عبد المحسن عبد الرحمن العسكر ">
منذ أن وجدنا على الأرض، والإنسان بطبعه يحب الانفراد في عمل وتنفيذ احتياجاته والبحث عن تحقيق رغباته، ففي مرحلة الطفولة نجد أن والده يحاول قدر المستطاع توفير الألعاب الخفيفة والإلكترونية لوحده ولا يشاركه فيها أحد غيره، مما أوجد ومع الأسف جيل حديث تم تجهيزه وتربيته على سلوك الأنا فقط، وهذا بالتالي أفرز لنا أجيالا إلى حد ما يطغى عليها حب الذات وأنانية الموقف وبالتالي نرى آثارها واضحة في المدرسة والبيت والشارع، وهذا في اعتقادي سوف يخرج لنا مجتمعا اتكاليا أنانيا انفراديا في اتخاذ القرار، ينقصه اختلاف وجهات النظر، لأن المجتمعات المتقدمة تبني فلسفة تعليمها على مبدأ المشاركة في العمل والرأي، ورأيان أفضل من واحد، وثلاثة أفضل.. وهكذا، لأننا بحاجة إلى الجميع، كل فيما يخصه للنهوض بالوطن وإنتاج مجتمع واع ومنافس لبقية الأمم.
فما نلاحظه من تجاوزات فردية في شوارعنا وأنانية الموقف تظهر بجلاء عندما نرى شبابنا ومع الأسف تغلب عليهم التصرفات الفردية في قيادة السيارات مما يسبب إزعاجا للآخرين وازدحاما في الطرق، والسبب الرئيس أنانية الموقف في الاستحواذ على الطريق دون مراعاة للآخرين، وكأنه الشخص الوحيد في الطريق الذي يملك التصرف فيه كيفما شاء، والنتائج كثرة الحوادث، بعضها مميت، بالإضافة إلى التلفيات المادية, وهو ربما هو الأكثر ملاحظة في الغالب للعامة وكأن الفرد لم يطلع على أنظمة السير والمرور قبل حصوله على رخصة القيادة.
هذا فقط نموذج واحد من أنانية الموقف وهي كثيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لو أن كل مسؤول يرتقي إلى موقع المسؤولية، ويترك عنه الأنانية، ويتعامل مع مقدرات الوطن والمواطن بوعي وأسلوب حضاري، بناءً على ما أوكل إليه من مهام بروح الفريق والشورى والجماعية، بدلاً من الانفراد بالرأي الأحادي المبني على الاجتهاد الفردي وبدون مراعاة المسؤولية المناطة إليه من قبل ولي الأمر والمخاطرة بمصالح الناس إلى احتمالية النجاح أو الفشل.
لو أن كل شاب وشابة تركوا عنهم أنانية الموقف وعدم المشاركة في البيت.
لو أن كل رياضي لعب لعباً جماعياً وتناسى عنه أنانيته لحقق فريقه الفوز.
لو أن كل ابن وابنة بروا بوالديهم وتركوا عنهم أنانيتهم لفازوا بالدنيا والآخرة.
لو أن كل مستثمر شارك في استثماراته البعض الآخر لاستفاد أكبر عدد من الكيكة.
لو أن كل داعية استعان بالآخرين لكان الجدوى والنفع أفضل وعمت الفائدة.
لو أن كل معلم ومعلمة فكروا بأسلوب جماعي لمعالجة التربية والتعليم لكان لزاماً أن يكون هناك إضافة نوعية للتعليم.
لو أن كل طبيب جمع مع عدة أطباء الرأي حول كل مريض يعاني من أزمة حادة لانجلت -بإذن الله- كل معضلة.
لو أن كل من أوكل إليه أمور العاملين في أية منشأة قبل أن يتخذ أي قرار سمع واستشار كي لا يكون قراره فردياً ومجحفاً.
لو أننا وسعنا أفقنا إلى جماعي الفكر بدلاً من فرديته لكان بوسعنا أن نحصد كل ما نربو إليه ونطمح بل هناك أفكار ربما تقتل في البداية ولم تعطَ لها الفرصة بسبب تجاهلها وإهمالها وذلك يرجع إلى أنانية الموقف.
الأمم المتقدمة لا تهمل أية فكرة سواء كانت صغيرة أم كبيرة وهي بمثابة أسلوب حياة لإعطاء الفرد أسلوب عرض الأفكار وتعويد النشء على الإبداع والتحفيز والتنافس الشريف وربما وضع مسابقات وتنظيم الندوات والمؤتمرات لإطراء الفكر وإعطاء مساحة شاسعة للعقل للابتكار والخروج من الصندوق الذي تعاني منه أفكار وأدت وتم طيها في عالم النسيان بسبب تفرد الرأي وعدم إتاحة الفرصة للعقل البشري للاستكشاف والابتكار، والنتيجة خلق جو وبيئة مبدعة منتجة لا خاملة بدلا من أنانية الموقف الذي يعتبر عقبة في طريق التنمية.
ولا ننسى أن لدينا ثروة كبيرة واعدة من العقول الشابة التي ولله الحمد تمثل أكثر من 50 في المائة من سكان المملكة من وهم المعتمد عليهم -بعد الله- في أية بلد نام يتطلع إلى أن ينافس في الساحة العالمية فهي في النهاية وسيلة إلى توطين سلوك جماعي مبني على ثقافة خليط من الأفكار بدلاً من أحاديته.