تقاعس البنوك الإسلامية أجبر الفقراء على الانطواء تحت رداء «التمويل التقليدي» ">
الجزيرة - محمد السهلي:
تهدف سلسلة من الدراسات والمشاريع التجريبية التي تمولها ألمانيا إلى سد الفجوة بين التمويل الإسلامي والإقراض متناهي الصغر بما يصب في صالح المجتمعات بالدول النامية التي ما زالت على تخوم القطاع المالي العالمي.
ونمت الأنشطة المصرفية الإسلامية نموًا سريعًا على مدى الأعوام القليلة الماضية في عدة مناطق من العالم ولاسيما في الخليج وجنوب شرق آسيا لكن تطوير تمويل متناهي الصغر - يستفيد منه أصحاب الدخل المنخفض الذين لا يملكون ضمانًا أو سجلاً ائتمانيًا - متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية يتسم بالبطء.
وبحسب المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء ومقرها واشنطن فإن تعزيز جاذبية التمويل الإسلامي متناهي الصغر عنصر ضروري لمساعدة ما يقدر بنحو 650 مليون مسلم يعيشون بأقل من دولارين في اليوم.
وقال ماثياس رانجه المستشار المقيم في فرانكفورت للوكالة الألمانية للتعاون الدولي، إن الوكالة الحكومية تساعد في تطوير اللوائح والتعليم والتدريب من أجل دعم التمويل الإسلامي متناهي الصغر في البلدان النامية.
وتابع «جهود مزج التمويل متناهي الصغر والتمويل الإسلامي مبعثرة وما زالت تخطو خطواتها الأولى. لا توجد خبرة عملية تذكر تتجاوز الثماني إلى عشر سنوات. عملية التطوير أبعد ما تكون عن بلوغ مداها».
وأضاف رانجه، إن دراسة عن منتجات التمويل الإسلامي متناهي الصغر من إعداد الوكالة الألمانية والمجموعة الاستشارية تهدف إلى تحديد سبل خفض التكاليف في حين تستطلع دراسة منفصلة للوكالة عوامل الطلب.
وتمول الوكالة دراسة أخرى لمقارنة قواعد التمويل الإسلامي في خمس دول. وقال إن منتجات التمويل الإسلامي يجب أن تخضع لفحص لجنة من علماء الشريعة وهو أمر مكلف لمعظم المقرضين وتتفاقم تلك المشكلة جراء عدم إلمام الفقهاء بالقواعد المالية.
رداء التمويل «التقليدي»
وتشير بيانات المجموعة الاستشارية إلى أن ارتفاع التكاليف وتصورات العملاء هما السببان الرئيسيان للانطلاقة الضعيفة للتمويل الإسلامي متناهي الصغر الذي يصل حاليًا إلى 300 ألف مستفيد في 14 بلدًا تأتي في مقدمتها إندونيسيا وأفغانستان وبنجلادش. وهذا رقم ضئيل حتى بالنسبة لبنجلادش ذات الأغلبية المسلمة حيث لا يزيد عدد المستفيدين من التمويل الإسلامي متناهي الصغر على 100 ألف شخص، مقارنة مع ثمانية ملايين مقترض تحت مظلة التمويل التقليدي متناهي الصغر.
ويعزو النمو البطيء في مجال التمويل متناهي الصغر وفقاً للشريعة الإسلامية أساسًا إلى حقيقة أن هذا التمويل كان يتم تقديمه عادة من قبل مؤسسات متخصصة مثل المنظمات غير الحكومية، وليس من قبل البنوك الإسلامية، وذلك على الرغم من وجود العديد من عناصر التمويل الصغير والتي يمكن اعتبارها متسقة مع الأهداف الأوسع للعمل المصرفي الإسلامي.
المرابحة
كانت الوكالة الألمانية دخلت في شراكة عام 2005 مع البنك المركزي الإندونيسي لإقامة سبع مؤسسات تعاونية إسلامية للمدخرات والقروض في إقليم أتشيه. وتعاونت أيضا مع مجموعة البركة المصرفية البحريتية في منطقة غرداية الجزائرية لتطوير منتج بنظام تقاسم الربح في 2008 يبيعه البنك حاليًا في أنحاء البلاد. غير أن الانتشار العالمي لمنتجات التمويل الإسلامي متناهي الصغر مازال ضعيفًا جدًا، حيث يقوم معظمها على ترتيبات المرابحة التي تتضمن التكلفة زائد ربح ثم على القرض الحسن في المرتبة الثانية لكن بفارق كبير.
ويثير ذلك قضايا مثل الموثوقية والاستدامة. فالمرابحة تتعرض لانتقادات من بعض الفقهاء الذين يقولون إنها شديدة الشبه بالقرض التقليدي، في حين أن القرض الحسن أداة تبرع خيري حيث تضطر مؤسسات الإقراض متناهي الصغر إلى تمديد أجل الاستحقاق في حالة عدم السداد مما يجعل مقرضين كثيرين لا يراه كنموذج ذي جدوى اقتصادية.
وعقود تقاسم الربح شائعة في التمويل الإسلامي لكنها تصبح عبئا ثقيلاً عند تطبيقها في التمويل متناهي الصغر بسبب متطلبات التسجيل والتدقيق الحسابي وهو ما يرفع تكاليف التشغيل.
وقال رانجه «لا نجد ابتكارًا يذكر في السوق.. لا تحقق المرابحة قيمة مضافة للمستفيد». وتدعم الوكالة الألمانية للتعاون الدولي مسابقة لمبادرات التمويل الإسلامي متناهي الصغر تنظمها المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية في جدة ومجموعة البركة المصرفية وتريبل جامب الهولندية لإدارة الصناديق. والموضوع الحالي للمسابقة هو «تجاوز المرابحة».
قانون للتمويل متناهي الصغر
من ناحيتها، قالت الهيئة المصرية العامة للرقابة المالية: إن مصر سنت أول قانون لها لتنظيم خدمات التمويل متناهي الصغر. وينظم القانون التمويل متناهي الصغر المقدم من مصادر غير مصرفية مثل الشركات والمنظمات غير الحكومية ويضعه تحت إشراف هيئة الرقابة المالية. وستظل البنوك خاضعة لإشراف البنك المركزي. وصدر القانون الذي وافقت عليه الحكومة في مايو الماضي بمرسوم عن الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد موافقة مجلس الدولة عليه. وفي غياب برلمان يستخدم السيسي سلطاته التشريعية لاستحداث إصلاحات اقتصادية محل ترحيب من المستثمرين. وقالت هيئة الرقابة، إن الحكومة استشارت البنك الدولي ومؤسسات أخرى عند صياغة القانون، وقد يساعد التمويل متناهي الصغر في توفير فرص العمل عن طريق إعطاء الفرصة لصغار المستثمرين لبدء مشاريعهم. ويمكن استخدام الموارد الخارجية من أجل أغراض التمويل متناهي الصغر بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية. ويقصد بالموارد الخارجية هنا عندما يتم إعادة توزيع الدخل والثروات، فضلاً عن تعزيز مفهوم الاحتواء الاجتماعي، ويمكن تقسيم الموارد إلى ثلاث نطاقات: الزكاة والصدقة والقرض الحسن (وهو إقراض بدون فائدة يعطى للتخفيف من معاناة المحتاجين).