هشام اليوسف ">
قضيت قرابة العقدين من عمري جلّها في تعليم المرحلة الثانوية وقليل منها في المرحلة المتوسطة وبعضها في غير ذلك.
وكنت مهتمًا -بزعمي- بتدريس اللغة العربية وإيصالها للطلاب وتحبيبها لهم..
مع أني كنت ألحظُ ضعفًا ينتاب الأجيال المتأخرة، في اللغة العربية خاصةً، حتى وصل الأمر إلى حدٍّ أراه مخيفًا وخطيرًا؛ لا يسعني معه السكوت!!
حتى أني دخلت هذا العام أحدَ الفصول في الصفّ الثالث المتوسط، فكتبت مجموعة كلمات مختلفة، وطلبت من الطلاب تحديد أنواعها، من حيث الاسمُ، والفعلُ، والحرفُ، فرأيتُ أمرًا أحزنني وأهمني لم أستطع معه السير في المنهج المطلوبِ مني إكمالُه!
فكيف لي -مثلًا- أن أشرح لطالب إعراب الأسماء الخمسة
وهو لا يعرف بعدُ الرفع والنصب والجر وعلاماته الأصلية؟!
فبدأت أتأمل الحال وما آلَ إليه
فوجدت مرجع المشكلة ثلاثة أمور
أولاً: جمع فنون وعلوم اللغة في كتاب واحد ومادة واحدة؛ وهذا بلا شك من شإنه إضعاف العلم لا تقويته، فليت شعري متى كان القيام بأمرين أو ثلاثة معًا أقوم لها بدل أن يصلح كل في حاله؟!
وأنا هنا لا ألوم زملائي من المعلمين والمعلمات ولا أشكك في وجود طاقات مهتمةٍ.
لكن المناهج ليست مساعدةً بصورتها الحاليّة!
فأضرب لك مثلاً أخي الكريم -ولو أطلت عليك:
لمّا يأتي سؤال في نص قراءة عن التشبيه وأركانه والطالب لم يمرَّ عليه هذا الدرس قبلًا،
فأنت هنا-أيها المعلم- أمام طالبين، أحدهما لا يلقي للمعلومة بالًا ولا اهتمامًا فيُمرّها كما جاءت غير مكترثٍ بها، وآخرُ نبيهٌ فطنٌ لا يكفيه الإشارة إلى الشيء بل يريد فهمه واستيعابه.
فالأول لن يستفيد،
والثاني يأخذ من وقت الدرس أكثر مما يجب.
فالحلّ إذن أن نفرد للدرس وقتًا مخصصًا وصفحات مستقلة
وفي الخلاصة لا بد أن نقسم مواد اللغة إلى تنظيرية وتطبيقية، وبهذا يكمل بعضها بعضًا.
أما الخلط الحاصل بهذه الصورة فهو إخلالٌ للمعلومة وإرباكٌ للطالب .
فلا أظنّ عاقلًا يقول لوجمعنا مادة الرياضيات والفيزياء والكيمياء في مادة واحدةٍ بجامع الطبيعية والمنطق في أكثرها، لكان أعظم نفعًا!
فكيف نجمع بين علم النحو، وهو منطق صرف، وبين علم الأدب وهو يعتمد على العاطفة والذوق والخيال والتصور ؛ ففي حقيقة الأمر هما مختلفان .
فالواجب أن نجعل لكل مادة منهما معلمًا مختصًا مما هو الحال في الدراسات العليا في الجامعات «قسم النحو والصرف وقسم الأدب وقسم البلاغة والنقد» فلكل قسم خصوصيته بدل هذا الخلط المخل الذي سوغه أنّ جميع هذه المواد تحت مسمّى اللغة العربية وفي واقع الأمر بينها من الفروق الشيء الكبير.
ثانيًا: جعل المرحلة الابتدائية كلها تقويمًا مستمرًا. وهذا الأمر أنتج لنا جيلًا ضعيفًا في أساسات التعلم الضرورية ومهارات القراءة والكتابة وحسن الخط وقراءة القرآن الكريم وأسس الرياضيات، التي لا يليق بطالبٍ أن يتجاوز المرحلة الابتدائية، بله الصف الثالث الابتدائي وهو لا يتقنها.
ثالثًا :- وهو الأشد ألا وهو استمرار جعل مادة لغتي الجميلة والخالدة في المرحلتين المتوسطة والثانوية تقويمًا مستمرًا ولا يخفى عليك أخي القارئ ذلك الانطباع الذي يلقيه مسمّى «تقويم مستمر» على ذهنية الطالب وشعوره تجاه هذه المادة، وهو أنها ليست مهمةً ولا رسوب فيها أي لا تحتاج مزيدَ اهتمام.
قد يتفهم الطالب كون مادة القرآن الكريم تقويمًا مستمرًا فقد يصعب قياس إتقانها بالاختبار التحريري.
وكذلك مادة التربية الرياضية والتربية الفنية.
أما مادة اللغة العربية مع ما تحتمله من معلومات، فهي أولى المواد قاطبةً أن يكون قياس إتقانها تحريريًا، ففيها ما يجب تقييمه كتابيًا كالإملاء وحسن الخط والكتابة؛ فلا أدري ما الذي جعلها تُستثنى من باقي المواد الشرعية، والاجتماعية، والطبيعية لتكون تقويمًا مستمرًا؟!!
وحيال هذ الضعف عند الطلاب نجد المعلمين في المرحلة المتوسطة والثانوية أقسامًا ثلاثةً الأول: يقول أنا مؤتمنٌ على منهج معين، ومطالب بشرحه، بصرف النظر عما عليه الطالب أو ما حصل قبلًا.
والثاني: يرى أهمية التأسيس فيبدأ بالمهمات من صواب القراءة والإملاء وأساسات اللغة ثم يعرج على المنهج مع نقص في إنهائه.
والثالث: يكون ضعيف الهمة، ويرى ألا فائدة من شرح هذا المنهج مع عدم استيعاب الطلاب له، فيكون مذبذبًا مفرطًا مع أني أرى أوسطهم الأفضلَ و آخرهم الأسوأَ.
مع أني لا أتجاهل ما يواجهه أبناؤنا وبناتنا من ملهيات من ألعابٍ إلكترونية وأجهزةٍ ذكيةٍ وشبكات تواصلٍ وأثرها عليهم.
أما الحلول لهذه المعضلة والمصيبة فهي في مقالٍ لاحقٍ قريبٍ بإذن الله.