حذيفة مدخلي ">
في السيارة ونحن عائدون من السينما، حدثني صديقي أنه التقى بمجموعة من الأمريكان في أحد المتاحف في مدينة فيلادلفيا، وحينما عرفوا أنه عربي بدأوا يطرحون عليه أسئلة; شعر بالحرج أنه لا يعرف إجابات لها. كان محور حديثهم عن العلماء المسلمين الذين أثروا في العالم وغيروا مجرى التاريخ، سألوه عن الحسن ابن الهيثم، وابن سينا، وابن رشد وابن خلدون وغيرهم. يقول صديقي: شعرت بالحرج لأن هذه أسماء عربية سمعت بها من قبل لكن لا أعرف معلومة واحدة عنهم. قلت له سأزيدك، هل تعرف أن الحسن ابن الهيثم هو أول من صنع الكاميرا وأسماها (قمرة) وأن اسم الكاميرا الحالي أيضاً ربما جاء من اسم (قمرة ابن الهيثم)؟ صُدم صديقي من هذه المعلومة وسأل وهو حزين، لماذا لا نعرف هذه المعلومات وندرسها بعناية في مدارسنا؟
عدت للبيت أفتش في ما توفر من مراجع، وأنا أتساءل، كيف وصل العرب لما وصلوا إليه من تقدم غيّر مجرى العالم؟ كل المصادر والمراجع تؤكد أن العرب لم يعرفوا هذه العلوم ابتداءً وانما أخذوها عن أمم أخرى وطوروها ونشروها للعالم. حركة الترجمة التي قام بها العرب ابتداءً من العصر الأموي كانت هي النقطة الفاصلة في تاريخنا كأمة وحضارة. كان العرب يترجمون كل ما وقع بين أيديهم من علوم الطلب والهندسة والرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلسفة والصناعات العسكرية. أشهر الأمم التي أخذ العرب عنها هذه العلوم هم الصينيون واليونانيون والمصريون القدماء وقاموا بتطويرها ثم قدموها للعالم علوماً حديثة مواكبة لمتطلبات العصر.
عرف العرب أن وسيلة التقدم هي اطلاع العامة من الناس على هذه العلوم عبر ترجمتها إلى لغتهم التي يفهمونها جيداً، فنشأ جيلٌ ملمٌ بالعلوم انطلق نحو التقدم من حيث انتهى إليه الآخرون. الترجمة ذاتها كانت هي نقطة التحول في حياة الغرب، فحين قام الأوروبيون بترجمة العلوم عن العرب، ترجموها إلى لغاتهم ليفهمها العامة من الناس، فنشأ جيل مُلمٌ بآخر ماوصل إليه العالم، ومن حيث انتهينا وتوقفنا، انطلقوا للأمام.
نحنُ الآن لدينا جيل ملمٌ بآخر ما وصل إليه العلم في كل المجالات، وملمٌ باللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والصينية واليابانية والكورية، شكراً لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي أوصلنا إلى كل جهة من العالم، لكن هذا الجيل لن يأخذنا للأمام ما دام يحصر مساهماته العلمية ونشر أبحاثه بلغة غير اللغة العربية. لنحقق استدامةً فيما يسهم به الجيل الحالي، يجب أن تتقاسم مراكز الترجمة في الجامعات السعودية المحتوى الغير عربي وترجمة آخر ما نُشِر من أبحاث في المجلات العلمية المحكمة والكتب العلمية بشكل متواصل. يجب علينا أن نوفر لأمتنا ما تحتاج إليه من علم، نقدمه بلغتنا ليخلفنا خلفٌ ينهضُ بالأمة وينطلق للأمام من حيث انتهى إليه الآخرون.
معظم الجامعات العربية ومن ضمنها السعودية تدرس العلوم الحديثة باللغة الإنجليزية، في بلد لغته الرسمية اللغة العربية ولطلبة ربما لا يعرفون من اللغة الإنجليزية إلا بضع كلمات درسوها في المرحلة الثانوية. فينتج لدينا جيلٌ من خرّيجي الجامعات، ربما يحفظون ما يدرسون، لكن بالكاد يفهمونه، وهذا حق مشروع لهم فهذه ليست لغتهم. لا شك لديّ أن اللغة الإنجليزية ضرورية للانخراط في سوق العمل، لكن يجب ألاّ نُرهق الطالب بمحاولة تعليمه لغةً جديدة عليه في سنة واحدة، ثم حشو ذهنه في السنوات اللاحقة بمعلومات لا يفهم منها إلا قليلاً. المسؤولية تقع على عاتق الجامعات، فالطالب يجب أن يتعلم ليفهم لا ليحفظ. تطوير عمل مراكز الترجمة في الجامعات السعودية وعملها على ترجمة المحتوى الدراسي للجامعات، سيضمن لنا أن المعلومة تصل للطالب كاملةُ لا منقوصة. ونظراً لأهمية اللغة الإنجليزية بالنسبة لسوق العمل، فلتكن مادةً تصاحب الطالب من أول يوم له في الجامعة حتى تخرجه.
الترجمة كانت هي النقطة الفاصلة في تاريخنا العربي قديماً، وكانت النقطة الفاصلة في تاريخ الغرب، وهي النقطة الفاصلة لجيلنا الحالي لينهض مرة أخرى ويقود العالم.