مكفولة منت آكاط
تتجه الأنظار دوما للمملكة العربية السعودية في حال حدوث أي اهتزاز سياسي إقليمي كونها اللاعب الأول في منطقة الشرق الأوسط، ذلك أن المملكه العربية السعودية تتمتع - بالإضافة للمكانة التاريخية لها - بثقل سياسي واقتصادي وجغرافي فضلا عن سلطتها الروحية والمعنوية النابعة من إدارتها للأماكن المقدسة للمسلمين التي جعلها الله بيدها والتي هي أعظم من موجوداتها الاقتصادية والعسكرية لأنها تمنحها سلطة معنوية وأخلاقية على كافة المسلمين في كل مكان.
ولعل ما حملته السنوات الأخيرة من تعقيدات وملفات شائكة جعل من الصعب على أي دولة عربية أن ترسم صورة إيجابية ثابتة لنفسها وأن تحافظ على حضورها الشعبي والقومي و إذا استثنينا الحضور داخل بعض النخب السياسية التي لها حساباتها ومصالحها وأجنداتها الخاصة - و التي من المنطقي أن لا تكون مقياسا للأداء الإيجابي لهذه الدولة أو تلك - فإن عامة الشعوب العربية والشعب الموريتاني بالخصوص ظلت تنظر للقيادات السعودية المختلفة كزعامات نوعية تجمع الرمزية والمواقف النبيلة.
أن العلاقات الودية قد تتحول إلى علاقات عدائية لأن ما يحكم تلك العلاقات هو برغماتية العمل السياسي التي تدور حيث تدور المصالح في المقام الأول، و كثيرا ما نري تحولات المواقف السياسية من أقصي اليمين إلى أقصي اليسار والعكس فإذا كان لكل قاعدة استثناء فإن المملكة العربية السعودية كانت من الدول القلائل التي كسرت هذه القاعدة على صعيد سياستها الخارجية بل قد يعيب البعض على السعودية هدوءها وقت الأزمات ولكن ما إن تهدأ الرمال المتحرك حتى تنكشف حكمة الموقف السعودي.
إن ما يميز المملكة العربية السعودية عن غيرها من الدول هو ثبات النهج في سياستها الخارجية حيث أرست لنفسها ثوابت لم تتزعزع في مختلف التحولات والأزمات الدولية ، فتميز النموذج السعودي في سياسته الخارجية بفكر سياسي أصيل في منبعه واسع في أفقه قوي في أثره.
وقد استطاعت المملكة العربية بفعل تلك السياسة الحكيمة أن تتبوأ مركزا مؤثرا في المنطقة والعالم أجمع فاستحقت عن جدارة صفة اللاعب الأساسي في المنطقة العربية وغالبا ما تغري صفة «اللاعب الأساسي» في السياسة الكثير من الدول للإمساك بخيوط اللعبة السياسية وتوجيهها حسب المصالح الضيقة غير أن المملكة العربية السعودية استطاعت من خلال مفهوم «اللاعب الأساسي والمؤثر» أن تحفظ التوازنات وتحد من الاختلالات فكانت أهم مرتكزات سياستها الخارجية تقوم على تقديم الدعم المادي والمعنوي للدول الصديقة والشقيقة دون التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة بل إن المساعدات التي تقدمها المملكة العربية السعودية مادية كانت أو ثقافية أو دينية والتي مكنتها من امتلاك ما يمكن أن نسميه القوة الناعمة في العلاقات الدولية القائمة على التجارة والاستثمار والهبات غير المشروطة بالمصالح، لقد حصلت المملكة العربية السعودية من خلال قوتها الناعمة على قيمة تكثير الصداقات وتقليل العداوات!!
وليست العلاقة الموريتانية بالمملكة والتي هي علاقة أخوية وطيدة وأصيلة ضاربة في التاريخ سوي دليل على ماذكرنا آنفا، لقد قامت وشائج العلاقات الشعبية بين الشناقطة القدامى والآباء المؤسسين للمملكة منذ تاريخ ضارب في القدم لذلك لم يكن مستغربا أن نرى المواقف السعودية الداعمة لاستقلال موريتانيا 1960 ذلك الدعم الذي جسدته زيارة الملك فيصل لموريتانيا.
لقد حرص الرؤساء الموريتانيون والملوك السعوديون على مدى العقود الخمسة الماضية على الالتقاء وتوثيق الصلات حيث لم يكن القادة الموريتانيين في غنى عن الدعم المادي والمعنوي من المملكة العربية السعودية كما كان القادة السعوديون يدركون أن موريتانيا تمثل عمقا استراتيجيا للعرب والمسلمين وجسرا بين العرب وإفريقيا لذلك لم يكن مستغربا عمق العلاقة وصدقها وروعتها على مدي التاريخ.
ومن يتتبع تلك العلاقة يلاحظ أنها تشهد تطورا إضافيا نوعيا ذلك أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يقود المملكة اليوم برؤية سياسية واضحة وعظيمة نحو مستقبل واعد ومشرق ومستحق كما أن محمد ولد عبد العزيز يسير بموريتانيا بخطوات ثابتة نحو أخذ دور في المنطقة وليست قيادة المملكة للتحالف الدولي في اليمن ودعم الموريتاني لها إلا دليل واضح على النظرة الموحدة للبلدين بخصوص الأحداث الإقليمية و قد أعطت اللقاءات المتكررة بين القائدين زخما كبيرا ودفعة قوية لتعزيز أواصر الأخوة بين الدولتين الشقيقتين وأوضحت تطابق المواقف بين الدولتين تجاه ما تتعرض له المنطقة العربية والإسلامية من أخطار تفرضها التطورات الدراماتيكية في المنطقة والعالم والتي يأتي في مقدمتها خطر الإرهاب والتطرف، العمل العربي المشترك، والعمل في المحافل الدولية على نبذ العنف وحل الخلافات بالطرق السلمية.