د. نوف بنت محمد بن حمد الزير ">
الثروات التي تتباهى بها الأمم والشعوب وتبذل جهدها وطاقتها لرعايتها وتنميتها والمحافظة عليها، دائماً ما تكون معيار منافسة لها ومحل تميّز وإبداع وابتكار.
ولم يزل التاريخ يردد بكل فخر أسماء وإبداعات الشباب الطموح منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا:
فعِلم عبدالله بن عباس الذي كان صلى الله عليه وسلم يرعاه منذ صغره ويعلمه كلمات يحفظ بها دينه ودنياه حتى شب وترعرع وجعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يستشيره مع من شهد بدراً من الصحابة وهو لم يزل غلاماً..
وقيادة أسامة بن زيد لجيش فيه أبو بكر وعمر وكبار الصحابة تحت لواء عقده له الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو دون العشرين.
ورعاية أنس بن مالك وما رواه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديث، وغيرها من الشواهد التي تُذهِّب بها أسفاُر التاريخ معالِمَها.
إن وطننا يملك ثروة عظيمة أغلى من المال والنفط ومن الموارد كافة؛ إنه يملك الشباب الذي به ينتشر الإيمان، تُعمر الأوطان، تُصان الأثمان ويصعد العمران.
فمحافظتنا على هذه الثروة العظيمة ركيزة مهمة يجب أن تكون محل عناية ورعاية الجهات كافة ذات العلاقة لاسيما رعاية الشباب؛ ذلك أنها تستوعب كثيراً من الشباب ببرامجها وفعالياتها وخططها التنموية. أو هكذا يجب أن تكون!
إن جهود كثير من الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية محل شكر وتقدير ولكن بعضها كالأهلِّة نراها في وقت ونفقدها في أوقات أخرى.
والراصد الناصح يلحظ بشكل مستفيض أنه يسبق كل موسم اختبارات تصريحات مكثفة لجهات الاختصاص عن إحباط محاولات مغرضة فاشلة هدامة تروّج للسموم قبيل الاختبارات، لأنها بالنسبة لهم الفترة الذهبية التي يروجون فيها أكبر كمية من تلك الهوادم التي تقضي على العقل والفكر والصحة والحضارة، ويروجون لها على أنها سبيل النجاح والتفوق وتحقيق أعلى الدرجات، والحقيقة أنها تدمر وتفتك وتقضي على آمال الشباب والأسر والمجتمع والوطن والأمة بأكملها.
فلا تكاد تتوقف جهود المروجين والساعين لتدمير عقول الشباب وصحتهم وتعطيل مشاركتهم وإنتاجهم وإهدار قيمتهم الثمينة في المحافظة على خصائصهم والنهوض بمجتمعاتهم نحو القمم.
إن التوعية بهذا الداء الخطير الذي استشرى في الكيانات البشرية واستُهدِفَتْ به المجتمعات المسلمة ينبغي أن يكون بالوسائل كافة، وعلى جميع الأصعدة، فمن التوعية بخطورتها إلى حث الآباء والأمهات والأسر على اتخاذ التدابير الوقائية منها، والعناية بما يمنع الانزلاق في شراكها، ومعرفة الآليات التربوية الصحيحة فيما إذا ما قدّر الله ولوحظ على أحدهم التعرض لهذا البلاء العظيم.
إن مقررات التعليم والمدارس والجامعات يقع على عاتقها مسؤولية كبيرة، بدأنا نلمح آثارها في جهود نتمنى أن تكون بحجم الهدف والمستهدف.
كما أن البرامج الإعلامية يجب أن تكون الداعم الأول، سواء على مستوى الإعلام المرئي والمسموع والمقروء أو على مستوى الإعلام الرقمي الذي يستثمر وسائل التواصل الاجتماعي في اتخاذ التدابير الوقائية.
إننا بحاجة إلى مسابقات قصصية وشعرية وأفلام قصيرة وأجمل تغريدة وأفضل مقال وأحسن قصة وأروع قصيدة وأميز فكرة وأبدع رسمة وأشمل مؤلَّف وأثمن برنامج.. واستثمار كل مواهب وفنون ومهارات عالم الشباب في وقاية مجتمعاتنا من داء عظيم.
ونركز على الوقاية لأنها تختصر الطريق فهي كما حفظت الألسن واستقر في العقول خير من العلاج.
نحتاج جهوداً تتجاوز الأوقات الموسمية إلى غيرها، وجهات حكومية وخاصة قائمة على الشراكات المجتمعية ووحدة الهدف والمصير تعمرها جهود الأفراد والمؤسسات، كل يستشعر مسؤوليته الدينية والوطنية والإنسانية والحضارية ليؤديها على أكمل وجه؛ أداءً للأمانة وصيانة للمجتمعات الإنسانية من داء أثقلها وفتك بمدخراتها المادية والبشرية.
إننا بذلك نصون الثروة الأولى التي عليها كل المرتكزات الحضارية وننمي الموارد البشرية التي بها تمتد الحضارات وتصعد وتسود، ونبني لديننا وعقيدتنا ووطننا سداً منيعاً صامداً أمام كل حمم تسعى للنيل منها.
بذلك نكون على ثقة ويقين بشبابنا وعقيدتهم الراسخة التي يفخرون بتمسكهم بها اعتقاداً وسلوكاً ومنهجاً وفكراً، وقدرتهم على صيانة الضرورات التي جاء الإسلام بحفظها وإسهامهم في التوعية المجتمعية والبنية الحضارية التي يستحقونها صعوداً إلى قمة المجد في وطن ينتظر عطاءاتهم ليسطرها في صحف التاريخ وتفخر به الأجيال على مر العصور.