الخيانة في أموال التبرعات وبال على صاحبها في الدنيا والآخرة ">
الجزيرة - وهيب الوهيبي:
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، إن أي خيانة في أموال التبرعات والعبث بها والتحايل لصرفها على المصارف الشخصية هو وبال على الخائن في الدنيا والآخرة، محذرًا من التبرع لأفراد وجهات مجهولين بعاطفة دون سؤال وتحرٍّ ودقة.
جاء ذلك في حديث لسماحته عبر برنامجه الأسبوعي الذي تبثه إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة، ويعده ويقدمه الشيخ يزيد الهريش. وقال سماحته: يقول الله - جلّ وعلا - في كتابه العزيز في سورة الذاريات {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، وفي سورة المعارج {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}. فجمع الصدقات والتعاون على ذلك خيرٌ، ولكن ينبغي أن يكون باعتدال، وأن يكون جمع المال على أسس صالحة، بأن يتولى الجمع للمال ذو أمانة وتقوى وخوف من الله وقصد حسن، فيستقبل التبرعات بنية صالحة وقصد حسن وأمانة كبيرة، فلا يخونون فيها، ولا يتساهلون فيها، ولا يتلاعبون بها، بل يحفظوها ويؤدونها إذا أخذوها باسمهم، فإذا أخذوها باسم جمعية تحفيظ القرآن الكريم فيخصوا بها جمعية القرآن الكريم، وإذا أخذوها باسم الأيتام خصوا بها الأيتام، وإذا أخذوها باسم الفقراء خصوا بها الفقراء، فيصرف كل مال في سبيل ما جمع لأجله، وأن يكون ذلك بأمانة وإخلاص، وأن نعتقد أن هذه الأموال أمانة في أيدينا، والله سائلنا عنها، وأن أي خيانة فيها تكون وبالاً علينا في ديننا ودنيانا، فإن الأموال أمانة، والله يقول {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا...}.
وضبط سماحة المفتي التبرع للجمعيات بشروط، وقال - حفظه الله -: «التبرع للجمعيات مطلوب، لكن بشرط: أن يكون معلومًا لمن سيؤول هذا التبرع، وما هي مصارفه؟ وما هي أخلاقيات من يجمع هذا التبرع؟ أهو أمين جُرِّب في أمانته وصدقه ونزاهته؟ هل يؤدي ما حمل من أمانة أم خان وخدع، فربما وجد من صرف هذه التبرعات ضد الأمة وفي خدمة أعداء الإسلام، من حيث يشعر أو لا يشعر. فالبعض - والعياذ بالله - يتلبس بثوب الصلاح والهدى، ويجمع الأموال، ثم يزج بها إلى أعداء الإسلام؛ لتكون خنجراً في نحور المسلمين، وهذا جرم عظيم. وبعضهم يأخذها ويصرفها على مصارف نفسه، ويتتبع الحيل لكي يصل إلى أخذ هذه الأموال والتساهل بها والتلاعب بها.. وكل هذا خطأ، فينبغي أمران: الأمر الأول معرفة الجهة المتبرع لها.
الثاني: معرفة من يتولى هذه التبرعات، ودراسة وضعه وحاله، هل هو ذو صدق ووفاء أم صاحب تلاعب وخيانة».
وحذر آل الشيخ من التهاون المفضي لأكل الأموال بقوله: «ولا ينبغي التهاون في أمر التبرعات لتكون وسيلة لأكل الأموال بالباطل، ولا نغتر بما يتداول وينشر في الشبكات ومواقع التواصل وغيرها من التعريف بالفقراء والمساكين، فلا بد من معرفة حقيقية بحال الفقراء والمساكين والتبصر في ذلك، فربما ادعى بعضهم المسكنة والفقر وهو غني».
وأكد سماحة المفتي العام للمملكة أنه «يجب كذلك على المتبرعين تقوى الله، وألا ينقادوا لكل من سألهم التبرع، بل يجب عليهم السؤال والتحري عنه وعن أحواله وسيرته وتاريخه، ويطلبوا منه التصديق من جهات رسمية قد جربت حاله، وأنه ذو أمانة وصدق، وليس ذا خيانة وكذب، فإنه ليس كل من ادعى الصدق صادقاً، ولا كل من ادعى الأمانة أميناً، فلا بد من دقة وتحرٍّ وعناية.. ويحسن أن يطلب المتبرع من السائل أسماء المستفيدين، ويتعرف على أحوالهم، أو يبعث من يدقق ويقف على حالهم، وهل هم صادقون أم لا. أما مجرد العاطفة فنعطيه لكونه تظاهر بالخير وتظاهر بالهدى - والله أعلم بحاله - فهذا لا يجوز».
وأشار سماحته إلى وجود أجهزة رسمية تتولى جمع التبرعات للبلاد الإسلامية في حال الجوائح والكوارث وغيرها من الأحوال، وهي جهة رسمية مأمونة عبر اللجان الوطنية لجمع التبرعات، ويرأسها سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف - وفقه الله -، فلا حاجة معها للجهد والجمع الفردي، بل الواجب التعاون معها ومن خلالها بأن أدفع للدولة، ولديها أجهزة متخصصة ورجال ثقات قائمون على التوزيع، فهذه لجان رسمية - ولله الحمد - يرأسها وزير الداخلية وولي العهد، وفيها غنى عن غيرها.