باني الرياض الحديثة.. سادن التاريخ.. راعي مجالس العلم.. ملك الحزم ">
الرياض - أسامة الزيني:
شهادة عالمية جديدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتصدره قائمة أقوى الشخصيات في العالم العربي، حسب مجلة فوربس الأمريكية، ضمن أوائل الشخصيات الأكثر نفوذاً في العالم لعام 2015، وكانت شعوب المنطقة العربية سبقت فوربس إلى تتويجه زعيماً للمنطقة بعد فترة قصيرة من توليه الحكم، بعدما أصبح يلقب بملك الحزم على خلفية قراراته الحازمة في كل من السياسات الداخلية والخارجية للمملكة.
منعطف جديد دخلته السعودية على يدي القائد الحكيم الذي قاد مسيرة بلاده إلى منعطف سياسي غير مسبوق في تاريخها، بعد أن أرسى دعائم مستقبل الحكم في البلاد بسياسة طَموح يوم عين اثنين من الجيل الثاني من نسل المؤسس الملك عبدالعزيز في هرم السلطة، وأعاد تشكيل مفاصل الدولة، ورسم قواعد جديدة للسياستين الداخلية والخارجية لبلاده، ورسم ملامح مستقبل نظام حكم جديد، بقائمة من الأوامر الملكية الشجاعة، بثت الأمل والحماسة في نفوس الشعب السعودي.
شبيه المؤسس
وفي هذا الجانب ورث الملك سلمان من الملك المؤسس شخصية والده، ونال حظاً موفوراً من الخصائص والمواهب، كالذكاء المتوقد، وسرعة البديهة، وقوة الإيمان، وقوة الذاكرة التي لا غنى عنها لكل قائد ناجح، وموهبة الانتظام في العمل، وتقدير الوقت إلى درجة أن موظفي الإمارة يضبطون ساعاتهم على وقت الحضور اليومي للملك.. ومن الخصائص المشتركة المهمة أيضاً، ذلك الشغف المعرفي والنزوع إلى تحقيق تنوع ثقافي متعدد المصادر.. فالملك سلمان يقرأ في الدين والتاريخ والسياسة والاقتصاد وعلم الأنساب والاجتماع؛ وهو صديق صدوق للكتاب في السفر مثلما هو في المقام، ولعل مكتبته المنزلية خير شاهد على مستوى اهتمامه بالجانب الثقافي؛ إذ تحتوي رفوفها على ما يزيد عن ستين ألف مجلد تغطي ثمانية عشر ألف عنوان متنوع تشمل مختلف حقول المعرفة وميادين الثقافة.
مجالس سلمان
وعلى الرغم من وجود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قلب دوائر صناعة القرار على مدى العقود الماضية في ظل معاصرته لجميع ملوك الدولة السعودية، الأمر الذي أكسبه خبرة ودراية عميقتين بالشأن السياسي، إلا أن الخبرة الأهم تلك التي استقاها من تاريخ المؤسس الذي وعاه الابن النهم للثقافة والاطلاع الشغوف بالتاريخ المستوعب لدروسه الكبيرة التي تلقاها في مدرسة المؤسس. ولقد كان للارتباط العميق بتاريخ الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- والإبحار في مواقفه وسياساته وقراراته، أثره الواسع في تشكيل شخصية مقام خادم الحرمين الملك سلمان الذي اكتسب مع الزمن مكانة كبرى في جميع الأوساط الثقافية والتاريخية والاجتماعية والعلمية والدينية التي لم يكن كبار شخصياتها ينقطعون عن مجلسه على مدار أكثر من 50 عاماً أمضاها في إمارة الرياض، بالإضافة إلى هذا الدور الكبير الذي كانت تضطلع به مجالس خادم الحرمين التي كثيراً ما كانت تتحول إلى ساحة قضاء بين المتنازعين والمتخاصمين وأصحاب الحقوق، الذين كانوا يجدون في عدالة سلمان ذلك الطريق الأقصر للوصول إلى حقوقهم. الأمر الذي كان له أثر بعيد العمق والاتساع معاً في حالة من الثقة والمحبة والارتياح والشعور بالأبوة تجاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في نفوس الجميع، سواء من حضروا هذه المجالس، أو من سمعوا عنها، إذ أصبحت قصص مجالس سلمان يتحدث بها الركبان.
سادن التاريخ
ويبقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز رجلَ التاريخ الأول بما عرف عنه من حرص على التاريخ، سواء تاريخ المملكة أو تاريخ كثير من دول العالم المحورية، في إلمام واسع بتاريخ الحضارة البشرية، يعرفه كل من اقترب من الإشعاع الثقافي لملك ظلت القراءة على مدار رحلة حياته المباركة ركناً له حصته اليومية على جدول أعماله.. ما يجعل من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الشاهد الأبرز على تاريخ الدولة السعودية، والمرجع والفيصل للباحثين والمؤرخين للتاريخ السعودي ممن يجدون تعارضاً في بحوثهم وإصداراتهم. ولقد وصل لهذه المكانة والمرجعية التاريخية الثقافية بما حققه خلال مسيرته التعليمية والثقافية التي بدأها منذ مراحل حياته الأولى؛ إذ تلقى الملك سلمان بن عبدالعزيز تعليمه المبكر في مدرسة الأمراء بالرياض وهي المدرسة التي أنشأها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عام 1356هـ لتعليم أبنائه وكان يدير هذه المدرسة الشيخ عبدالله خياط -رحمه الله- خطيب وأمام المسجد الحرام. وقد درس في مدرسة الأمراء العلوم الدينية والعلوم الحديثة وختم القرآن الكريم كاملاً.
وعرف عن الملك سلمان بعد ذلك شغفه بالقراءة في مجالات التاريخ والسياسة والأدب كما عرف بحرصه على مجالسة العلماء والمثقفين سواء في قصره في الرياض و في مزرعته بمدينة الخرج قرب مدينة الرياض علاوة على حرصه الدائم على رعاية المناسبات الثقافية، وقد دعا حب الملك سلمان للتاريخ إلى الاهتمام بتاريخ المملكة العربية السعودية إذ يعد من أبرز وأدق المصادر في تاريخ الدولة عبر أزمنتها الثلاثة الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية والدولة السعودية الثالثة كما عمد إلى إنشاء ودعم العديد من المشاريع المهتمة بالتاريخ.
وفي هذا السياق تولى الملك سلمان رئاسة مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز وهي مؤسسة تعنى بتاريخ المملكة العربية السعودية وتعد من أهم المؤسسات التي يلجأ إليها الباحثون في تاريخ المنطقة. كما تولى أيضاً رئاسة مجلس الأمناء لمكتبة الملك فهد الوطنية واختير بسبب اهتمامه بالتاريخ لرئاسة مجلس إدارة مركز تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما تولى رئاسة مجلس أمناء مؤسسة حمد الجاسر إذ يعرف المرحوم حمد الجاسر بأنه من أهم وأبرز المؤرخين في المنطقة ومن أوائل من عملوا في الصحافة فيها وفي المملكة تحديداً، بالإضافة إلى رئاسة الملك سلمان الفخرية للجمعية التاريخية السعودية.. ولقد دعت هذه المكانة إلى اختياره رئيساً فخرياً لمجلس أمناء جائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لشباب الأعمال، وهي جائزة تمنح على مستوى المملكة.
وإزاء تاريخ من العطاء للشأن التاريخي أطلق اسم خادم الحرمين الشريفين على كرسي الملك سلمان بن عبدالعزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية في جامعة الملك سعود، الكرسي الذي يقوم على تعميق المعرفة العلمية والتراثية بتاريخ الجزيرة العربية التي حظيت بالكثير من الأحداث وساهمت في بناء الكثير من الحضارات الإنسانيّة، وبرز منها قيام الدولة السعودية التي أرست دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة.
وإثراء لميدان البحث التاريخي في المملكة أطلقت دارة الملك عبدالعزيز جوائز ومنح جائزة ومنحة الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية. الجائزة التي تقفز إلى المرتبة الأولى كلما عنّ الحديث عن المسابقات العلمية المتخصصة في مجال التاريخ والعلوم المجاورة والمتداخلة معه وتبقى منفردة بمكانة عالية لما حظيت به من اهتمام الملك سلمان بن عبدالعزيز ورعايته الكريمة، وتتلألأ هذه المنافسة الأصيلة في أفق العلم والمعرفة والبحث والدراسة كلما رعى سموه -حفظه الله- حفلها التكريمي فتلك الرعاية التي يشهدها نخبة من المؤرخين والمفكرين والمسؤولين والمهتمين في التاريخ إضافة لقيمتها العلمية وإضافة لسجل الفائزين والفائزات بها وعددهم حتى نهاية الدورة الرابعة الحالية (87) فائزاً وفائزة من مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، فجائزة ومنحة سموه لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية التي انطلقت أولى دوراتها عام 1426هـ وسط فرحة عارمة لدى المؤرخين والمختصين باتت رمزاً للمسابقة الرصينة المعمقة وموعداً مهماً في (الأجندة) العلمية المحلية والعربية.
في مدرسة سلمان
قائمة من أساطين الإدارة في المملكة تولوا أرفع المناصب الإدارة يعدون نهج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مرجعهم الرئيس الذي نهلوا منه خبراتهم وقيمهم الإدارية، فوعلى مدى 60 عاماً من عمله في بناء الدولة السعودية، منذ تسلم إمارة الرياض في 16 مارس (آذار) 1954، وجعلها واحدة من أكبر عواصم الشرق الأوسط، وأكثرها تحديثاً وعصرنةً.
كانت العبارة المشهورة في السعودية «الأبواب المفتوحة» بالنسبة للملك سلمان تمثل جانباً مختلفاً، فهو غالباً ما كان يبادر بالدخول في حوارات عميقة وذات دلالة مع الكثير من رجال الفكر والثقافة والإعلام، ويعقب على أقوالهم أو مقالاتهم، أو يرصد نقاط الخلل الواردة في سردهم للأحداث التاريخية، وتاريخ شبه الجزيرة العربية، كما التاريخ السعودي، فنّ خاص تميز به الملك سلمان وأتقن جوانبه، وأحاط بمصادره، وهو يعتبر مرجعاً مهماً في سرد تفاصيله، وكذلك فيما يتعلق بأنساب القبائل الكبيرة في الجزيرة العربية.
ولقد أعادت الأوامر الملكية التي أصدرها الملك سلمان، ترتيب التنظيم الحكومي على المستوى المركزي، وأوجدت حراكاً وتطلعات نحو مزيد من التطوير الإداري الحكومي ليشمل مستويات الإدارة المحلية. وما يعزز من هذا التوجه في الإصلاح الإداري تجربة الملك سلمان الثرية في الحكم، التي تمتد لأكثر من خمسة عقود، تجعله الأكثر اطلاعاً ودراية وعزماً وتصميماً على تطوير أسلوب وآلية إدارة الدولة.
وما يميز تجربته في الحكم، وفق مراقبين للشأن الإداري، أنها متعددة الأبعاد، عميقة وشمولية تتضمن الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتتدرج من الإدارة المحلية إلى الإقليمية إلى الوطنية وحتى العالمية. لقد أكسبه ذلك وضوحاً في الرؤية وإلماماً بكامل الحالة المحلية والأوضاع الإقليمية والتوجهات العالمية.
ويؤكد المراقبون أن هذا ما جعل ملوك الدولة السابقين يعتمدون عليه -حفظه الله- في إدارة شئون الحكم الداخلية، والقيام بدور المستشار، وليكون ركنا أساسا من أركان الحكم السعودي. فالملك سلمان شخصية متعددة المواهب والقدرات، ذو حكمة وبصيرة نافذة وثقافة عميقة وحزم وجسارة على صنع القرارات الصعبة والمعقدة. وقد تكون الانضباطية والتنظيم ودقة العمل هي السمة الأبرز في أسلوبه القيادي.
وأنجز المفكر والكاتب السعودي الراحل زين العابدين الركابي، كتاباً عنونه بـ(سلمان بن عبدالعزيز.. الجانب الآخر)، ووصفه ناشره (مكتبة العبيكان)، بالمثير للاهتمام، مرجعاً ذلك إلى سببين.. أولهما: صعوبة الإتيان بجديد عندما يدور الحديث عن شخصية معروفة محلياً وعربياً وعالمياً، إذا كانت في علو قامة الأمير (الملك). والثاني جانبه التوثيقي الموضوعي في الكشف عن الجوانب المجهولة بالنسبة للكثيرين في شخصية الملك سلمان، علماً بأن الكتاب تم تأليفه عندما كان يشغل منصب أمير منطقة الرياض.
وأورد الكتاب في سياق الحديث عن نهج الملك سلمان في الشفافية كأحد فنونه في الحكم، حديثاً لم ينشر من قبل للأمير سلمان مع مجموعة من طلاب جامعة هارفارد أثناء زيارة الطلاب للرياض مع أحد أساتذتهم قبل عدة سنوات، كشف فيه عن جوانب تؤكد إلمام الملك سلمان بقضايا العصر وامتلاكه رؤى واضحة حولها، حيث أكد الملك عندما كان أميراً للرياض بصراحة أن السعوديين يؤمنون بأن كل إنسان حرٌّ في عقيدته، لا يُكره قط على عقيدة لا يريدها، مورداً نصوصاً كثيرة حول هذه المسألة.. كما أوضح لأستاذ وطلاب جامعة هارفارد أن هناك لبساً في فهم موضوع «الإرهاب والتطرف»، الذي يرتكب من قبل أشخاص ينتسبون إلى الإسلام، مشدداً على أن ذلك ليس نابعاً من مشكلة أصلية في الدين نفسه، وقال في هذا الصدد: «المشكلة ليست في المصدر ولا في المنهج، إنما المشكلة في (المتطرفين)، الذين يفهمون الدين خطأ، ويطبقونه خطأ، سواء أكان هؤلاء المتطرفون مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً». ولمح الملك سلمان إلى أن تأكيداته على تلك الحقائق لا يريد منها الدفاع عن متطرفين أو إرهابيين يصنفونه عدواً، إنما للتنبيه على أنهم لا يمثلون الإسلام، موضحاً بالقول: (إنكم سوف تعانون في يوم من الأيام من المتطرفين في المسيحية واليهودية، فهؤلاء المتطرفون من مسلمين ويهود ومسيحيين يضرون بالبشرية كلها من حيث إنهم يجعلون العلاقة بين الأديان والأمم علاقات توتر ومشاحنات وصراع وعنف، بينما أرادها الله علاقات تعارف وتراحم وسلام).