رشيد عبد الرحمن الرشيد ">
ليست رواية في عالم الخيال!! وليتها كانت ولا قصة تروى من تراث الماضي!! أما أن تكون واقعية فهذا ما ألمنا.. شقيقتنا الكبرى تغرق أمام أعيننا وكادت أن تودعنا!! عاشت أياماً ستدوّن في الذاكرة وستضاف رقماً آخر في أرشيف غرقها، لكن في مطلع القرن الحادي والعشرين.. أما شقيقتي الكبرى أختي فهي بصحة وعافية كتب الله لها العمر المديد.
شقيقتنا (الكبرى) بريدة هي من غرقت فتحولت بعض شوارعها إلى أنهار جارية وأودية (غير جافة)، وبعض أحيائها إلى بحيرات تمارس من خلالها هواية التجديف والإبحار.. وأخذت المركبات إجازة إجبارية، بالأمس كنا نواسي عروس البحر واليوم الأسى لعروس الصحراء والرمال والواحات.. بلادنا فرحت بالمطر ذلك الرحمة الربانية فتبسم الحجر والشجر وزقزقة العصافير.. الكل أعلن الفرح بطريقته الخاصة.. هجرت إلى الصحراء والأودية لرؤية منظر المياه وهي تعانق الأرض الجرداء وتعيد الحياة لها.. إن مهرجان المطر في بلادنا له حكاية وقصة ورواية.. إلا في بريدة فكان المطر بقدرة الله مضاعفاً.. فجانب الفرحة كانت هناك كارثة مائية.. فالسيل بحث عن مجاريه القديمة وغمرها، أحياء ملئت بالمياه إلى حد «الثمالة» وأوشكت أن تنفجر لكن برحمة الله توقفت السماء.
في الشقيقة «بريدة» وربما في الشقيقات الأخرى ضعف في عمل «الأمعاء الدقيقة والغليظة» وربما لا وجود لها!! ناهيك إنها لا تعمل كما يجب، فكانت عملية الاحتباس المائي.. عملية تجميلية خارجية تبهر الأبصار لكن «البلى» في داخل الأرض.. الأطباء السابقون لم يحسنوا التخطيط والتدخل الجراحي المناسب.. وكأنهم نسوا التاريخ القريب وما يسمى سنة «الغرقة».. هكذا الغيث هو كاشف صادق ونزاهة ربانية لكل خلل في مشروع عمراني وتنموي، ويعطي رسالة لكل لجان المراقبة قائلاً: ليس من طبعي المجاملة.. فالمجاري الهشة تغرق وطبقات الطرق تتآكل وتشقق وقد تنهار.
لكن من حسنات الكارثة أنها كشفت عن الوجه الحسن والمشاعر الصادقة بين أبناء المنطقة والتقارب والتآلف والتعاطف الأخوي، وتطبيق مبدأ (قصيم) الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.. وقد جاءت تغريدة محافظ الرس باسمه وأهالي محافظته قائلة: (استجابة لنداء الدين والوطن نعلن استعدادنا بكافة إداراتنا الحكومية والخاصة لاستضافة أهلنا وأحبابنا المتضررين ببريدة بكافة وحدات الإيواء)، لحمة محلية من نوع خاص وقد ترجمت فرقة همة التطوعية بالرس هذا التفاعل بالتعاون مع الدفاع المدني مشكوراً والذي واجه حالة لم تتكرر وربما فوق تصوراته.. كما جاء تعاطف الشقيقات (المحافظات الأخرى) بصور مختلفة ومساهمات متنوعة نقف إعجاباً للجميع.
وقبل الختام نقول بالفم المليان شكراً أميرنا فيصل والذي كان يعمل بالميدان وقت «الغرقة»، ويوجه المسؤولين ويقف إلى جانب المتضررين ولسان حاله يقول: لن ننساكم فأنتم في قلوبنا. وعن ترميم الحالة والعلاجات المسكنة لها فيعرف الأمير أنها ليست الحل!! ولكن لا بد من حلول جذرية وفعّالة وتخطيط سليم، لأن السماء لن تتوقف ولو بعد حين.. والغيث غاية نصلي للرب من أجله وحتى لا تغرق الشقيقة مرة ثالثة.. علينا الاستعداد في وقت مبكر وحسن العمل والإخلاص.. اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً سحاً نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا غرق .. وإلى اللقاء.
- محافظة الرس