غسان مصطفى الشامي ">
تئن القدس في كل ساعة وفي كل يوم، وهي تواصل انتفاضتها على محتليها، وتواصل الدفاع عن نفسها لوحدها؛ وتواجه القدس بشبابها وفتياتها ورجالها وشيوخها غطرسة المحتلين، ومواصلة انتهاك حرمة المسجد الأقصى المبارك، ومواصلة تدمير منازل المقدسين وتهجير أهلها وملاحقة أبناء القدس، والعمل على طردهم وإبعادهم عن القدس.
انتفاضة القدس المباركة تمضي في سبيلها، وتدخل في شهرها الثالث، ليصل عدد شهداء انتفاضة القدس منذ انطلاقتها في أكتوبر الماضي لأكثر من 100 شهيد، ثلثهم من مدينة خليل الرحمن المحتلة؛ واليوم تتواصل الانتفاضة، ويعلن شباب القدس والثائرون في الضفة المحتلة عن رفضهم لكافة محاولات إجهاض الانتفاضة، ورفضهم لمبادرات واتفاقات احتواء الانتفاضة ومحاولات الالتفاف على هذه الانتفاضة، والعمل على وئدها وإنهائها.
ويشدد كاتب السطور على ما تمثله انتفاضة القدس من إرباك لحسابات الدولة العبرية، ومصدر خطر وقلق دائم للصهاينة في كافة المستوطنات الإسرائيلية، كما باتت الأوضاع غير مستقرة في البلدات الصهيونية؛ فضلا عن أن هذه الانتفاضة باتت تشكل عبئا كبيرا على الولايات المتحدة الأمريكية وهيئة الأمم المتحدة والمساومين والمفاوضين الذين يبحثون في كل ساعة عن مخرج وحلول لوقف هذه الانتفاضة.
لقد أذهبت هذه الانتفاضة عقل رئيس الوزراء الصهيوني (نتنياهو) الذي بدأ يتخبط في الكثير من القرارات والتعليمات، والتصريحات التي يعلن عنها بين الفينة والأخرى، حتى دفع الكثير من الصهاينة إلى انتقاد سلوك (نتنياهو) علنا في التعامل مع هذه الانتفاضة، وأبرزهم زعيم حزب (إسرائيل) بيتنا المتطرف افيغدور ليبرمان الذي وصف سلوك (نتنياهو) بالكارثي، خاصة عندما أعلن نتنياهو عن التفكير في الانسحاب من مناطق في الضفة المحتلة بات الأمن فيها مفقودا للصهاينة ويحصل فيها العشرات من العمليات الفدائية.
لقد اتخذ رئيس الوزراء الصهيوني (نتنياهو) وحكومته الفاشية جملة من القرارات العنصرية لوقف هذه الانتفاضة، منها القرارات الأخيرة التي اتخذها مجلس الأمن (الإسرائيلي) المصغر (الكابينيت) التي تقضي بفرض الطوق الأمني على العديد من المدن الفلسطينية في القدس والضفة المحتلة، وهذه المدن الفلسطينية هي التي يخرج منها منفذو العمليات الفدائية، حيث قامت سلطات الاحتلال قبل أيام بتنفيذ هذا القرار على بلدة بيت أمر وبلدة بير نبالا في القدس المحتلة، وتم فرض حصار مشدد على بلدة بيت أمر, كما شن الجيش الصهيوني حملة اقتحام واسعة للبلدة ولمنازل الشهداء، وتم منع المزارعين من الوصول الى أراضيهم، كما طبقت قوات الاحتلال القرار على بلدة بير نبالا قضاء القدس, حيث فرضت يوم السبت الماضي طوقا مشددا على البلدة، ومنعت أياً من المواطنين من الدخول أو الخروج إليها.
إن كافة المحاولات الإسرائيلية والأمريكية لإجهاض انتفاضة القدس باءت بالفشل الذريع، في ظل تواصل المواجهات في القدس والضفة المحتلة، وتواصل تنفيذ العمليات البطولية من قبل شباب وفتيات القدس ضد جنود الاحتلال.
إن الكثير من المحاولات الدولية بذلت من أجل وقف انتفاضة القدس وأبرز هذه المحاولات، ما سميت بتفاهمات كيري - نتنياهو والتي تركزت على التأكيد على عدم تغيير الوضع القائم في القدس، ووقف مخطط التقسيم المكاني والزماني الصهيونية للقدس، كما أكدت هذه التفاهمات على إبقاء السيطرة الأمنية الصهيونية على القدس، ومن جملة التفاهمات العمل على وضع كاميرات مراقبة في القدس والمسجد الأقصى؛ ولكن هذه المحاولة من قبل الإدارة الأمريكية باءت بالفشل الذريع، ثم تلتها محاولة من قبل الأمم المتحدة من أجل احتواء هذه الانتفاضة، حيث قدم منسق عملية السلام في الأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف مبادرة تهدف للحفاظ على الوضع القائم بالقدس والتخفيف من القيود (الإسرائيلية) المفروضة على الفلسطينيين، وضرورة اتخاذ خطوات لتعزيز التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، وعدم استخدام السلاح إلا في الضرورة القصوى.
ويؤكد كاتب السطور على أن المحاولات الأمريكية والأممية لاحتواء ووقف هذه انتفاضة القدس ما هي إلا لذر الرماد في العيون، ولن تستطيع وقف هذه الانتفاضة، التي انطلقت بصورة شعبية وعفوية بعد الجرائم الكثيرة التي ارتكبها الصهاينة في القدس المحتلة، وقتل حرائر القدس والضفة دون أن يحرك أحدا ساكنا، كما أنه لا يستطيع أحد أن يتنبأ بموعد انتهاء هذه الانتفاضة التي تشهد تصاعدا في الأحداث، حتى إن وزير الحرب الإسرائيلي «موشيه يعلون» صرح مؤخرا أنه لا يمكن وضع حد لانتفاضة القدس وهي في تصاعد مستمر، ولا يمكن الضمان أنها سوف تهدأ، وأن الانتفاضة ستتواصل الأيام والأسابيع المقبلة.