منصور البراك ">
تتعدد الأحداث والوقائع اليومية، وتتنوع في تأثيرها قوة وضعفا، شدة ولينا، ويبقى بينها مشاهد، قد لا يلتفت إليها البعض في ظل الانشغال بالحياة اليومية، مواقف تسجل، وتستحق التأمل، وتقدم انطباعا حقيقيا عن معدن المواطن المسلم في هذا البلد الذي يحكم بشرع الله.. دع عنك المواقف التي تستدعي المساعدة العاجلة على طريق بري، أو التعاطف الإنساني، كحادثة الطفلة جوري، أو مواقف تخليص معاملة ناقصة، أو تقديم شفاعة، بما فيها من نبل ولطف وسماحة، تلمسها لدى كثير من الموظفين الذين وفقهم الله لإدراك أن مكانهم لخدمة الناس وتسهيل إجراءاتهم ليس إلا، لك أن تتصور مدير دائرة مشغول بمهام إدارية معروفة ومتابعة مستجدات أعمال الجهة التي يرأسها بما تتطلبه من جهد وتفرغ لهذا العمل، ثم تراه يفتح بابا واسعا لاستقبال المراجعين والسماع منهم بل وإنهاء معاناتهم، من هنا دعوني أروي لكم حادثة وقفت عليها بنفسي وهي معاناة أرملة تكالبت عليها الظروف من جميع الاتجاهات وهي في ريعان شبابها من فقد للزوج الشاب وهما في مقتبل العمر وما يتركه ذلك من حسرة ولوعة في النفس، وعبء الأيتام اللذين بين يديها وحاجتهم للرعاية والاهتمام، وغير ذلك من متطلبات الحياة، وبينما هي تحاول استعادة توازنها وترتيب أمورها للبدء في حياة جديدة وتحمل أعباء كبيرة.. إذا بكل الأبواب مغلقة أمامها لضرورة حصولها أولا على الولاية والحضانة التي تتطلبها أي خطوة للمضي في دروب الحياة الجديدة، وبينما هي تبحث عن ولاية وحضانة أطفالها في طرقات وممرات محكمة الأحوال الشخصية بالرياض تتنقل هنا وهناك إذا بقدميها تحطان عند باب المحكمة خارجة تحمل هما كبيرا ويأسا وقنوطا أين تذهب ؟ وماذا تفعل ؟ كل من لاقته من المشايخ والموظفين أقفل في وجهها باب الحياة فالحضانة والولاية ليست لها، وإنما لغيرها هكذا ودون السماع منها!! أي هم وأي معاناة ومامدى الحسرة التي تنتاب هذه الفتاة ؟ فقد زوج، وحرمان من رعاية أبناء في وقت واحد، وبينا هي كذلك ييسر الله لها وعند باب المحكمة من يدلها على رئيس المحكمة الشيخ حمد الزيد الذي تفضل وسمع منها كل الحيثيات والملابسات، مادعاه لتفهم وضعها وأحقيتها بما تطالب به وتسهيل الإجراءات لها للحصول على الأوراق التي تكفل لها البدء في حياة جديدة برعاية أبنائها والولاية عليهم وحضانتهم، أكتب هذه الكلمات وأروي هذه الحادثة، والحمدلله أن الشيخ لايعرفني ولا أعرفه ولكوني طلت للشهادة ووقفت في مكتبه على مواقف ومهام يقوم بها مدير المكتب الشيخ إبراهيم السعران لتذليل وتيسير وتوجيه المراجعين والمحتاجين لما يمكنهم من الحصول على مطالبهم بأريحية ولطف ونبل .. وماشجعني على كتابة هذه الكلمات أني لست معنيا ولا قريبا مني طرف في هذا الموقف أو الحادثة، وكوني وقفت على مشاهد في هذا المكتب تسر وتشرح الصدر، وتؤكد الأهداف والمعاني السامية لافتتاح مثل هذه المحاكم التخصصية، لي أمنيات أرجو أن تتحقق مع افتتاح مثل هذه المنشأة المتخصصة والحساسة: مراجعة المحكمة لايعمد إليها أي شخص إلا في حالة الضرورة القصوى، والحاجة الماسة التي لامناص بتمام بجريان الحياة بدونها فالمحكمة تتعلق بتسوية أخص احتياجات الناس من الزواج والطلاق والميراث والحضانة والولاية وغيرها.. ولذا أمنية من كل معني من شيخ فاضل أو كاتب عدل أو موظف في هذه المحكمة بأهمية السماع وعدم الاستعجال في رد أي مراجع وخاصة المرأة دون التأكد من أن لها حاجة ينبغي أن تقضى، وأن يكون هذا اللطف في التعامل والتيسير موجودا في جميع المكاتب وعند جميع القضاة، أغلب المراجعين من العامة اللذين يجهلون الخطوات الصحيحة فينبغي توجيههم وإرشادهم ومساعدتهم إن تطلب الأمر، المرأة تحتاج للسماع منها قبل الرد عليها ومعرفة ملابسات قضيتها، هذه المحكمة تتعلق بأخص أمور الناس فتحتاج مزيدا من الدعم والاهتمام الذي يتوافق مع أهميتها.