مؤتمر الأحساء: الإسلام ليس مختصاً بقضايا التكفير وقتل الأشخاص بشبهات فاسدة وتدمير الممتلكات ">
الأحساء - عايدة بنت صالح:
تواصلت جلسات مؤتمر أثر تطبيق الشريعة في تحقيق الأمن الذي ترعاه صحيفة «الجزيرة» منذ إنطلاقة فعالياته صباح يوم الثلاثاء الماضي بفندق الإنتركونتيننتال في الأحساء تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية.. حيث دشن مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المكلف الدكتور فوزان الفوزان أولى جلسات الفترة الصباحية الذي ترأسها وكيل جامعة للشئون التعليمية الدكتور عبدالعزيز المحمود بمشاركة الدكتور طارق العودة بورقة علمية بعنوان (حفظ المال وأثره في تحقيق الأمن - دراسة حديثة موضوعية)؛ بيّن فيها أنه سلط الضوء على قضية شرعية مهمة وهي قضية «حفظ المال» كأحد مقاصد الشريعة الأساسية لأنه من خلال الثروة يستطيع الإنسان أن يحقق الخير لنفسه ولمجتمعه لذلك يجب التصرف فيه على نحو سليم، مبيناً أن الله شرع لنا عدداً من التشريعات التي تنظم لنا إدارة هذا المال وحفظه والعناية به.
وأشار العودة إلى أن الصدقة تحد من السرقة وتنقي المجتمع من الأحقاد والبغضاء، وقال: هذا الشيء التي تحرص عليه الشريعة الإسلامية التي هي دستور المملكة وتعد من أهم الأسباب في حفظ الأمن، ومنها تستمد كل الأنظمة والتشريعات، موضحاً أن الهدف من المشاركة، بيان أهمية المال ومكانته في الشريعة الإسلامية وأثر المحافظة في تحقيق الأمن الاقتصادي في المجتمع.
بينما نوهت عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للدعوة والاحتساب بجامعة الإمام الدكتورة لمياء الطويل في ورقتها العلمية التي حملت عنوان (الآفات التي تهدد حفظ الأمن الفكري في المجتمع السعودي)، على أن الأمن مطلب لكل الناس فهو الذي يبعث الاستقرار والطمأنينة ويجعلهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، بينما العكس انعدام الأمن يساهم في القضاء على الحياة وتدميرها والقضاء على كل مقوماتها وكل إنجازات البشر، لذلك فإن جميع شعوب الأرض تسعى إلى تحقيق الأمن على أرضها، ولكن تأبى جماعات من الناس إلا أن تساهم في القضاء على الأمن وتسيء إلى أنفسها وإلى مجتمعاتها وقال: تطبيق الشريعة من الأمور التي تحقق الأمن في المجتمع ونتيجة لتمسك المملكة العربية السعودية بالشريعة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله؛ انعم عليها بالأمن والأمان وهو أمر يدركه كل ذي بصيرة وينعم في ظله الجميع، ولكن هناك من الآفات والتحديات التي قد تواجه وتهدد الأمن الفكري وتحاول اختراق سياج الأمن الفكري لبعض أبنائها ممن وقعوا تحت تأثير الفكر الضال المخالف للفطرة السليمة ولتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.
أما عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم الدكتورة عبير التميمي بينت أن الرؤية الإسلامية جامعة لمقومات الأمن على صعيد الفرد والمجتمع الإنساني العام مشيرة إلى أن الحياة الإنسانية حق لكل إنسان بمقتضى التكريم الذي منحه الله تعالى للإنسان، ليستعين على أداء أمانة العمران في الأرض.
وأكدت التميمي أن الشريعة الإسلامية قد أقرت حقوق الإنسان كضرورات إنسانية واجبة، مضيفة أنها جمعت مقومات الأمن للعمران الإنساني بجميع صورة المادية والمعنوية، واعتبرتها من الوظائف العامة للدولة، وذلك من خلال تمكين كل فرد من العمل والكسب المشروع، على أساس من العدل في تقاسم موارد المجتمع وحقوقه ومسؤولياته، بما يتفق ومبادئ الشريعة الإسلامية المستمدة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله، مع إحاطته بشروط وضمانات آمنة تشعره بقيمته في الحياة، وتمكنه من أداء دوره في تحقيق التنمية الشاملة.
فيما أشارت عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام الدكتورة منال الصاعدي من خلال ورقتها العلمية «أثر تطبيق الحدود في معدلات الجريمة - المملكة العربية السعودية أنموذجاً» إلى الهدف من تطبيق الحدود الشرعية، وبيان الآثار المترتبة على عدم تطبيق الحدود الشرعية، والتعريف بالجريمة وبيان الطرق التي سلكتها الشريعة الإسلامية لمكافحة الجريمة قبل وقوعها ومعالجتها إذا وقعت إضافة إلى بيان أثر تطبيق المملكة العربية السعودية للحدود الشرعية على انخفاض معدلات الجريمة فيها بالمقارنة بالدول الأخرى.
وقد تناول رئيس قسم الشئون الثقافية والتعليمية في دار زايد للثقافة الإسلامية بعجمان الأستاذ طارق مظفر في ورقته «النظام السياسي في الإسلام وأثره في تحقيق الأمن» الطرق الشرعية في تنصيب الحاكم وأثره في تحقيق الأمن ومدى ارتباط الطرق المشروعة في تنصيب الحاكم مع مقاصد الشريعة الإسلامية إضافة إلى معرفة مدى الإخلال الأمني الذي ينشأ نتيجة عدم الالتزام بالطرق المشروعة في تنصيب الحاكم لافتاً إلى أن تنصيب الحاكم يعول عليه تطبيق كل أنظمة الإسلام، وأنه الأصل لمضي معايش الناس واستقرارهم.
وفي الجلسة السابعة التي ترأسها معالي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السابق الدكتور سليمان أبا الخيل، شارك الدكتور عاصم القريوتي، ببحثٍ عن الغلو وأثره في زعزعة الأمن جاء فيه: إن الإسلام دين سماحة ورحمة، ودين وسطية واعتدال، وأن الاعتدال والوسطية تتنافى مع الغلو والتنطع الذي نهانا الشرع عنه، وأن وسطية الإسلام هي الاستقامة على شرع الله وفق الهدي النبوي، وعدم تجاوز الحدود الشرعية في العبادات والمعاملات وكل شئون الحياة. وأن دائرة الغلو واسعة وليست خاصة بمن ينتسب للدين الإسلامي الحنيف. كما أنه ليس مختصاً بقضايا التكفير، وقتل المسلمين بشبهات فاسدة، ولا بتدمير الممتلكات وإن كان ذلك من أشد أنواعه سفكاً بالأمة.. والغلو له أشكال وصور عدة، وكلها مخلة بأمن الفرد والأسرة والمجتمع، ومضعفة للثقة بالعلماء الربانيين، ومعوقة لمسيرة الدعوة إلى الله تعالى، ومنفرة عن الدين الحق، ومؤدية للحقد والتدابر بين المسلمين.
وأجمل أهم أسباب الغلو بما يلي: الجهل بالدين وأحكامه، والتعصب للمذهب أو لشخص أو لمنهج أو إمام، وقلة التوجيه والاهتمام ببيان خطر الغلو، وكذلك الاستماع إلى شبهات وإثارات من خلال مواقع وقنوات على غير النهج السوي، وبدون رسوخ علمي من المستمع والمشاهد، ضعف التلقي الصحيح من العلماء المشهود لهم، أيضاً وجود فجوة كبيرة في بعض البلاد أو في بعض المراحل بين العلماء وطلبة العلم، وقصور في تطبيق الشريعة سواء بالكلية أو ببعض أمورها، وغلو في العلماء وأهل الفضل.
وخلص الباحث إلى عدد من التوصيات من أهمها: تدبر كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وفهمها وفق نهج سلف الأمة. وضرورة تلقي العلم من أهله الموثوق بهم من ذوي النهج السديد. ولزوم قراءة سير الصحابة والسلف وما كانوا عليه، والعمل على ضوء ذلك. وضرورة البعد عن القنوات والمواقع غير المعروفة باستقامتها وسلامة فهمها للإسلام.
وقدم الدكتور محمد سويلم الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والشريعة بالأحساء، بحثاً عنوانه: العدالة الإسلامية وأثرها في تحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي، جاء فيه: إن الشريعة الإسلامية جاءت بكل ما من شأنه تحقيق العدل بمفهومه الشامل بين جميع البشر، وهذا العدل الذي يمثل ركيزة أساسية من ركائز الشريعة الإسلامية ينعكس على تحقيق الأمن الشامل والكامل والذي يعد ضرورة من ضرورات الحياة، بل هو الغاية التي تسعى إليها كافة المجتمعات بشتى الوسائل ومختلف الطرق من أجل الحصول عليه. لأنه بالاستقرار والأمان تحصل السعادة ويتحقق أمن المجتمع، ولا شك أن المجتمع السليم الآمن هو الذي يقيم حياته على منهج الله وشرعه، وينظم شئونه وعلاقاته على أساس هذا المنهج. ويقتصر موضوع البحث على بيان وتوضيح فكرة عدالة الشريعة الإسلامية وتأثيرها على تحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي مسترشداً بالأنظمة القانونية التي اتخذت من الشريعة الإسلامية دستوراً لها وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
في ورقتها العلمية بعنوان: ضوابط تطبيق الحدود، بينت الدكتورة وفاء السويلم أهداف ورقتها العلمية المتمثلة في: بيان الضوابط التي ينبغي مراعاتها عند تطبيق الحدود؛ لتوضيح جانبي العدالة والرحمة بالمحدود مع حصول الزجر والردع مما يكون له أكبر الأثر في تحقيق الأمن، ونشر الأمان بين أفراد المجتمع. وقد بينت الدراسة: المراد بالحد، في اللغة، واصطلاح الفقهاء، مع بيان الحكم العظيمة من إقامة الحدود؛ منها ما يحصل بها من الردع والزجر سواء للجاني أو المجتمع بشكل عام، مع قصده رحمة الخلق بكفهم عن المنكرات.. ثم بينت: أن هناك ضوابط عامة لإقامة الحدود، وأخرى خاصة؛ فمن العامة أنه: يشترط لإقامة الحد على مرتكبه أن يكون مكلفا، كما يشترط كونه عالماً بتحريم موجبه، وملتزما أحكام المسلمين، وأن يتولى إقامته الإمام أو نائبه، كما يحرم التعرض للمحدود بعد استيفاء الحد الواجب عليه بالحبس أو الإيذاء بأي نوع من الإيذاء لفظيا كان أو حسياً، ويشترط أيضا أن يكون خاليا عن الشبهة التي تمنع إقامته.. ومن الضوابط الخاصة بآلية تنفيذها: ضوابط المكان ومنها: أن لا تقام الحدود في المساجد، ولا في أرض العدو أو حال الغزو، ومن ضوابط الزمان: عدم إقامته حال المرض، أو حال الحر أو البرد الشديدين، ويختلف باختلاف الحد؛ فإذا كان الحد رجماً، فإنه يقام على المريض، ولا يؤخر باستثناء الحامل، فلا يقام عليها حد الرجم إلا بعد وضعها، وإذا كان الحد جلداً، فإن الحد لا يقام على المريض بل ينتظر حتى يبرأ ، ولا حال الحر أو البرد الشديدين بل ينتظر إلى الاعتدال، وإذا كانت المرأة حاملاً، فإنه لا يقام عليها الحد إلا بعد وضعها، وإذا كان المحدود سكران، فإنه لا يحد حال السكر. وهناك ضوابط خاصة بآلية تنفيذها من حيث الصفة، ومن ذلك: أن الآلة المستخدمة للضرب لا تؤدي إلى التلف، كما أن الإسلام يراعي جانبين؛ إيقاع الألم غير المؤدي للتلف مع مراعاة الجانب الإنساني في الستر، وعدم التجريد، وعدم الإضرار بالمحدود في ك ي فية الضرب، أو في المواضع التي يضربها من الجسد، ولا يوالي الضرب في موضع واحد، ويجتنب وجوباً الرأس والمقاتل، ويضرب الرجل في الحد قائماً بلا مد أو ربط، وتضرب المرأة في الحد جالسة وتلف عليها ثيابها، وعند إقامة الحد على المحصن رجماً، فإنه لا يحفر للمرجوم رجلاً كان أو امرأة سواء أثبت زناه ببينة أم إقرار، كما أنه لا بد من مراعاة كيفية القطع في السرقة ونحوا بأن تكون بيسر ورفق، مع معرفة موضع القطع، وحسم اليد بما يحقق عدم النزف المؤدي إلى مضاعفة العقوبة أو الموت بجراحة ونحوها.
وشارك الأستاذ سعيد الدرمكي بورقة بحثية عنوانها: مسؤولية الإمام في تحقيق الأمن الفكري في ضوء قاعدة تصرف الإمام مع الرعية منوط بالمصلحةٌ، جاء فيها: إن مسؤولية الإمام عن تحقيق الأمن الفكري في الدولة تأتي من انطلاقاً مسؤوليته تجاه رعيته بتحقيق مصالحهم ودفع المفاسد عنهم، وهو مقتضى القاعدة الفقهية: تصرف الإمام مع الرعية منوط بالمصلحة. وبين تأصيل هذه القاعدة، من حيث الاستدلال على صحتها، وبيان معناها الإجمالي، ثم تطرقت لتطبيقها في مجال تحقيق الأمن الفكري في الدولة، وما الذي ينبغي على الإمام فعله مع رعيته لأجل تحقيق هذا المقصد.