غدير الطيار ">
تعد الجودة في عالمنا اليوم، مطلبًا ضروريًا لكل منشأة ودولة تطمح لتحقيق العالمية في الأداء والمنافسة في عالم يموج بالمتغيرات الحديثة والمتسارعة، وقد ظهر مفهوم الجودة الشاملة في الولايات المتحدة الأمريكية في ثمانينات القرن الماضي، لتزايد المنافسة العالمية على الصعيد الاقتصادي واكتساح الصناعة اليابانية للعالم، خاصة في أسواق دول العالم الثالث.
حيث تعددت تعريفات مصطلح الجودة ومن أبرزها:
(الرضا التام للعميل) أرماند فيخبوم 1956.
(المطابقة مع المتطلبات) كروسبي 1979.
(دقة الاستخدام حسب ما يراه المستفيد) جوزيف جوران 1989.
(درجة متوقعة من التناسق والاعتماد تناسب السوق بتكلفة منخفضة) ديمنج 1986.ونستنتج من هذه التعاريف بأن (الجودة) تتعلق بمنظور العميل وتوقعاته، ولذا فمن الممكن أن نسمي المنتج العالي الجودة بأنه المنتج الذي يلبي توقعات واحتياجات العميل، وحيث إننا قد وصلنا لهذا الاستنتاج فإنه يمكن الجمع بين هذه التعاريف ووضع تعريف شامل للجودة على أنها (تلبية حاجيات وتوقعات العميل المعقولة).
إن تعبير الجودة ليس تعبيراً جديداً وإنما ظهر في ثقافتنا العربية الإسلامية، وخير دليل على ذلك ما ورد من آيات قرآنية وأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم، تؤكد ذلك، حيث قال تعالى في كتابه الكريم:
{ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } (88) سورة النمل..
«وكذلك قال تعالى في محكم تنزيله {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (30) سورة الكهف. وعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:- «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» (رواه مسلم).
ونفهم من ذلك أن الجودة هي الإتقان والعمل الحسن والجودة مطلوب تحقيقها, وقد حرصت حكومة خادم الحرمين على الاهتمام بالجودة, حيث جاءت رؤية المملكة للجودة الوطنية والتي أطلقت في المؤتمر الوطني الثالث للجودة 1432هـ «المملكة العربية السعودية بمنتجاتها وخدماتها معيارًا عالميًا للجودة والإتقان في عام 2020 م» لتكون بمثابة البوصلة التي ستقود وتوحد كافة الجهود المبذولة حاليًا في مجال الجودة والتميز بمختلف قطاعات الأعمال ببلادنا الغالية، حيث كان قطاع التعليم في مقدمة القطاعات التي ستساهم في ترجمة وتحقيق هذه الرؤية الطموحة والوصول بمنتجات وخدمات بلادنا إلى المستوى العالمي لتتمكن من المنافسة وتعزز اقتصادنا الوطني ومكانة المملكة الإقليمية والدولية كأكبر مصدر للطاقة في العالم وواحد من أكبر 20 اقتصادًا في العالم اليوم، إضافة إلى الشرف العظيم لهذه البلاد والمتمثل في خدمة الحرمين الشريفين ولأن الحاجة ماسة لوجود نموذج وطني للجودة والتميز يكون بمثابة المسار والمنهج للوصول إلى المستوى العالمي فقد جاءت جائزة الملك عبدالعزيز للجودة، وكانت البداية في قطاعات الإنتاج والخدمات، ثم تواصلت المسيرة لهذه الجهود المباركة ليقترب موعد انضمام قطاع التعليم العام إلى منظومة الجائزة وبمعايير عالمية المستوى تم تطويرها وإعدادها لتحقق مفاهيم الجودة الشاملة والتميز المؤسسي في قطاع التعليم، ويمكن أن نبين مفهوم الجودة وفقا لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر اليونسكو للتعليم والذي أقيم في اكتوبر 1998 , حيث يمكن تحقيق الجودة الشاملة في التعليم من خلال تحقيق النظرة الشمولية للمدرسة وتكمن أهمية الجودة الشاملة في التعليم فيما يلي:
1 - ضبط وتطوير النظام القيادي والتعليمي داخل المدرسة.
2 - الارتقاء بالمستوى المعرفي والمهاري والنفسي والاجتماعي للطلاب.
3 - رفع كفاءة ومستوى أداء المعلمين والإداريين.
4 - توفير التعاون والتفاهم وبناء العلاقات الإنسانية بين جميع منسوبي المدرسة بما فيهم الطلاب.
5 - مشاركة جميع منسوبي المدرسة في اتخاذ القرار وتطوير الأداء بعيداً عن المركزية.
6 - رفع مستوى الوعي والإدراك لدى المعلمين والطلاب تجاه عمليات التعليم والتعلم.
7 - تطوير وتحسين المخرجات التعليمية بما يتماشى مع السياسات والأنظمة وإرضاء جميع المستفيدين.
8 - إيجاد الثقة المتبادلة بين المدرسة والمسئولين والمجتمع.
9 - إيجاد بيئة داعمة للتطوير المستمر.
10 - خفض الهدر والاستخدام الأمثل للمدخلات البشرية والمادية ويمكن أن أقول إن تحقيق مفهوم الجودة الشاملة في التعليم يتطلب وبكل بساطة أن يشمل ذلك كافة أركان العملية التعليمية، والتي تشمل الطالب، وهو المستفيد الأول الذي يجب أن يكون محور اهتمام ورعاية المؤسسة التعليمية، وأن يشارك في صياغة المناهج وتصميم الآليات المناسبة لتقديم وتنفيذ العملية التعليمية، كما يمثل المعلم ودون أدنى شك ركنًا هامًا في العملية التعليمية وجودتها، والتي يتطلب تحقيقها اهتمامًا خاصًا بعمليات اختيار وتدريب وتأهيل المعلمين وتحفيزهم والاستماع إلى اقتراحاتهم، وتوفير البيئة المدرسية الملائمة ليبدع ويبتكر في أساليب التعليم وتوصيل المعلومة ونقل المعرفة إلى الطلاب، ويحبب إليهم العلم والمدرسة، والنجاح في إقناعهم بالدور والمسئولية الهامة التي تنتظرهم في مستقبل حياتهم العملية، كما ينطبق كل هذا الاهتمام على بقية أركان العملية التعليمية مثل المناهج التعليمية والمرافق الدراسية والإدارة أو القيادة المدرسية وغيرها. متى ما طبق مفهوم الجودة الشاملة وتحقق أصبحت المدرسة بيئة جاذبة ومحببة للتعليم يسعد ويبدع الطالب والمعلم فيها، ولن يتحقق مفهوم الجودة في التعليم حتى يكون أول أيام المدرسة من أسعد وأجمل أيام الطالب، ويكون آخر أيام المدرسة يوم فراق حزين لمكان تعلق به الطالب وأحبه. هل تعتقدون أنني وصلت للمثالية بكوني قلت تصبح المدرسة من أحب وأسعد الأيام للطلبة.... نتمنى ذلك في ظل تحقيق بيئة محفزة ومشجعة لا أقول للطلاب فقط وإنما للجميع في هذا الوطن المعطاء الذي نسعى لتميزه وجودته وأكرر وأقول (دمت يا وطني شامخا).