إخلاء سبيلي فوراً، ومعاقبة الحوثيين لانتحالهم صفة مأموري الضبط القضائي وتلك جريمة جسيمة يُعاقِب عليها قانون العقوبات اليمني المنصوص في المواد 246، 247، 253 و254، وكان على المباحث العامة إدانة الحوثيين لا إفساح الطريق أمامهم.
- أصدر وكيل نيابة غرب ذمار القاضي «أحمد القيز» أمره للمباحث العامة بالإفراج الفوري، وألّا وجه لإقامة الدعوى، رفض العقيد «محمد الحدي» تنفيذ ذلك، واتصل بـ «أبو حمزة» المشرف الحوثي المباشر عليه يشكوه ما أمرت به النيابة، ويتساءل ماذا يفعل حيال ذلك!، كان هناك إصرار حقيقي على الإساءة إليّ بأي تهمة، تبرير سجنهم، واختطافهم!.
- بعد أن أصدرت النيابة العامة أمراً بتبرئتي وإخلاء سبيلي، تلقى وكيل النيابة تهديداً هاتفياً شديد اللهجة من مشرف الحوثيين بالمحافظة وكنيته «أبو عادل» وقد كان أحد الشباب «المناضلين» الذين اعتقلهم النظام السابق في صعدة بتهمة التحرش الجنسي مع المراهقين وتهريب المخدرات، اسمه الحقيقي «عبد المحسن عبد الله محسن قاسم طاووس» رقم بطاقته الشخصية 10010090581 من مواليد محافظة صعدة - مديرية مَجْز، وادي فله، بتاريخ 2 أبريل 1979م، اختاره محافظُ ذمار المعين من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي وكيلاً للمحافظة دون أن يصدر بتعيينه قرارٌ جمهوري وأصدر له بطاقة عمل رسمية برقم 172، كما أوكلت إليه مهام الإشراف الأمني والإداري والمالي على مختلف المؤسسات والمرافق الحكومية بتواطؤ شخصي من المحافظ «حمود عباد».
- رفع وكيل النيابة محضراً يُثبت فيه واقعة التهديد رسمياً، ويوضح أن مشرف الحوثيين توعد بسجنه كما سجنني!، وصلتني نسخة المحضر من الزميل الشهيد «عبد الله قابل» الذي سجنه الحوثيون بعد ذلك بأشهر في داخل موقع حكومي يُستخدم لتخزين الأسلحة بجبل «هران» المطل على المدينة، وقد تعرض المكان للقصف مما أودى إلى استشهاد «قابل» وعدد من زملائه الناشطين والسياسيين، وظل حياً تحت ركام المبنى لأسبوع يصارع الموت حتى تأكدوا من وفاته ومن معه، بلغني الخبر حين وصولي إلى العاصمة السعودية «الرياض»، فانتحبت كأمٍ فقدت رضيعها!.
- رفض الحوثيون الإفراج عني، مازالت أسيرهم في زاوية مظلمة بداخل تلك الغرفة الفسيحة، تجرعت الويل والمتاعب النفسية، مَنَعتْ إدارة المباحث العامة زيارتي، وتحول أغلب جنودها إلى جواسيس يسجلون اتصالاتي المحدودة عبر هواتفهم غير الذكية،، بعد أيَّام جاء ممثلون عن قبيلتي «الحدأ» يطالبون الإدارات الأمنية إخلاء سبيلي أو تسليمي صراحة إلى الحوثيين والكف عن مهازل الادعاءات الكاذبة التي يسوقونها لتمرير ترويعهم بمعارضيهم، وفي منتصف اليوم الثالث دخل عدد من الحوثيين إلى زنزانتي بقيادة «نبيل الزيادي «ذلك البغيض الذي سلمني إلى المباحث، تأكدت لاحقاً من انتمائه إلى قوات الحرس الجمهوري، وبكونه أحد الذين ينفذون المهمات القذرة للنظام السابق، انتشرت صُوره على سرير غرفة نوم القيادي المعارض البارز «محمد قحطان» رئيس الدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح الذي لم يُعرف مصيره حتى الآن، ويُـعتقد أن يكون ذلك الوغد «الزيادي» مسؤولاً عن اختطافه وإخفائه بأوامر مباشرة من الحوثيين وصالح.
- لما جاءني مُخزناً، ظننت لبرهة أنه يبرر ما فعلوه بي، أو جاء يؤنس وحدتي ويشاركني مقيل القات، وبعد ساعة تقريباً وصلت وحدة أمنية تابعة لهم، وتم تقييد يديّ إلى قدميّ بأصفاد حديدة وتثبيتي جيداً إلى عمود حديدي وسط عربة مكشوفة، تقافز الملثمون المسلحون حولي وانطلقت السيارة من خلف المبنى عبر طرق فرعية وعرة، كنت أزوم متحصَّنًا بانكماشي في زاوية السيارة، وأخجل أن يراني أحد المارة على ذلك الوضع المهين، قلت لأحدهم: إلى أين؟!
- إلى جهنم الحمراء!.
- ابتسمت مرغماً: أنا وأنت، وإلا وحدي!
- أجابني وقد بدا أنه غاضباً فعلاً: اسمع والله لو تزيد بالفلسفة لا أكسر فمك!.
- امتقع وجهي، وابتلعت لساني، ذهب بنا السائق المتهور إلى بوابة الأمن السياسي في المحافظة، ظللنا طويلاً داخل فناء المبنى وأنا مقيد على حالي، أتذكر مشاهد وروايات الرعب التي حدثني عنها معتقلون سابقون في هذا المبنى الإجرامي المخصص لتعذيب السياسيين والإعلاميين في عهود ما قبل الوحدة اليمنية، كان بعض الضباط يتحركون باتجاهي، وكنت صامتاً شاحباً، ظامئاً وبقايا القات في فمي، بعد نصف ساعة غادرنا، شعرت أن هناك اتصالات مكثفة تبحث مسألة نقلي إلى مكان مجهول بعيداً عن تهديدات قبيلتي التي لم تفعل شيئاً، فقد كانت كغيرها من القبائل اليمنية مصدومة ومشدوهة من انهيار الدولة وتمدد الحوثيين الهاشميين وخروجهم من جلابيب الذلة والمسكنة إلى رداء الفخار وغرور اللحظة والموقف والموقع.
- وصلنا إلى بوابة السجن المركزي بالمحافظة، تقافز الحوثيون الملثمون وأحاطوا بي، وتقدم سائقهم بورقة إلى الضابط القصير المناوب وكان من «أبين» جنوب اليمن، صحت في وجهه: اعتقلهم إنهم خاطفون!. تجاهلني ساخراً، وسألني عن اسمي ومهنتي وعملي، كان يدون ذلك في محضر كبير مخصص لمعلومات السجناء، وفي باب «جهة الضبط» كتب: أنصار الله!!.
- لم أتخيل يوماً أن تعتقلني جهة ما، وتذهب بي إلى السجن الكبير، كنت أظن بوجود تأثير قوي لدى أصدقائي، بأنهم أوفياء، وبأني لست ذلك المذنب الفاحش لأساق إلى العقوبة، اهتزت كل الصور تقريباً، مئات الأصدقاء اختفوا، غابوا عن واجب الفضل للصحبة، وقول الحقيقة، كانت لقمة العيش تطاردهم، الوقوف بشهامة مع صديق يشنق معنوياً ليس أمراً يشكل أولوية في حياتهم!.
- الصدمة المروّعة التي سحقتني داخلياً جاءت من رفاقي المقربين، تخلوا عني كأنهم لا يعرفونني، ولم أعد أفرق بين قيادات المؤتمر الشعبي العام أو لجان الحوثيين الشعبية التي يرأسها «محمد علي الحوثي»!، لا أحد كان إِنساناً، حتى «صالح» الذي اعتبرته يوماً أباً، وصله نبأ اختطافي في مقيله الأسبوعي، وكان راضياً عنه، تحدث بشيء يشبه مباركة الاختطاف، قال لي «عبد الغني جميل» محافظ صنعاء السابق ان شيخاً قبلياً يُدعى «جليدان أحمد» أبدى استعداده للتدخل وإخراجي، فنهره «صالح» الذي وجّه خطابه إلى الجميع «يستاهل.. قلنا له يهدأ، مارضاش، ونحن لا نريد فتح جبهات أخرى، وقد أحرجنا مع أنصار الله كثيراً»!!.
- التحالف المرذول الذي أنشأه «علي عبد الله صالح» سِراً مع الحوثيين دمر كثيراً من السذج الذين تعلقوا بآمال الجيش المتبقي لحماية المكتسبات الوطنية، وكان كل شيء مباحا لديهم، حتى الجمهورية والوحدة التي حققتها إرادة شعب، فتك بها!، المؤسسات الرسمية، المحافظات، القانون، الدستور، الإدارة، وكرامة القيادات التنفيذية العليا التي كانت تخضع له، وتؤمن بأهمية عودة نجله «أحمد» إلى السلطة خلفاً لتيار الرئيس: عبد ربه منصور هادي، لم يراع «صالح» شيئاً منها، وكنتُ فيما يبدو «الحلقة الأضعف» التي اظهر الحوثيون بأسهم عليها، واكتفت قيادات الإعلام الرسمي والحزبي بتكرار بيانات الإدانة المتوحشة، حتى ان أحد أعضاء مجلس نقابة الصحافيين اليمنيين طالبني بصياغة بيان رسمي من السجن ليتم نشره باسمهم!.
- قبل سبعة أيَّام من اختطافي كنت صباحاً في منزل الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» و»عارف الزوكا» الذي تولى مهام الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام خلفاً للرئيس عبد ربه منصور هادي في انقلاب واضح على اللائحة الداخلية للحزب يشكوني مباشرة إليه بسبب مقالاتي المتسلسلة على الحوثيين، وثلاثتنا على طاولة واحدة نشرب القهوة، اتصل بي عبد الله الحضرمي رئيس تحرير صحيفة «اليمن اليوم» يهددني أنه (سيكسر) يدي إذا ما واصلت الكتابة على الحوثيين!، وكنت أقود سيارتي في شارع صخر بعد خروجي من منزل «صالح»، ذهبت إلى منزله وتفاجأت بالكثير من صور «عبد الملك الحوثي» مُلصقة على باب شقته القريبة من مبنى الصحيفة في إحدى شوارع حي «حدة» بالعاصمة صنعاء. وقلت له ساخراً: مع من تعمل؟ صالح أم الحوثي؟!، ضحك بقوة ولم يعلق، أراد بِصَمّته أن يجعلني أبدو مغفلاً حقيقياً.
- عشية ليلة الاختطاف نشرتُ مقالاً على الموقع العربي الشهير «ميدل إيست أونلاين» يناقش فرضية انقلاب داخلي بجماعة الحوثيين تزامناً مع إعلانهم البيان الدستوري في 6 فبراير 2015م الذي غاب عنه أهم القيادات الحوثية أمثال صالح هبرة ومهدي المشاط وصالح الصماد وحسين العزي بعنوان «هل أصدر عبد الملك الحوثي إعلانه حقاً؟»، حيث اكتفى «المعلنون» بمن حضر من شخصيات لا تمثل وزناً سياسياً أو أخلاقياً، وعدداً من المراهقين الذين تشيخوا في عهد «صالح»، وإعلاميون مغفلون يتقدمهم الراحل «عبد الكريم الخيواني» الذي اغتيل من مجهولين في أحد شوارع العاصمة صنعاء بعد ذلك بأسابيع قليلة .
* * *
- شاهدت الحوثيين يغادرون مسرعين بسيارتهم كما جاؤوا إلى باحة السجن المركزي الترابية، حاولت أن اقدم نفسي إلى الضابط المناوب بصورة لامعة، أخبرته بأن مدير السجن صديقي ويمكنني الجلوس في الاستراحة الخارجية بعيداً عن الاختلاط المباشر بالسجناء المخيفين!، كان الضابط أسمر متعجرفاً ليس لشيء ولكن لأني سجين الحوثيين!، أشار بيده إلى بوابة السجن الكبيرة يحثني على التقدم إليها، شعرت بغصة تخنقني، كنت أرتجف، لا أعرف ماذا أفعل، من العار أن يتحكم الحوثيون في مصيرنا، وتسطو ميليشياتهم على رأس الدولة، وقصر الجمهورية، وعلم الوحدة.
- للسجن بوابات ثلاث.. رئيسية تطل على الباحة الواسعة ولا تُفتح إلا في أوقات الظهيرة ولساعات فقط، والثانية داخلية عليها قضبان حديدية، وما بين الأولى والثانية يجلس الزائرون للحديث مباشرة مع السجناء، والثالثة كانت للإقفال الداخلي للسجن، تفتح من أوان العصر حتى المغرب.
- كل الأبواب مفتوحة، كأنهم استعدوا لوصولي، استقبلني شاب نحيل رث الثياب، سألني: أنت جديد! خنقتني العبرة وأنا امشي ببطء، انتظرت صوتاً يقول لي إنها مزحة ثقيلة، أجبته: نعم، ثم تذكرت فجأة صديقي الشيخ «محمد دشيلة» الذي كان سجيناً قديماً، وقد أجريت معه عدة أحاديث صحفية في جريدتي المحلية أيَّام مشاغباته التي لم تنته، ساقني إليه، وهو داخل غرفة تُسمى «العيادة» كانت تستخدم لتطبيب السجناء في فترة سابقة، وجدته يرتب مكان مقيله اليومي، يساعده في ذلك بعض النزلاء المقربون منه، ألقيت التحية عليه، صافحني بشغف ضاحك، وهنأني على سلامتي الشخصية قائلاً: قلقنا عليك كثيراً!، أجبته باسماً: يا للهول.. أذاع صيتي إلى هنا؟!..
يتبع..
- سام الغباري